"الطوفان" من منظور آخر

حماس لن تملك الشجاعة للاعتراف بأنها لم تتحسب لردة الفعل الإسرائيلية عندما قامت بعملية "طوفان الأقصى" أو يخرج أحد قادتها ليقول "لو كنا نعلم النتيجة ما كنا سنُقدِم على هذا الفعل".
الاثنين 2023/11/13
ماكينة التدمير الإسرائيلية.. كيف ومتى تنتهي

حتى ما قبل معركة السابع من أكتوبر – تشرين الأول المسماة عملية “طوفان الأقصى” التي شنتها حماس على إسرائيل في قِطاع غزّة كان العالم ينظر إلى شباب وبنات فلسطين وهم يبتسمون للكاميرات وهي تصوّر لحظات اعتقالهم من قبل الشرطة الإسرائيلية، على خلفية اعتراضهم على أمر قضائي بإخلاء البيوت من سكانها الفلسطينيين في حي الشيخ جرّاح، بحجة أن تلك المنازل التي سُكنت من قبل أهلها الأصليين لأكثر من سبعين عاماً بُنيت على أرض يملكها يهود قبل عام 1948.

كان ذلك قبل عملية “طوفان الأقصى”، أما بعد ذلك التاريخ فقد أخذ الصراع وجهاً آخر عسكرياً وأيديولوجيا.

ماذا كان سيحدث لو قررت حماس تأخير هجومها بضعة أشهر على الاقتحام؟ كان يمكن لحكومة اليمين المتطرف أن تتآكل من داخلها وهي تواجه أزمات داخلية وصراعا أشغل الإسرائيليين وأوصلهم إلى حالة التظاهرات ورفض متصاعد من أحزاب المعارضة لحكومة بنيامين نتنياهو وصلت إلى التهديد بحرب أهلية.

◙ الحرب ستنتهي قريباً أو بعيداً من الزمن، وستجد إسرائيل من تلك التجربة خلاصة وهي أن تمنح للفلسطينيين كياناً بمستوى حكم ذاتي في غزّة تفرض عليه سطوتها

“طوفان الأقصى” أعطى المبرر لإسرائيل بإظهارها ذلك الحمل الوديع الذي يتعرض للإبادة وجعلت العالم، الأغلب منه، يتعاطف معها وفي حق الدفاع عن نفسها!

مصيبة القرار الفلسطيني أنه أصبح مُشتتاً بين الوصاية المصرية والأردنية والقطرية وأخيراً الإيرانية، مما أضاع وحدة تقرير المصير وجعل الدم يتوزع بين القبائل ومساحات تلك الدول.

دائماً ما كانت تُستغل القضية الفلسطينية في الدعايات السياسية وفي تحريك مشاعر الجماهير العربية لأغلب الزعامات لاستدراج تلك العواطف لغايات مشبوهة بعيدة عن تحرير القدس.

الوجود الإسرائيلي الذي كان يقبع خلف الجدار العازل أُتيحت له فرصته الذهبية للتوسع والتمدد خارج هذا الجدار لتهجير الفلسطينيين من غزّة، وكأنها فرصة كانت تنتظرها إسرائيل لسفك دماء الفلسطينيين وهي ذات الفرصة التي ربما جعلت نتنياهو يتخلص من مأزقه في الداخل الإسرائيلي ويمنحه دعماً دولياً.

في السابع من أكتوبر قررت حماس الدخول على خط المواجهة مع إسرائيل، فأخذ الصراع وجهاً دموياً آخر لم تتلافاه إسرائيل بل العكس. فتحمّل الشعب الفلسطيني في غزّة تبعات هذه المواجهة خسائر في الأرواح والممتلكات.

◙ "طوفان الأقصى" أعطى المبرر لإسرائيل بإظهارها ذلك الحمل الوديع الذي يتعرض للإبادة وجعلت العالم، الأغلب منه، يتعاطف معها وفي حق الدفاع عن نفسها

لن تملك حماس الشجاعة للبوح أنها لم تتحسب لردة الفعل الإسرائيلية في الإبادة الجماعية والأفعال الخارجة عن المألوف عندما قامت بعملية “طوفان الأقصى”، أو يخرج أحد قادتها ليقول “لو كنا نعلم النتيجة ما كنا سنُقدِم على هذا الفعل”. بالتأكيد ستكون الغاية هي تسجيل هدف في مرمى الانتصار بأي ثمن حتى ولو كان الفلسطينيون وقوداً لتلك المحرقة.

يريدون أن يقنعوا الناجين من جهنم الحرب أن ماكينة التدمير الإسرائيلية سترتدع ولن تتجرأ بعد اليوم على قصفهم وقتلهم وتدميرهم خوفاً من الصواريخ التي تنهال على الكيان الإسرائيلي، لكنهم يتناسون أن النظام العالمي الماكر يقف بكل حشوده إلى جانب إسرائيل، بل إنه يؤيد الجريمة وربما تكون بعض أدوات تلك الجريمة من مطبخ ذلك النظام، وذلك هو الخطأ الذي لم تحسب له حماس حساباً جيداً.

ستنتهي الحرب قريباً أو بعيداً من الزمن، وستجد إسرائيل من تلك التجربة خلاصة وهي أن تمنح للفلسطينيين كياناً بمستوى حكم ذاتي في غزّة تفرض عليه سطوتها الاقتصادية والأمنية والسياسية، وربما هو ذلك الضوء الذي يكون في نهاية النفق الذي يتحدث عنه الجميع.

أيها السادة دعونا نسأل، كم من الأطفال والنساء والضحايا والخراب سيكونون وقوداً لحروب مستعرة لا تعرف الرحمة ولا تدري لماذا ومتى وكيف ستنتهي؟

9