الضفة الغربية تواجه العزل عن العالم الخارجي

قامت سلطة الاحتلال الإسرائيلي بتعديل وتأخير مجموعة جديدة من القواعد التي تحكم وصول الأجانب إلى الضفة الغربية، الأمر الذي أثار ردود فعل عنيفة من جماعات حقوق الإنسان الدولية وحتى انتقادات من الولايات المتحدة، واعتبرت قرارات إسرائيل الجديدة محاولة لعزل المجتمع الفلسطيني عن العالم الخارجي ومنع العائلات الفلسطينية من العيش معًا.
موجة من السخط الدولي والفلسطيني على حد سواء، أجبرت إسرائيل على التراجع عن شرط مثير للجدل بضرورة إبلاغ الأجانب الذين يزورون الضفة الغربية المحتلة عن أيّ علاقة عاطفية تربطهم بالفلسطينيين من سكان الضفة، في غضون 30 يوما، كما عدلت أيضا القواعد الخاصة بشأن الأجانب الذين يعيشون في الضفة الغربية أو يرغبون في زيارتها، وحذفت الترتيبات الخاصة بمنح كوتا محددة من التأشيرات لمحاضرين جامعيين وطلاب من الخارج.
ويبدو واضحا أن هذا التراجع الإسرائيلي هو مجرد ذر الرماد في العيون، يهدف إلى التهرب من تهمة الفصل العنصري بطرق ملتوية، إذ وحتى بعد تعديل القرارات الأخيرة، لا تزال إسرائيل تصرّ على بعض الشروط المثيرة للاستفزاز، حيث تطلب من الأجانب الراغبين في الحصول على تصريح الدخول والذين أقاموا علاقات مع الفلسطينيين، بإبلاغ شركة “Cogat” عند تجديد التأشيرة أو تمديدها، مع الاستمرار في فرص قيود على أزواج الفلسطينيين الأجانب ومنحهم زيارات قصيرة الأجل كما تجبرهم على دفع ودائع ضخمة تصل إلى 70 ألف شيكل (ما يقرب من 18 ألف جنيه إسترليني) لضمان مغادرتهم، وبما أن هذه القواعد لا تنطبق على الأجانب الذين يزورون إسرائيل أو المستوطنات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية، فهذا دليل واضح على أن إسرائيل تطبق نظام فصل عنصري يضيّق الخناق حتى على الأجانب الذين تربطهم علاقة مع الفلسطينيين القاطنين بالأراضي الخاضعة للسلطة الفلسطينية ، ولكن إسرائيل تحاول تبرير إجراءاتها بالمخاوف الأمنية التي تعيشها.
التّضييق على حياة الفلسطينيين والراغبين في زيارة فلسطين ويشكل دليلا واضحا على سياسة الأبارتايد التي توثّقها سلطة الاحتلال بإجراءاتها التعسفية وفرضها للأمر الواقع
تهدف إسرائيل من خلال تقييد دخول وخروج الأشخاص إلى المناطق الخاضعة للسلطة الفلسطينية بالضفة الغربية، إلى تطبيق حصارين، الأول ذو طابع اقتصادي حيث تتضرر السياحة بشكل خاص ممّا يؤدي إلى إضعاف موارد السلطة الفلسطينية من هذا القطاع الذي بإمكانه أن يشكل مكسبا مهما لها، خاصة وأن فلسطين تملك مميزات سياحية ذات بعد ديني وتاريخي قادرة على الجذب السياحي، كما تخشى إسرائيل أن يعطي الاحتكاك بالموروث الثقافي الفلسطيني دعما أكثر لفلسطين ولقضيتها على الصعيد الخارجي، كذلك تريد إسرائيل أن تبقي على الصورة النمطية التي تصدّرها إلى الخارج عبر إعلامها، حيث تسوّق للضفة الغربية على أنها بقعة ساخنة خارجة عن القانون وغير آمنة لأنها في تماس مباشر مع الإسرائيليين وعلى استعداد دائم للتصعيد.
أما الحصار الثاني فهو يهدف إلى المزيد من التضييق على البحث العلمي والمجتمع الأكاديمي الفلسطيني، حيث يُعرّض كل الباحثين العاملين حاليًا، في مؤسسات التعليم العالي الفلسطينية، ممن يملكون تصاريح إقامة بفعل الإجراءات الإسرائيلية، إلى خطر إجبارهم على المغادرة وإلغاء أدوارهم، مما يؤدي إلى انهيار المشروعات البحثية التي يعمل بها المئات، إن لم يكن الآلاف، من الطلاب المحليين والدوليين. كما يتوقع أن تكافح الجامعات الفلسطينية لتوظيف أعضاء هيئة تدريس، وطلاب دوليين جدد، لملء هذه الوظائف عند شغورها، بموجب المتطلبات والقيود التي أدخلها التوجيه الإسرائيلي، مما يزيد من تعطيل وظائف التدريس، والبحث.
يوما بعد يوم تؤكد الحكومات الإسرائيلية من خلال سياساتها أنها لا تبحث عن طريق يؤدي إلى حل الدولتين بل تفضّل الاستمرار في التعامل مع السلطة الفلسطينية على أساس أنها سلطة خاضعة تفتقر إلى القرار السيادي في إدارة شؤون المعابر وتسيير المطارات. ولم تكتف إسرائيل بذلك فقط بل راحت تحاول فرض سياسة الإغراءات لجذب المزيد من المسافرين الفلسطينيين عبر مطار رامون لتقليص مدى اعتماد الفلسطينيين على معبر الملك حسين والذي من شأنه أن يضرّ بالمصالح الاقتصادية الأردنية.
ويشكل التّضييق على حياة الفلسطينيين والراغبين في زيارة فلسطين دليلا واضحا على سياسة الأبارتايد التي توثّقها سلطة الاحتلال بإجراءاتها التعسفية وفرضها للأمر الواقع، متجاهلة للاتفاقيات الدولية، التي تنص تسليم مطار القدس الدولي للسلطة الفلسطينية.