العراقيون والانتخابات الأميركية.. أوهام المُنقذ

المخدوعون من العراقيين الذين يؤيدون هذا الطرف أو ذاك ينسون أو يتناسون أن بلدهم تعرض لحصار اقتصادي قاتل حين قُتل الأطفال الخُدّج في عهد جمهوري ثم أكمل حصارهم عهد ديمقراطي.
الاثنين 2024/07/15
المخدوعون في العراق

ليس غريبا أن ينشغل العالم قاطبة بانتخابات الرئاسة الأميركية، ليس من باب الفضول لمعرفة شخصية الجالس الجديد في البيت الأبيض، بل لمعرفة التوجهات السياسية والعسكرية وحتى الاقتصادية للحاكم الجديد في الدولة العظمى وكيفية إدارته لملفات الأزمات حول العالم، والأهم العلاقة المستقبلية التي سيقررها ذلك الجديد مع النُخب الحاكمة في مختلف أرجاء المعمورة.

في بلدنا “المُتخم ديمقراطيّا” لا تُفوّت نُخبه السياسية فرصة الانقسام على صراع ينقسم بين طائفة “بايدينية” وأخرى “ترامبية” في لعبة ديمقراطية يتم التسابق إليها في الولايات المتحدة وتفتقدها تلك النُخب في وطنها المنهوب، وفي واقع يعكس حالة ضياع وفوضى وغياب الفهم الإستراتيجي للدولة لصالح الطوائف والأحزاب والزعامات.

لا يقتصر فوز جو بايدن أو دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأميركية على المنطقة الجغرافية لبلداننا، بل يتعدى ذلك إلى إسرائيل وتحديداً الجناح اليميني المتطرف الذي مازال ممتناً لترامب حين سجل أهدافاً كبيرة لصالح إسرائيل كان منها نقل السفارة الأميركية في تل أبيب إلى القدس والاعتراف بالجولان كأرض إسرائيلية، ولا ينسى العالم كيف انسحبت الولايات المتحدة في عهد ترامب من الاتفاق النووي مع إيران واستبدلته بمزيد من العقوبات على طهران.

صحيح أن طهران ترزح تحت العقوبات منذ عام 1979 رغم تعاقب الحزبين الرئيسيين على الحكم في واشنطن، بل قد يكون من الخطأ أن نعتقد أن الديمقراطيين هم “المُنقذ” للإيرانيين، رغم أن باراك أوباما رفع عن كاهل الاقتصاد الإيراني القليل من الحمل بالاتفاق النووي، لذلك ليس غريباً أن تبحث أجنحة سياسية في إيران فوزاً ديمقراطيّا يعيدها للجلوس إلى طاولة مفاوضات الاتفاق النووي أو اتفاق جديد يجعلها تتنفس من جديد.

◄ بعض العراقيين يعتقدون بوجود "المُنقذ" الذي سيُخلصهم من تكالب الدول عليهم وسرقة ثرواتهم وبلادهم، فمن الطبيعي في بلد أصبح ملعبا لتصفية الحسابات أن يهتم مواطنوه بنتيجة هذه الانتخابات الأميركية

في ظل هذا الصراع الذي، بالتأكيد، ستصل شرارته إلى الجغرافيا العراقية يخوض المتنازعون صراعا عبثيا في الانحياز إلى طرف دون آخر لأسباب نفعية أو مصالح غبية لا تحمل من علم السياسة شيئاً.

النُخب الحاكمة في العراق تدرك سوداوية فترة حكم ترامب وصعوبة التعامل معه؛ فالرجل لم يعترف بمنظومة سياسية حاكمة في العراق أو شيء اسمه “السيادة” حسب تعبير هذه النخب، بدليل أنه اغتال على الأرض العراقية قرب مطار بغداد الدولي اثنين من أبرز قادة الفصائل المسلحة العراقيين والإيرانيين هما قاسم سليماني وأبومهدي المهندس.

وربما تتذكر النُخب العراقية الحاكمة حكايات ترامب معها حين زار الرجل ومعه سيدة الولايات المتحدة الأولى في عام 2018، وفي زمن حكومة عادل عبدالمهدي، قاعدة عين الأسد في الأنبار غربي العراق لتفقّد الجنود الأميركيين القابعين في القاعدة وتهنئتهم بأعياد الميلاد، وكأنه لا يعترف بسيادة هذا البلد أو هو صاحب هذه الأرض.

زيارة ترامب السرية إلى العراق، وعدم لقائه في حينها رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي، كانت صفعة للحكومة العراقية التي اعتبرتها انتهاكاً للسيادة العراقية.

المخدوعون من العراقيين الذين يؤيدون هذا الطرف أو ذاك ينسون أو يتناسون أن بلدهم تعرض لحصار اقتصادي قاتل وصل العظم حين قُتل الأطفال الخُدّج بحاضناتهم في عهد جمهوري ثم أكمل حصارهم عهد ديمقراطي، وزاد عليه بضربات جوية خاطفة وتبعه جمهوري آخر ليُجهز على آخر ما تبقّى من الدولة العراقية باحتلال صارخ أنهى بلدا اسمه العراق، وقتل وشرد الملايين وسلّم البلاد وثرواتها لمجموعة أفاقين ولصوص عاثوا فساداً في البلاد والعباد في حروب طائفية وقتل وتشريد.

يعتقد بعض العراقيين بوجود “المُنقذ” الذي سيُخلصهم من تكالب الدول عليهم وسرقة ثرواتهم وبلادهم، فمن الطبيعي في بلد أصبح ملعبا لتصفية الحسابات أن يهتم مواطنوه بنتيجة هذه الانتخابات الأميركية، لكن متى كانت القوة في الاعتماد على الغير وانتظار ردود أفعال الآخرين؟ ومتى كانت إرادة الشعوب تصنعها قرارات من هم خارج الحدود؟

9