العراق وإمكانية الرد النوعي

الولايات المتحدة تقع عليها مسؤولية قانونية تجاه العراق خصوصا في ظل أجواء الاتفاقية الإستراتيجية التي وقعت بين بغداد وواشنطن والتي ترسم خارطة العلاقة وتحدد طبيعتها.
الثلاثاء 2024/12/03
ساحة حرب أم ساحة حوار

منذ عام 2003، والعراق يحاول تطوير قدراته العسكرية عبر تجهيزه بالقدرات العسكرية سواء من الولايات المتحدة أو من أيّ منشأ آخر، من أجل رفع قدرته للوقوف بوجه التحديات التي تعترض أمنه وسيادته. وبالرغم من عدم إيفاء هذه الدول بوعودها التي قطعتها للعراق في تجهيزه بالسلاح، إلا أن التهديدات التي تعرض لها من قبيل المجاميع الإرهابية والحرب الطائفية منذ عام 2004، وبقدراته العسكرية البسيطة التي يمتلكها، لم تثنه عن الوقوف بوجه هذه العصابات وهزيمتها وتحرير أرضه من عصابات داعش. ولكن بقيت الإمكانيات العسكرية قليلة وبسيطة لا ترقى إلى مستوى التطور الذي يشهده العلم العسكري وآلياته ووسائله التي بدأت بالذهاب نحو استخدام الذكاء الاصطناعي. وبالرغم من تصريحات المسؤولين العسكريين عن قدرة الجندي العراقي، إلا أن هذه القدرة ترتكز على الأساس العقائدي فقط، وليس على أساس تطور التجهيز العسكري وتوفير الإمكانيات العسكرية له، كما هو معمول به في الدول المتقدمة أو التي تفتخر بجيوشها على مر التاريخ.

سماء العراق هي الأخرى ما زالت محتلة من قبل التحالف الدولي، والذي لا يسمح للعراق بامتلاك حتى إمكانيات الدفاع عن أرضه وسمائه ضد أيّ تهديد. بل وصل الحال إلى عدم تجهيز الطائرات التي ادعت واشنطن أنها جهّزتها لسلاح الجو العراقي بأيّ تكنولوجيا حديثة تتسق مع حجم التطور الذي يشهده الطيران الحربي، أو مع طبيعة المعركة التي تسيطر فيها إسرائيل على الجو وربما يحقق فيها بعض النقاط في ضربة للبنى التحتية والأبرياء. وهذا ما يريده التحالف الدولي، أن يبقى العراق “مباحا” من قبل الجميع، وتحديدا الكيان الإسرائيلي الذي يحاول استفزازه ودفعه باتجاه الحرب وتوسيعها في الشرق الأوسط، وأن يبقى ضعيفا غير قادر على حماية أمنه وسيادته التي تستباح يوميا من قبل الإدارة الأميركية وسمائه تحت سطوة المسيرات الأميركية والإسرائيلية على حد سواء.

◄ سماء العراق هي الأخرى ما زالت محتلة من قبل التحالف الدولي، والذي لا يسمح للعراق بامتلاك حتى إمكانيات الدفاع عن أرضه وسمائه ضد أيّ تهديد

التهديدات التي توجّهها إسرائيل للعراق بحجة دور الفصائل المسلحة العراقية تبريرا لضربه ليست جديدة. الإسرائيليون يمارسون الحرب العلنية ضد العراق ويحاولون جره إلى حرب مفتوحة. وهذا ما شهدناه في الحرب التي شنت ضد غزة وجنوب لبنان، إذ يسعى الكيان الإسرائيلي إلى تحقيق نصر عبر فتح الجبهات وتوسيع الحرب على أمل تحقيق بعض الانتصارات لتعويض فشل متكرر داخليا أو على جبهتي غزة وجنوب لبنان، والتي تميزت فيها المقاومة بالإدارة العالية للمعركة، والقدرة على مسك الأرض وتوجيه الضربات النوعية.

نعم، ربما العراق لا يمكنه صد الهجوم الإسرائيلي المزمع والذي يهدف إلى ضرب المواقع العسكرية والحيوية العراقية، وربما يذهب أبعد من ذلك في استهداف الشخصيات العسكرية والسياسية العراقية. وهذا الاستهداف ليس بجديد على العراق من قبل الكيان الإسرائيلي، خصوصا وأن العراق مستهدف ليس الآن بل منذ عشرات السنين، بدءا من ضرب المفاعل النووي العراقي وانتهاء باستهداف قياداته بعد عام 2003.

الولايات المتحدة عليها مسؤولية قانونية تجاه العراق، خصوصا في ظل أجواء الاتفاقية الإستراتيجية التي وقعت بين العراق وواشنطن والتي ترسم خارطة العلاقة وتحدد طبيعة هذه العلاقة، وأن لا تقف مكتوفة الأيدي أمام أي تجاوز على السيادة العراقية، خصوصا أن هناك جهودا جدية تبذل من قبل الحكومة العراقية في إبعاد العراق عن أي حرب يمكن أن تتسع في المنطقة، وأن يتحول إلى ساحة حوار ومنطلق إلى التهدئة فيها.

9