العراق من وجهة نظر أميركية.. مذنب حتى يُثبت براءته

الاتجاه في العراق مستقبلاً وما تريده واشنطن سيكون بعيداً عن المنطقة الرمادية وفي ذات الوقت قريباً من الجانب الأميركي فترامب لا يُفرّق بين سلاح الفصائل وسلاح الحشد الشعبي.
الجمعة 2025/02/14
الخاسر الوحيد هو الشعب العراقي

لم تمضِ سوى أيام على تصريح فرهاد علاء الدين، مستشار العلاقات الخارجية لرئيس مجلس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، الذي قال: “إن العلاقة بين بغداد وواشنطن إستراتيجية ومؤسساتية.. وتتجاوز التعاون الأمني إلى مجالات حيوية كالتنمية الاقتصادية والطاقة، مما يعزز استقرار المنطقة ويدعم المصالح المشتركة”، حتى جاء الرد من الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإلغاء الإعفاء الممنوح للعراق باستيراد الغاز والكهرباء من إيران ضمن حزمة من العقوبات قد تشمل إيران والعراق معاً، تلك العقوبة التي ستشعل صيف العراقيين مبكراً.

مصيبة ترامب، كما وصلت رسائله إلى العراقيين، أنه بات لا يُفرّق بين إيران والعراق في عقوباته.

تؤكد مصادر أن خسارة العراق من الغاز الإيراني سيتم تعويضها من الدول العربية، ومن ضمنها السعودية، وبأسعار مخفضة عما كانت تتحصل عليه إيران من مبالغ مضاعفة عن قيمة غازها المورَّد إلى العراق، وإمكانية تأجيل السداد في خطوة قد تساعد هذا البلد على الاستغناء عن “الابتزاز السياسي” بصورة “ابتزاز كهربائي” يزداد ضراوة كلما اقتربت أيام الصيف اللاهب عند العراقيين.

يُقال إن الولايات المتحدة قد تفرض على العراق دفع تعويضات عن خسائرها في حرب 2003، ونعتقد أن خطوة ترامب في التعويضات تأتي كعنوان قادم لمصادرة كل الأموال والأصول لبعض السياسيين والشخصيات بعد عام 2003 الذين نهبوا وسرقوا البلاد والاستيلاء عليها لصالح الخزانة الأميركية.

في عام 2023، باع البنك المركزي العراقي حوالي 41 مليار دولار بمزاد العملة، وفي عام 2024 باع 81 مليار دولار، أي بزيادة 40 مليار دولار.

◄ مصيبة السياسيين في العراق أنهم لا يفرقون بين العقوبات التي تفرضها الخزانة الأميركية، وبين مشروع قرار داخل الكونغرس الأميركي الذي سيكون مُلزم التطبيق لمعاقبة جهات وشخصيات سياسية

يعتقد الجانب الأميركي أن دولاره هُرّب إلى إيران، لذلك ليس غريباً على النائب الجمهوري الأميركي جو ويلسون أن تتصدر تغريدته العاشرة مطالباته بعقوبات تشمل كيانات وأفرادا عراقيين ساهموا بتهريب النفط والدولار إلى إيران، وهو ما يجعل الحكومة العراقية تتوقع المزيد من العقوبات لتشمل مصارف ومؤسسات نفطية وزعامات سياسية مشتركة بغسيل الأموال.

العقوبات الأميركية المتوقعة ستعجّل بتآكل المنظومة السياسية العراقية من الداخل ويزداد معها الصراع بين مراكز السلطة والنفوذ.

الورطة في الوضع العراقي أن الجانب الأميركي لا يُفرّق بين الملف الاقتصادي والسياسي وملف السلاح لدى الفصائل العراقية، بوجود معلومات مؤكدة عن تخادم نفعي بين تلك الأطراف، والخاسر من هذه اللعبة هو الشعب العراقي، مما قد يزيد المأساة.

يعتقد البعض أن العقوبات على العراق سوف لن يتأثر بها سوى الشعب، حيث لن تصيب حياة الرفاهية التي تعيشها النُخب السياسية، تماماً على غرار ما كان يحدث أيام الحصار الاقتصادي الذي كانت تفرضه الولايات المتحدة على الشعب العراقي دون نظامه الحاكم الذي عاش في بحبوحة الرفاهية. وهو اعتقاد خاطئ لأن واشنطن اليوم باتت متأكدة بأن المنظومة السياسية في العراق على تخادم نفعي كبير مع إيران، التي تستخدم ذلك التخادم في بناء قدراتها النووية وهو ما يتعارض مع سياسة الولايات المتحدة الرامية إلى منع إيران من امتلاك السلاح النووي.

مصيبة السياسيين في العراق أنهم لا يفرقون بين العقوبات التي تفرضها الخزانة الأميركية وهي بالفعل قد أصابت البعض منهم إلا أنها لم تكن بذلك التأثير وبتلك الفاعلية، وبين مشروع قرار داخل الكونغرس الأميركي الذي سيكون مُلزم التطبيق لمعاقبة جهات وشخصيات سياسية.

المحصلة أن الاتجاه في العراق مستقبلاً وما تريده واشنطن سيكون بعيداً عن المنطقة الرمادية، وفي ذات الوقت قريباً من الجانب الأميركي، فترامب لا يُفرّق بين سلاح الفصائل وسلاح الحشد الشعبي، لذلك ستكون قراراته حاسمة بضرورة إنهاء كل مظاهر السلاح في السياسة العراقية، فهل ترضى الفصائل ترك سلاحها والابتعاد عن توجهها العقائدي الذي ترسمه لها إيران؟ دعونا ننتظر ما سيحدث في الأيام القادمة.

8