العرب وفلسطين: علاقة "رفع عتب"

رغم استمرار الجهود المصرية والقطرية من أجل التوصل إلى اختراق ينهي حرب غزة ومعها الكارثة الإنسانية التي تجاوزت كارثة 1984، يبدو الموقف العربي تجاه كل القضية الفلسطينية أضعف من ذي قبل إلى درجة أنه لا يتخطى “رفع العتب”، رغم أن كل ما حدث ويحدث وما قيل وما يقال وكل ما يرتب في الخفاء، يؤكد أننا أمام مرحلة مفصلية في تاريخ الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي ومصير منطقة برمتها.
ألا تستوجب هذه المرحلة من العرب أن يكونوا طرفا مؤثرا في هذه المرحلة المفصلية، أم أن العرب قد فقدوا فعليا القدرة على التأثير في الملف الفلسطيني بحكم أن الانقسام الفلسطيني قد أحدث شرخا في الموقف المشترك؟ أليست حرب غزة خير شاهد على انهيار منظومة العمل العربي المشترك وخير دليل يؤكد نهاية شيء اسمه الأمة العربية؟
ما يحز في نفس الفلسطيني أن المواقف التي صيغت في كل من جوهانسبرغ أو مدريد وكاراكاس قد كانت أقوى بكثير من مواقف دولة عربية وإسلامية تجاه العدوان الحاصل في غزة. وبينما اكتفت دول عربية وإسلامية يجمعها البعد القومي والديني بتنظيم تظاهرات “رفع العتب” وبتقديم مساعدات محدودة وبمناشدة إسرائيل وقف حربها المجنونة، أعدت دول أخرى أبعد، جغرافيا وقوميا، عن قضية الفلسطينيين، العدة لإزعاج إسرائيل سياسيا وقانونيا.
لم ينجح هذا في إيقاف الحرب لكنه نجح في تعويض الثقل العربي الذي غابت فاعليته عن المشهد الفلسطيني قبل حرب 2023 بكثير، بالنسبة إلى الفلسطينيين كان ذلك تأكيدا للمثل القائل: رب صديق خير من أخ.
◙ البعد القومي للقضية الفلسطينية أمام منعطف خطير، والعرب اليوم أمام آخر اختبار لمدى صدق مواقفهم تجاه قضية تبنوها منذ أزيد من 7 عقود
دفعت المنطقة العربية ثمن ضعف وتشتت الموقف الرسمي للأنظمة ليس فقط في فلسطين وإنما في ليبيا والعراق واليمن وسوريا ولبنان والسودان، وأصبح مستقبل المنطقة مرهونا بحسابات أميركية وإسرائيلية وإيرانية. وهكذا وجد العرب أنفسهم خارج المعادلات الكبرى، أو بالأحرى طرفا غير قادر على صد المخططات التي تحاك ضدهم.
لا غرابة في أن يخطب وزير إسرائيلي متطرف في باريس وأمامه منصة تضم خارطة متداخلة بين فلسطين والأردن وأن يمر ذلك مرور الكرام، أو أن يناقش مستقبل ليبيا في باريس وبرلين، وأن تلتهم تركيا جزءا من أراضي سوريا، وأن يعيش اليمن انتدابا إيرانيا. ولا غرابة أن يكون العرب آخر المعنيين بمستقبل ما بعد حرب غزة.
دخلت حكومة السلطة الفلسطينية عام 2024 بإعلانها حالة الطوارئ لما خلفه الحصار الإسرائيلي على مقدرات السلطة، والتي بالكاد تتحمل مسؤولياتها في دفع رواتب المستخدمين الإداريين بالنظر إلى شح الموارد وتقلص الدعم العربي لميزانية فلسطين بنسبة تجاوزت الثمانين في المئة، سيترتب على هذا الوضع وجود السلطة في موقف ضعف وخضوع أمام ترتيبات مستقبل غزة ما بعد الحرب، فمشاكلها الاقتصادية لا تخول لها الإدارة ولا الإشراف على قطاع غزة دون إملاءات وضغوط خارجية، بمعنى أن هذا الدعم المالي سيكون مشروطا ويخدم الإسرائيليين قبل الفلسطينيين، هذا الوضع الذي تعيشه السلطة ما هو إلا خير دليل على المسافة الشاسعة التي تفصل العرب عن الواقع الفلسطيني المرير.
البعد القومي للقضية الفلسطينية أمام منعطف خطير، والعرب اليوم أمام آخر اختبار لمدى صدق مواقفهم تجاه قضية تبنوها منذ أزيد من 7 عقود، وحرب غزة 2023 لن تنتهي بمجرد صفقة تبادل أو هدنة طويلة الأمد على شاكلة ما أنتجته الحروب السابقة، إنها حرب تفتح الباب لاحتمالين، إما رحيل حكومة التطرف وإعادة بعث مشروع حل الدولتين، أو لمشروع الفصل النهائي للضفة عن قطاع غزة ولإنهاء حلم الدولة الفلسطينية وتعويضه بوصف “الكانتونة” التي تعيش تحت ظل دولة إسرائيل.