العراق.. حرائق القلوب قبل المزارع

رغم كل التفسيرات والتأويلات التي قدمها الدفاع المدني العراقي حول حرق حقول الحنطة والشعير، شمالي العراق في الموصل تحديدا، التي تعدّ سلة غذاء البلد تاريخيا من محصول الحنطة والشعير، فإن تزامنها مع موسم الحصاد وتكرار وقوعها واكتشاف وجود عدسات حارقة زرعت وسط الحقول، تقوم بالتقاط أشعة الشمس وتوجيهها نحو الزرع الجاف كفيل بإحراقه لشدة حرارة الشمس التي تصل إلى أكثر من خمسين درجة مئوية، تكشف دون مواربة أنها بفعل فاعل وهي تنم عن خبث شديد لم يعتده المزارعون من قبل.
تسببت الحوادث الأخيرة بـ272 حريقا هائلا، أكلت محاصيل أكثر من أربعين ألف دونم زراعي، وأهدرت ثروة غذائية كان العراق يعول على حصادها لسد حاجته من الغذاء الرئيسي للشعب، والحؤول دون الاستيراد من دول الجوار، وعلى الرغم من أن السلطات المحلية صنفت أسباب الحرائق على أنها أسباب متباينة جاءت على النحو التالي حسب الرواية الرسمية “كانت 74 حادث عطب أسلاك كهربائية، و35 حادثا متعمدا، و25 حادث شرارة نار من الحاصدة، و22 حادثا بسبب رمي أعقاب السجائر المشتعلة، و32 حادثا مصدرها نار خارجية، و84 حادثا لم تحدد من قبل الأدلة الجنائية”، إلا أن برلمانيين ومسؤولين تنفيذيين ومزارعين محليين يؤكدون أنها جراء فعل فاعل.
من هو الفاعل؟ وما هي الجهات التي تقف وراء زرع العدسات الحارقة؟ سؤال على بساطته لم يجد إجابة شافية إلى حد الآن رغم فداحة الخسائر، ووضوح الأهداف التي تقف وراء حرمان العراق من ثروة هائلة واستفادة دول خارجية من التعويض التصديري لمنتجات الحبوب وبيعها في السوق العراقي.
اشتعال مزارع الحنطة أحرقت قلوب العراقيين، وجعلتهم على محك أمنهم الغذائي، وباتوا يدركون من وراء هذه الاستهدافات المتكررة، وهم ينظرون إلى وجوه الفلاحين الغاضبة على هدر ثروة جندوا أنفسهم وعوائلهم لزراعتها، وانتظار موسم الحصاد لتوفير قوتهم على أنقاض حرائق مدنهم التي عانت من الاستهدافات والحرمان، لكن يد الغدر والغيلة حالت دون تحقيق هذا الأمل المرتجى.
فقد ظلت مساحات شاسعة تحترق أياما أمام أعينهم وهم ينتظرون الغلة التي توقعوها، وكانت ثروة طائلة نتيجة الفيضانات والوفرة المائية لهذا الموسم، وهم يرون سنابل القمح تتعالى في سموات مزارعهم التي تسللت إليها أفاع غادرة لتزرع تلك العدسات الغريبة بين حقولهم وتشعلها.