الطريق المسدودة وتطور المواقف السورية

الخميس 2014/09/18

يبدو أن جميع فصائل المعارضة السورية الداخلية والخارجية، السياسية والمسلّحة، بدأت تُدرك ضرورة اللقاء والتحالف معا لمواجهة النظام وإنقاذ سوريا مما هي فيه من فوضى وتدمير وتدحرج نحو الهاوية، وبديهي أن هذا الإدراك أمر نسبي يختلف من فصيل إلى آخر، ولاشك أن اللقاء الجدي بين أطراف المعارضة والكفيل بالمساهمة في إنقاذ البلاد، يحتاج إلى الالتفاف حول استراتيجية واحدة موحّدة تجاه جميع القضايا، سواء لمواجهة العنف والاحتراب القائم، أم لمواجهة التفتت والتبعثر بين أطراف المعارضة، أم لضرورة إقناع النظام بأن الحل العسكري لا يمكن أن يتحقق وأن البلاد بحاجة فعلية وجادة إلى حل سياسي تشارك فيه جميع الأطراف المعارضة والموالية، وبعد التطور الكبير والمعقد خلال السنوات الماضية، ينبغي أن تشارك فيه التكتلات الدولية الأخرى كالاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وبعض الدول ذات العلاقة كروسيا وإيران، أو الدول الإقليمية العربية وغير العربية ذات العلاقة والمصلحة بإنهاء العنف في سوريا.

وقع النظام، كما وقعت المعارضة، بأخطاء منذ بدء الانتفاضة حتى الآن، فمن ناحية راهن النظام على إمكانياته العسكرية وآلاف الدبابات ومئات الطائرات وعشرات آلاف المدافع والجنود التي يملكها، وظن أنها كفيلة بقمع الانتفاضة في مهدها، واعتقد أنه سيُبقي الأمور كما هي عليه إلى مدة غير محدودة سواءً منها هيكلية النظام أم توزيع الصلاحيات أم دور أجهزة الأمن في الحياة العامة والحياة السياسية أم في تهميش الفصائل السياسية والاجتماعية الأخرى واستمرار الفساد والقمع وإلغاء الحريات ومركزة صلاحيات مؤسسات الدولة بيد واحدة، وزعم مسؤولو النظام أنه خلال أسابيع ستحقق السلطة أهدافها، وستعطي درسا لمن تسوّل له نفسه الانتفاضة أو الثورة، وطالما سمعنا تصريحات من عدد من المسؤولين السوريين أن سوريا هي غير تونس وغير مصر وبالتالي فإن مصير الانتفاضة فيها إلى الفشل.

ولكن تطور الانتفاضة ورفض النظام القاطع لمطالبها واستخدام العنف منذ الأسابيع الأولى، زاد النار اشتعالا وطور مطالب المعارضة من المطالبة بالكرامة والحرية والإصلاح، إلى المطالبة بإسقاط النظام. انتشرت الانتفاضة في مختلف المدن والأرياف السورية ونزلت مئات الألوف من الجماهير الشعبية إلى الشوارع، مما أدى إلى اعتقاد المعارضة بأن النظام على وشك السقوط، وشاركها ذلك الرأي العام الإقليمي والعالمي والقوى الدولية الأوروبية والأميركية وبعض العربية، وعلى ذلك رفضت الجماهير الثائرة أي فكرة تسوية مع النظام، أو العودة لتطويره بدل إسقاطه باعتبار أنه، في نظر المعارضة، على وشك السقوط. وقد ساهم في الوصول إلى هذا الموقف تعدد فصائل المعارضة وافتقادها قيادة موحدة تبحث عن حل متوازن يعتمد على فهم جدي للظروف العامة ولتوازن القوى داخل سوريا، وبالتالي المشي خطوات نحو هذا الحل بدلا من أي حل متطرف أو مغامر.

نلاحظ أن الرفض طاول النظام والمعارضة المسلحة في آن، ورفض الطرفان الحوار الجاد وراهن كل منهما على إسقاط الآخر، أي في حقيقة الأمر لم يكن لأي من الطرفين نظرة واقعية للأمور، ولعل هذا يعود إلى أن الشعب السوري يعيش تحت القمع وغياب الديمقراطية والحوار والتعددية منذ نصف قرن، فكان طبيعيا أن يكون أفراده متطرفين وفصائله السياسية والاجتماعية أيضا.

زاد الأزمة تعقيدا أمران اثنان كان لكل منهما دور في تطورها: الأول هو استغلال الفئات الإرهابية المتطرفة طول مدة الأزمة وتشكيل قواعد بشرية ومسلحة، وبدء ممارسة إرهابها على طريقتها التي لا تختلف عن أسلوب وطريقة القاعدة، وما لبثت المنظمات الإرهابية تدخل إلى سوريا وتستجلب الإرهابيين وتزيد العنف عنفا، وتعمق الخلافات الطائفية والدينية داخل المجتمع السوري بل وتفجير هذه الخلافات وشرذمة المجتمع، ولعلها بردودها العنيفة على النظام وقواه المسلحة أشعرت شرائح واسعة من المجتمع السوري أنها تنتصر له ضد التهميش والإقصاء الذي يعانيه منذ عقود مما خفف مواجهته لها بل ربما حوّله إلى مراقب حيادي أو متعاطف، أما من جهة السلطة السورية فقد وجدت في العمليات الإرهابية مبررا لممارسة مزيد من العنف وقصف المدن والقرى بحجة أن بها إرهابيين بهدف إشعار الرأي العام العالمي أن حربها هي مع الإرهاب فقط، وأن تدميرها هو للإرهابيين فقط وليس للسوريين.

بعد كل الذي جرى ووقوف الطرفين أمام حائط مسدود، من المفروض أن يبدأ التطرف لدى الفريقين بالتراخي، وأظن أن المعارضة السياسية اقتنعت باللقاء بين أطرافها بهدف توحيد المواقف والأهداف، وتقديم نفسها على أنها طرف واحد متحد، ويمكن الزعم، من جهة أخرى، أن تطرف المعارضة المسلحة أصابه بعض الوهن. وأن السلطة بدورها ربما أدركت، ولو جزئيا، استحالة الانتصار العسكري وضرورة البحث عن وسيلة أخرى لإيقاف العنف والخسائر الفادحة.

إن إطالة الزمن ليست لصالح الشعب السوري، ويبدو أن هناك ملامح إطار عام لمشروع اتفاق دولي سوف يُفرض على السلطة والمعارضة، وسيكون وسيلة لتحجيم التطرف لدى هذه السلطة، كما لدى المعارضة.


إعلامي سوري

9