العدناني الرجل الثاني في داعش يترك البغدادي وحيدا أمام المجهول

السبت 2016/09/03
العدناني المنجنيق الذي حطم سايكس بيكو

باريس- في آخر ظهور علني له، أطل أبو محمد العدناني الذي يوصف بأنه الرجل الثاني في تنظيم داعش، خلال شهر مايو الماضي ليعلن حربه على العالم. فتح الأبواب مشرعة لمقاتلي تنظيمه كي يعيثوا فساداً في جهات الأرض الأربع، صحيح أن الرجل نسي في غمرة تهديده ووعيده إيران، إلا أن العدناني صب جام غضبه على الرئيس الأميركي باراك أوباما وخاطبه قائلاً “أيا بغل اليهود خسئت” وتحداه بأن يرسل قوات برية إلى سوريا و العراق لأنه سيهزم وسيجر ويجرجر.

وقد انشغلت وسائل الإعلام العالمية وأجهزة المخابرات بطبيعة الحال بتهديدات العدناني عابرة القارات، وحذرت شعوبها ومطاراتها من الخطر القادم من الشرق، في مكان ما بين الرقة السورية والموصل العراقية حيث اعتاد العدناني وسواه من قادة التنظيم التنقل بحريّة، فيما طائرات التحالف الدولي الذي تتزعمه واشنطن وكذا الطائرات الروسية تذرع الأجواء جيئة وذهاباً تلقي حمولاتها المتفجرة هنا وهناك، وفي كل مرة تزعم أنها حققت أهدافها، ليتبين في الكثير من الأحيان أن ضحاياها لم يكونوا سوى مدنيين، أو في أحسن الأحوال، هم مقاتلون من الجيش السوري الحر الذي تستهدفه القوات الروسية على وجه التحديد، اليوم يعود العدناني إلى واجهة الأحداث، ولكن هذه المرة على شكل جثة. وليتصدر عناوين كبريات الصحف العالمية مانشيت “مقتل الرجل الثاني في تنظيم داعش”.

من قتل العدناني؟

على غير عادته في مرات سابقة فقد أعلن تنظيم داعش في بيان له عبر ذراعه الإعلامية وكالة أعماق مقتل العدناني، خلال تفقده العمليات العسكرية في منطقة حلب بسوريا، ولكن داعش لم يكشف سبب مقتله.

ولعل هذا ما فتح الباب أمام التكهنات، بل وحتى الجدل بين واشنطن وموسكو، فقد تسابقت وزارتا الدفاع في كلا البلدين لتبني المسؤولية عن قتل الرجل. الأميركيون ساقوا إحداثيات تقريبية، وقالوا إنهم قصفوا سيارة ما كانت تجتاز المسافة في إحدى مناطق حلب. وذهب البنتاغون أبعد من ذلك حيث وصف العدناني بأنه مهندس العمليات الخارجية الرئيس في التنظيم، الذي كان يجند الأعضاء الجدد، ويدعو مؤيدي التنظيم إلى شن هجمات فردية في دول الغرب أو ما يعرف بـ”هجمات الذئاب المنفردة”.

الصفات التي توردها أجهزة المخابرات العالمية للعدناني تكاد تختلف كليا عن الرجل الحقيقي المدعو طه صبحي فلاحة عامل البناء البسيط كما يصفه أبناء مدينته بنش الواقعة في محافظة إدلب السورية، فالشاب شبه الأمي المولود عام 1977 كان شخصية انطوائية، بسيطا ومسالما، وقد اختفى من حياة مدينته فجأة عام 1998 ولم يسأل عنه أحد

ولم تختلف الرواية الروسية كثيراً عن الرواية الأميركية وإن كانت أكثر تحديداً للعملية. فقد قالت موسكو إن إحدى قاذفاتها السوخوي من طراز “سو-34” قصفت تجمعات لمسلحي داعش قدرت عددهم بأربعين مسلحاً في منطقة معراتة أم حوش في محافظة حلب، ما أدى إلى مقتلهم. وبموجب المعطيات المؤكدة فإن من بين القتلى القيادي الميداني أبو محمد العدناني، المعروف كمتحدث رسمي باسم تنظيم داعش الإرهابي، وحسب بيان الوزارة الروسية التي أضافت أن العدناني، الذي يعد الشخصية الثانية في تنظيم داعش بعد زعيمه أبي بكر البغدادي، كان “مشهوراً بدعواته إلى تنفيذ الأعمال الإرهابية في بلدان أوروبا الغربية والولايات المتحدة”. وقد اعتبرت واشنطن الكلام الروسي كذبة أو مزحة لا أكثر ولا أقل.

وكان المستشار الأمني لشؤون محاربة تنظيم داعش بالحكومة العراقية، هشام الهاشمي، قد أعلن منتصف شهر أغسطس الماضي أن العدناني أصيب جراء ضربة جوية للتحالف الدولي ضد الإرهاب قرب بلدة الراعي في ريف حلب الشمالي. لكن ذلك الإعلان لم يتم نفيه أو تأكيده لا من قبل قوات التحالف ولا من قبل تنظيم داعش نفسه، شأنه شأن الإعلان السابق الذي صدر عن قيادة العمليات المشتركة العراقية في الأول من الشهر نفسه عن إصابة العدناني في غارة جوية للقوات الجوية العراقية، وجاء في البيان وقتها أن هناك “أنباء مؤكدة عن إصابة الإرهابي المدعو أبو محمد العدناني المتحدث باسم عصابات داعش في غارة جوية عراقية قبل يومين على مدينة بروانة” في محافظة الأنبار قرب مدينة الرمادي.

مهندس عمليات أم عامل بسيط

هل يستحق العدناني أن يختلف الحليفان، نظرياً، في محاربة الإرهاب، على الفوز بشرف قتله؟ ومن هو هذا الرجل حقاً؟ تصف واشنطن العدناني بأنه العقل المدبر للعمليات الخارجية لتنظيم داعش، وتعتبر مقتله ضربة قوية وموجعة للتنظيم. وإذا كانت الإدارة الأميركية تعتقد أن داعش يمكنه بسهولة تعويضه بشخصية أخرى، لكن سيكون من الصعب إيجاد بديل مناسب له، نظراً لتمتعه بمزيج من الخبرة العسكرية والقدرة على الخطابة، فقد كان معروفاً ومسموع الكلمة بين أنصار التنظيم والمتعاطفين معه.

العدناني يعد الشخصية الثانية في تنظيم داعش

وقال مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية إن العدناني هو أحد أكبر قادة تنظيم داعش، وأنه كان “أكبر بكثير” من مجرد متحدث باسم التنظيم. وإنه لعب دوراً كبيراً في عدد من الهجمات الكبيرة في 2015، بما في ذلك الاعتداءات التي شهدتها باريس ومطارا بروكسل وإسطنبول والمطعم في بنغلادش وكذلك إسقاط الطائرة الروسية في شبه جزيرة سيناء المصرية والتفجير الانتحاري في تظاهرة في العاصمة التركية أنقرة.

وهذا ما جعل الخارجية الأميركية ترصد في شهر مايو من عام 2015 جائزة مقدارها 5 ملايين دولار تمنح لمن يقدم معلومات تسهم في إلقاء القبض على العدناني. وجهة النظر الروسية لا تختلف كثيراً عن الأميركية، فهو، أي العدناني، في نظر موسكو الرجل الثاني في تنظيم داعش بعد زعيمه البغدادي، وأحد أبرز من أشرفوا على عمليات الدعاية ونشر تسجيلات تحريضية وأخرى بهدف تجنيد المقاتلين، أو التشجيع على شن هجمات.

لكن هذه الصفات التي توردها أجهزة المخابرات العالمية تكاد تختلف كلياً عن الرجل الحقيقي المدعو طه صبحي فلاحة عامل البناء البسيط كما يصفه أبناء مدينته بنش الواقعة في محافظة إدلب السورية، فالشاب شبه الأمي المولود عام 1977 كان شخصية انطوائية، بسيطاً ومسالماً، وقد اختفى من حياة مدينته فجأة عام 1998 ولم يسأل عنه أحد. اختفى هكذا، دون مقدمات. قيل وقتها إن طه سافر ليعمل في لبنان، وربما العراق، لا أحد يعلم بالضبط.

آثار غزو العراق

أبو بكر البغدادي سيظل وحيداً في الصورة

لكن بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003، وتوافد المتطوعين عبر الأراضي السورية تحديداً لقتال القوات الغازية، وانتشار دعوات الجهاد، أعلنت واشنطن أن العدناني بات أحد المقاتلين ضدها، وقامت بتصنيفه إرهابياً عالمياً. وتقول بعض المصادر إن العدناني اعتقل مرتين أو ثلاث مرات من قبل أجهزة المخابرات السورية قبل غزو العراق، وإنه تم إطلاق سراحه في كل مرة لعدم ثبوت اتهامات ضده، لكن هذه المعلومات تتعارض مع الرواية التي يرويها أبناء مدينة بنش والذين ينفون أن يكون طه صبحي فلاحة قد عاد للظهور مرة أخرى قبل العام 2011.

منتصف العام 2005 وخلال عملية للقوات الأميركية في محافظة الأنبار العراقية اعتقل عدد من الأشخاص الذين كانت تتهمهم واشنطن بالتعامل مع تنظيم القاعدة، وكان من بين الأشخاص المعتقلين شخص يدعى ياسر خلف حسين نزال الراوي، ولم يكن هذا الشخص سوى أبي محمد العدناني نفسه وقد مكث في السجون الأميركية في العراق خمس سنوات وترجّح الكثير من المصادر إلى أن العدناني التقى زعيم تنظيم داعش أبا بكر البغدادي في السجن وأن العلاقة بين الرجلين ابتدأت هناك، وقامت القوات الأميركية وقبيل مغادرتها العراق بإطلاق سراح العدناني لعدم معرفتها بأهميته أو بهويته الحقيقية.

مع انطلاقة الثورة السورية والفوضى العارمة التي ضربت المنطقة بأكملها، ظهر أبو محمد العدناني فجأة في مدينة بنش أواخر العام 2011 لكن هذه المرة لم يأت كعامل بناء بسيط، بل باسم جديد، وبشخصية مختلفة، يرتدي الزيّ الأفغاني ويتحدث العربية الفصحى، جاء ممثلاً لتنظيم القاعدة في العراق، وقتها لم يكن تنظيم داعش قد بدأ بالظهور.

من القاعدة إلى داعش

العدناني يعتد ثالث شخصية كبيرة في صفوف قيادة داعش تقتل هذا العام

عمل العدناني في مدينة بنش على الدعوة لمبايعة تنظيم القاعدة، وكان خطيباً ذكياً، يمتلك القدرة على الإقناع، وقد تمكن من جمع عدد من الرجال حوله، وهم من سيشكلون لاحقاً أمراء جبهة النصرة التي غيرت اسمها مؤخراً إلى جبهة فتح الشام. ومع بدء ظهور تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام إلى الوجود بداية العام 2013 برز اسم العدناني كواحد من قيادات الصف الأول في ذلك التنظيم، وكان يبث رسائل صوتية يتوعد من خلالها “الغرب الكافر” بالويل والزوال.

وفي 29 من شهر يونيو عام 2014 أعلن العدناني وفي أول ظهور علني له إزالة الحدود بين العراق وسوريا وتحطيم اتفاقية سايكس بيكو وقيام الدولة الإسلامية، وقال في كلمته المصوّرة والتي ظهر فيها وجهه مموهاً “بعد أن باتت الدولة الإسلامية تمتلك كل مقومات الخلافة والتي يأثم المسلمون بعدم قيامهم بها، قررت الدولة الإسلامية ممثلة بأهل الحل والعقد فيها من الأعيان والقادة والأمراء ومجلس الشورى إعلان قيام الخلافة الإسلامية وتنصيب خليفة للمسلمين”.

العدناني الذي يحب أتباعه والمقربون منه أن يصفوه بالمنجنيق فيما تسبغ عليه بعض وسائل الإعلام صفة وزير إعلام تنظيم داعش، يشكل مقتله صفعة قوية للتنظيم وسيظل صاحبه البغدادي زعيم داعش وحيداً في الصورة، فالعدناني هو ثالث شخصية كبيرة في صفوف قيادة التنظيم تقتل هذا العام، بعد مقتل أبي علي الأنباري نائب البغدادي، وأبي عمر الشيشاني قائد التنظيم العسكري. وربما حان الدور على البغدادي لتطوى صفحته هو أيضاً، وساعتها قد تختلف واشنطن وموسكو حول من قام بقتله.. ولكنها بكل تأكيد لن تكون مجرد مزحة عادية.

13