الضم الجديد لأراضي الضفة يضع الفلسطينيين أمام هجرة جديدة

خطة نتنياهو تغيير جغرافي وتمهيد للهجرة القسرية وتنازل عن الأراضي الزراعية.
السبت 2020/06/20
الفلسطينيون من نكبة إلى أخرى

من المنتظر أن تكشف إسرائيل في الأول من يوليو إستراتيجيتها لخطة الإدارة الأميركية للشرق الأوسط والتي تنص بشكل خاص على ضم مستوطنات في الضفة الغربية بالإضافة إلى غور الأردن. ومن شأن هذه الخطوة أن تخنق الفلسطينيين جغرافيّا وتجبرهم على الهجرة أو العمل في بناء المستوطنات الإسرائيلية.

الضفة الغربية - تشهد المنطقة العربية والعالم حالة من الترقب في انتظار إقدام السلطات الإسرائيلية على تنفيذ خطة ضم أجزاء من الضفة الغربية في مطلع يوليو المقبل، وسط تحذيرات من خطورة ما سيقدم عليه الإسرائيليون.

ويرفض الفلسطينيون الخطوة التي حصلت إسرائيل على ضوء أخضر أميركي لتنفيذها، وحسب تقديرات فلسطينية فإن الضم سيصل إلى أكثر من 30 في المئة من مساحة الضفة المحتلة. وتنذر هذه الخطوة في حال تم تطبيقها بالمزيد من تأجيج التوتر في الضفة الغربية التي شهدت مؤخرا تصعيدا بين الجانبين.

وتوقع تقرير لوكالة أسوشيتد برس، أن يفاقم الضم الإسرائيلي متاعب الفلسطينيين الاقتصادية وسيجعلهم مجبرين على خيارين أحلاهما مر، إما هجرة جديدة أو قبول العمل في بناء المستوطنات الإسرائيلية بدل مقاومة غير ناجعة للقرار.

وبينما كان جل رجال القرية الفلسطينية على مدى أجيال، يرعون الحيوانات قرب الصحراء والأراضي المنخفضة المظللة بالنخيل في غور الأردن، يبدو اليوم أنهم مضطرون للعمل لصالح المستوطنين اليهود في المزارع الحديثة في الشمال والجنوب.

العمل في المستوطنات

ابتلعت المستوطنات الأراضي الرعوية في الغرب والشرق، والمؤدية إلى ضفاف غور الأردن، وسيّجها الجيش الإسرائيلي. وبدلا من أخذ الأغنام إلى المراعي، يستيقظ الرجال قبل الفجر للعمل في المستوطنات مقابل 3 دولارات في الساعة. ويتمثل خيارهم البديل في جمع المال ثم الهجرة إلى مكان آخر.

وقال إياد تعمرة، وهو عضو مجلس القرية وله محل بقالة صغير “يعمل الجميع هنا في المستوطنات، لا يوجد أي شغل آخر. إذا جمعت بعض المال، فستذهب إلى مكان آخر أين يعدّ مستقبلك أفضل”. ويخشى الفلسطينيون من أن المجتمعات في جميع ضفاف غور الأردن ستواجه مصيرا مشابها إذا واصلت إسرائيل خططها لضم المنطقة، التي تمثل حوالي ربع الضفة الغربية المحتلة. وهي منطقة يطلق عليها “سلة غذاء فلسطين”.

وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تعهد بضم الوادي وجميع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، بما يتماشى مع خطة الرئيس دونالد ترامب للسلام في الشرق الأوسط، والتي تنحاز إلى مصالح إسرائيل في المنطقة مما دفع الفلسطينيين إلى رفضها. ومن المرتقب أن يبدأ تنفيذ هذه الخطة في الأول من يوليو.

وقال نتنياهو إن إسرائيل ستضم الأراضي ولن يشمل الأمر الأشخاص الذين يعتمدون عليها، قائلا لصحيفة إسرائيلية إنهم سيبقون في “الجيب” تحت حكم ذاتي محدود، تحت سيطرة إسرائيل الأمنية.

ومن شأن هذه الخطة أن تخنق الفلسطينيين جغرافيّا وتجبرهم على الهجرة القسرية. ففي منطقة تعتمد على الزراعة، يمكن أن يجبر فقدان الأراضي الزراعية والمراعي الكثيرين منهم على الانتقال.

ويقدر القائد العسكري الإسرائيلي المتقاعد، شاؤول أريئيلي، الذي ساهم في ترسيم الحدود خلال عملية السلام في التسعينات، أن الفلسطينيين سيخسرون ما يصل إلى 280 كيلومترا مربعا من أراضيهم الخاصة. ويتوقع أن تقيم إسرائيل حدودا جديدة بطول 200 كيلومتر بين غور الأردن وبقية الضفة الغربية، وحدودا بطول ستين كيلومترا حول مدينة أريحا الفلسطينية.

30 في المئة نسبة المساحة التي ستضمها إسرائيل من جملة مساحة الضفة الغربية

واستندت استنتاجات أريئيلي على الخرائط التي قدمها نتنياهو والبيت الأبيض، والتي تُظهر أن إسرائيل ستتوسع على مساحات شاسعة من الأراضي بينما تترك معظم المناطق المأهولة خارج حدودها.

وقال إيتاي إيبشتين، المستشار لدى المجلس النرويجي للاجئين، إن الفلسطينيين سيفقدون بعض الحماية المحدودة التي يمتلكونها بمجرد أن تصبح المحاكم الإسرائيلية غير ملزمة بالنظر في القوانين الدولية المتعلقة بالاحتلال العسكري. وأضاف أن الفلسطينيين الذين يفتقرون إلى حقوقهم المدنية في إسرائيل، والذين لا يخضعون لسلطة عسكرية، لن يكون لهم تمثيل في المحكمة العليا مما يقوّض قدرتهم على الطعن في قراراتها.

وبحسب بيانات الأمم المتحدة، يعيش حوالي 60 ألف فلسطيني حول غور الأردن، لكن 90 في المئة من الأراضي تقع في ما يعرف بالمنطقة (ج)، التي تجمع ثلاثة أخماس من الضفة الغربية الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية الكاملة. كما يشمل غور الأردن مناطق عسكرية مغلقة وحوالي 50 مستوطنة زراعية تضم حوالي 12 ألف إسرائيلي. ويبقى الفلسطينيون ممنوعين من تلك المناطق، وحتى الأراضي التي يمتلكونها، ولا يستطيعون حفر الآبار أو تعزيز البنية التحتية دون الحصول على تصاريح عسكرية يصعب نيلها. فمن سنة 2009 إلى 2016، لم يُستجب سوى لـ2 في المئة من أكثر من 3300 طلب تصريح في المنطقة ج، وذلك وفقا لمنظمة “السلام الآن” الإسرائيلية غير الحكومية المناهضة للاستيطان التي استشهدت بإحصاءات رسمية.

ويبقى أي شيء تم بناؤه بدون تصريح، من التوسع السكني إلى الخيام ومزارع الحيوانات وشبكات الري، معرضا لخطر الهدم على يد الجيش الإسرائيلي.

وقال هاني سعيدة، وهو مزارع من العوجا (أريحا) “إذا بدأت بحفر بئر فسيأتون في اليوم التالي ويملأونه بالخرسانة. يمكنهم ضم هذه المنطقة، لكنهم لن يمنحونا حقوقا متساوية أبدا، سيواصلون محاولة إبعادنا”.

بدوره يشير عبدالملك الجابر، وهو رجل أعمال كندي فلسطيني ورئيس شركة كبيرة تصدر التمور من وادي الأردن، إن الحصول على تصاريح يعدّ “كابوسا”، حتى بالنسبة لكبار المستثمرين.

وأكد على استحالة أن يستطيع المزارع العادي والبسيط تحمل تكلفة ذلك.

وكشف الجابر أن شركته أمضت شهرين دفعت خلالهما حوالي 35 ألف دولار في محاولة للحصول على تصريح لبناء مصنع حديث لتعبئة التمور على أرض يمتلكها. قيل له إن الجيش الإسرائيلي يعتبرها منطقة تدريب، رغم أن المزارعين يعيشون ويعملون فيها.

ويخشى من أن الضم سيجعل الأمور أكثر صعوبة، إذ سيزيد من عزل العمال عن حقول الشركة ومصانعها، كما سيزيد من تعقيد عملية التصدير.

 الامتثال للواقع

أثارت خطط الضم الإسرائيلية جدلا دوليا، وحذر الفلسطينيون والأمم المتحدة وجزء كبير من المجتمع الدولي من ضم منطقة غور الأردن، مشيرين إلى أنها ستحطم أي آمال متبقية لحل الدولتين. لكن ردود الفعل في غور الأردن وأماكن أخرى في الضفة الغربية كانت أكثر هدوءا. ويفسر ابن عم هاني سعيدة بالقول، إنه منذ 1967، كانت مياه الشرب والزراعة والحدود، والمعابر، والطرق، والأراضي في المنطقة ج تحت السيطرة الإسرائيلية. لذلك “لن يتغير أي شيء”.

وأضاف أن أسرته تمتلك حوالي 750 فدانا (3 كيلومترات مربعة) شمال العوجا، وتمتد إلى ضفاف نهر الأردن. واستوطنت في تلك الأراضي بعد فرارها من موطنها الأصلي خلال حرب 1967، عندما استولت إسرائيل على الضفة الغربية من الأردن وأغلقت أراضيها بعد أن صنّفتها منطقة عسكرية.

وعلى مر السنين، كان الفلسطينيون يتسلّقون التلال لمشاهدة الأراضي التي انتزعت منهم. ومنذ حوالي 15 عاما، لاحظوا صفوفا من النخيل المزروعة حديثا، لكنها هذه المرة امتداد لمستوطنة إسرائيلية قريبة. وقد تمكن أحد أقارب هاني ومهنّد والذي عمل كسائق جرافة بعد بضع سنوات، من دخول المنطقة لمشاركته في مشروع بناء إسرائيلي. والتقط صورا لمنازل من الطوب أين ولد أسلافهم وترعرعوا. وأردف هاني سعيدة “رأينا بيوتنا الطينية. ما زالت شامخة”.

7