العراق الضائع بين التحذير الأميركي وردّ الفصائل

بعد خمس رسائل خلال 72 ساعة، حذّرت فيها السفارة الأميركية من جرّ العراق إلى صراع إقليمي، جاء الرّد من الفصائل العراقية باستهداف طائرة مسيرة باتجاه هدف حيوي في أم الرشراش (إيلات) بإسرائيل. وأكدت الفصائل أن الرّد سيكون متصاعدا ضد إسرائيل بوتيرة متزايدة، وهو ما يؤكد عجز الإطار التنسيقي عن وقف الهجمات التي تحمل بصمات عراقية ضد أهداف إسرائيلية.
يبدو واضحا أن القرار العراقي بات منقسما بين “القرار الإيراني” الذي ينتظر بدوره ردا إسرائيليّا، وبين الموقف الحكومي ممثلاً بالإطار التنسيقي الذي بدأ يضغط باتجاه “تصفير” قصف الفصائل لضرب إسرائيل. كان آخر ذلك محاولات رئيس الوزراء محمد شياع السوداني إرسال عمار الحكيم، القيادي في الإطار التنسيقي وزعيم تيار الحكمة، للتوسط لدى الجماعات المسلحة لتخفيض حدة التوتر.
النأي العراقي عن الدخول في الصراع الإقليمي يراه البعض متطابقا مع رأي المرجعية الدينية في النجف، عندما حددت ثلاثة مسارات لنجدة الشعب اللبناني هي المسار الدبلوماسي والمسار الإغاثي والمسار الإعلامي، حيث يخلو الحديث عن الجانب العسكري.
أما الطرف الحكومي فيعتقد أن قرار الحرب يجب أن تمثله ثلاثة محاور هي: الإطار التنسيقي، تحالف إدارة الدولة ممثلاً بالحكومة التي تنفذ السياسة الخارجية، والنجف التي تعتبر بوصلة القرار، حيث حسم خطابها بالتعامل مع الأزمة في لبنان عبر مسارات المساعدات الإنسانية واستقبال النازحين. لكن ذلك لا يمنع من تصاعد وتيرة التهديد بالقصف والاستهداف لباقي الفصائل، من بينها النجباء وكتائب سيد الشهداء وحزب الله العراقي، التي تؤيد إرسال مقاتلين إلى الجنوب اللبناني.
◄ يبدو واضحا أن القرار العراقي بات منقسما بين "القرار الإيراني" الذي ينتظر بدوره ردا إسرائيليّا، وبين الموقف الحكومي ممثلاً بالإطار التنسيقي الذي بدأ يضغط باتجاه “تصفير” قصف الفصائل لضرب إسرائيل
في الذكرى السنوية الأولى لهجوم السابع من أكتوبر أصدر الأمين العام لكتائب حزب الله، أبوحسين الحميداوي، بياناً دعا فيه المقاومة في العراق إلى الاستعداد لتوسع الحرب والاستمرار في توجيه الضربات إلى عمق الأراضي المحتلة، ما يؤكد أن خطاب التهدئة الحكومي لم يؤثر في تلك الفصائل أو يقلل من ردها العسكري، وهو ما قد يجعل العراق في مرمى القصف الإسرائيلي لأهداف عراقية.
إلى وقت قريب كانت أميركا تحمي النظام السياسي في العراق وتمنع توجيه ضربات إسرائيلية إلى منشآته النفطية ومواقعه الحكومية وموانئه، ليكون الرّد عليه مؤجلاً بعض الوقت. لكن سيناريوهات الحرب تتصاعد، واحتمالات الرّد الإسرائيلي باتت وشيكة، ومن المتوقع أن تُستهدف قيادات أو مصانع للطائرات المسيّرة ومواقع إطلاقها ومقرات للفصائل، حسب تأكيد بنيامين نتنياهو وعزمه الرّد على الهجمات من اليمن وسوريا ولبنان والعراق.
رسائل ألينا رومانوسكي إلى الحكومة العراقية جاءت للإعلان عن تخلي أميركا عن أي ضمانات لحماية الأجواء العراقية من الطائرات الإسرائيلية، رغم بعض المطالبات من جهات سياسية للجانب الأميركي وتذكيره بالجانب الأخلاقي والقانوني لحماية العراق ضمن مذكرة الاتفاق الإستراتيجي الموقعة بين العراق وأميركا. حتى راح البعض يطالب الحكومة العراقية بتوقيع اتفاقات دفاع مشترك مع دول كبرى مثل الصين وروسيا لتأمين حماية سماء العراق وأرضه. لذلك لم يكن غريبا أن يصرح السفير الروسي في بغداد خلال لقاء تلفزيوني بأن بلاده مستعدة لأن تفتح مخازنها وتجهز العراق بمختلف أنواع الأسلحة، من ضمنها منظومات دفاع جوي، ما عدا الأسلحة النووية التي قال إنه غير مسموح التجهيز بها.
قرار الفصائل الذي يريد التمرد على القرار الحكومي سيضع العراق في مأزق ينتهي به إلى انهيار الدولة، ويجعل السيناريو مشابها لما يحدث في لبنان وقبله غزة، ما يجزم بأن خيوط الحرب والسلام لدى تلك الفصائل مازالت تتحكم بها إيران التي ضاق عليها الخِناق هذه الأيام وتبحث عن مخرج ينقذها.
بين الموقف الحكومي الداعي إلى عدم الزج بالبلد في أتون حرب خاسرة وموقف الفصائل المسلحة التي تزيد الوضع توترا، يقف العراق وشعبه بانتظار ما سيحدث في قادم الأيام.