الضغط على إسرائيل مباشرة

ذهب وفد وزاري جرى تشكيله بموجب القمة العربية – الإسلامية التي عقدت في الرياض أخيرا إلى كل من الصين وروسيا، ومن المتوقع أن يشمل ذلك الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، بهدف دفع إسرائيل إلى وقف الحرب على قطاع غزة.
تجاهلت الدول المشاركة في هذا الوفد، مثل مصر والأردن والسلطة الفلسطينية وقطر والسعودية وتركيا، القيام بخطوة جماعية أو فردية للحوار مع إسرائيل مباشرة.
يبني الوفد الوزاري الرفيع منطقه على أن الدول التي زارها أو يعتزم زيارتها تملك حق الفيتو في مجلس الأمن، وقادرة على إصدار قرارات تجبر إسرائيل على وقف الحرب، ونسي هؤلاء أن هناك قرارات دولية عديدة صدرت في أزمنة متباينة ولم تمارس هذه الدول أو غيرها ضغوطا حقيقية على إسرائيل لتنفيذها.
◙ الوفد الوزاري خلق انطباعات مسبقة بأن مهمته روتينية ولن تفرز شيئا يمكن البناء عليه لوقف الحرب وقد تتعرض الدول الممثلة فيه إلى لوم سياسي بسبب عدم قدرتها على التفكير خارج الصندوق
اختار الوفد أصعب الأبواب للدخول منه؛ فأغلب المشاركين فيه، إن لم نقلْ كلهم، يعلمون مواقف القوى الكبرى من الحرب على غزة، ولا يحتاج أعضاء الوفد إلى تكبد عناء السفر شرقا وغربا للقيام بهذه المهمة، وجرت حوارات علنية ومحادثات سرية ولم يتم العثور على نتيجة للحصول على هدنة إنسانية، فما بالنا بوقف الحرب.
أسهمت هذه الدول بدور فاعل في تمرير قرار لمجلس الأمن طالب بهدنة إنسانية، ومضى نحو أسبوعين ولم يتحقق ذلك، وإن حدث فهو بسبب جهود تبذل من قبل دول مختلفة في إطار صفقة للإفراج عن الأسرى والمحتجزين، فالصورة واضحة للدول الكبرى وليست بحاجة إلى تكبد عناء السفر وعقد اجتماعات للاستماع إلى رؤية معروفة.
تبدو مهمة الوفد العربي – الإسلامي بروتوكولية أكثر من اللازم، الهدف منها إبراء الذمة السياسية والإيحاء بأن قمة الرياض تمخضت عنها نتائج جيدة يسعى هذا الوفد إلى تنفيذها، وهو يعلم أن فرص تغيير مواقف الدول الخمس الكبرى ضئيلة فلكل منها حسابات تتعلق بمراميه في هذه الحرب، والتي لا علاقة لها بالدفاع عن القوانين الدولية والحفاظ على حقوق الفلسطينيين أو توجيه الانتقادات للحكومة الإسرائيلية.
كان الأجدى بعدد من أعضاء الوفد طرق أبواب إسرائيل وحماس، ولديهم علاقات مع الجانبين تمكنهم من ممارسة ضغوط أو تقديم نصائح، فاللجوء إلى قنوات دولية للوصول إلى قلب وعقل إسرائيل والتأثير على قرارها لن يكون مجديا.
فمن يستطيع توصيل رسائله مباشرة إلى إسرائيل، لماذا يلجأ إلى وسائل حصيلتها مجهولة، وربما سلبية، فالدول الكبرى التي تتم مخاطبتها لن تقوم بهذه المهمة تقديرا لأعضاء الوفد، لأن رؤاها يمكن أن تصطدم بطبيعة الدور المطلوب منها.
تملك بعض الدول الممثلة في الوفد، وغيرها ممن شاركوا في قمة الرياض، أوراقا يمكن استخدامها في مخاطبة إسرائيل، وإذا لم تكن هذه الوسيلة منتجة فلن تكون أي وسيلة أخرى مفيدة أو مجدية في الحصول على نتيجة أفضل، فهاجس إسرائيل الأمني يتعلق بالتخلص من حماس واجتثاثها من جذورها كما أعلن ساسة كثيرون في تل أبيب، وهي مهمة صعبة الآن، وهاجس الحركة أنها تريد مقاومة الاحتلال كحق مشروع.
◙ الدول المشاركة في هذا الوفد، مثل مصر والأردن والسلطة الفلسطينية وقطر والسعودية وتركيا، تجاهلت القيام بخطوة جماعية أو فردية للحوار مع إسرائيل مباشرة
في حوزة إسرائيل أهداف مضادة لما تملكه حماس، والعكس صحيح، ومهمة الوفد أو بعض الدول المشاركة فيه تفكيك هذه الإشكالية أولا، والتي تم التعامل معها في الحروب السابقة التي مرت على غزة السنوات الماضية، وجميعها كانت أغراضها محدودة وجرت السيطرة عليها في نهاية المطاف، بينما المعادلة اليوم شديدة القسوة، لكنها لن تكون مستحيلة إذا تم إيجاد قاعدة للانطلاق منها.
دخلت إسرائيل في مفاوضات مع حماس لإنجاز صفقة الأسرى. ولعبت مصر وقطر، وهما من أعضاء الوفد الوزاري العربي – الإسلامي، دورا متفاوتا لتجاوز تعقيداتها، وأجريت حوارات، بمشاركة أميركية ومسؤولين من إسرائيل وحماس، في كل من القاهرة والدوحة. والقصد من هذا السرد أن القنوات المباشرة مفتوحة أصلا ولم يعلن أحد إغلاقها في وجه عملية التفاوض الراهنة، وهو المسار الذي يجب توسيعه والمضي فيه أيضا، فالدول الكبرى لن تتحرك لدواعٍ إنسانية وسياسية.
لو أرادت هذه الدول التحرك أو عقدت النية مبكرا على ذلك لما وصلت المنطقة إلى حافة الهاوية، فقد غاب معظمها عن عمد، ومن بينها من يحاول توظيف حرب غزة من أجل إعادة ترتيب أوراق الشرق الأوسط ووضع توازنات معينة تصب في صالحه، وهناك دول عربية وإسلامية تشارك في هذا الاتجاه وترى في الحرب مكاسب لها.
ويشير تحرك الوفد الوزاري إلى أنه جاء بوازع إنساني أكثر منه سياسيا، فقد عقدت قمة الرياض وما ترتب عليها من قرارات بعد أن زادت المأساة في غزة، وبلغت حدا يصعب تحمله من دول عربية وإسلامية عدة، وثمة قياديّون غير قادرين على تبرير عجزهم عن وقف الحرب، فكان الذهاب إلى دول كبرى وسيلة لامتصاص الغضب مما يحدث في غزة أداة سهلة وهم يعلمون أن اجتماعاتهم ستتحول إلى مناقشة بديهيات.
يحتاج الوصول إلى تهدئة تمهيدا لوقف الحرب البحثَ عن إجراء مناقشات جادة وسط النيران وليس بعدها، فعندما تنتهي الأزمة سيعود كل طرف إلى جدول أعماله التقليدي وينسى أن هناك حربا حصدت عشرات الآلاف من الضحايا المدنيين.
◙ بعض الدول التي شاركت في قمة الرياض، تملك أوراقا يمكن استخدامها في مخاطبة إسرائيل، وإذا لم تكن هذه الوسيلة منتجة فلن تكون أي وسيلة أخرى مجدية في الحصول على نتيجة أفضل
من الصعب أن تتمكن بعثة طرق الأبواب العربية – الإسلامية من تغيير موقف إسرائيل في الوقت الراهن من خلال دول كبرى، وربما يؤدي التيقن من فشل هذه المهمة إلى تداعيات سلبية تصيب الشعب الفلسطيني باليأس عندما يسمع مرة أخرى أن وفدا عربيا – إسلاميا سيتولى الدفاع عن قضيته.
وما يجعل فكرة التوجه نحو إسرائيل أكثر نجاعة الحاجة إلى اختصار المسافات وتوضيح الصورة من جميع جوانبها الحيوية والتفاهم حول الكثير من القضايا الشائكة التي بدأ يتم طرحها حاليا، وأبرزها مصير قطاع غزة بعد الحرب.
خلق الوفد الوزاري انطباعات مسبقة بأن مهمته روتينية ولن تفرز شيئا يمكن البناء عليه لوقف الحرب وقد تتعرض الدول الممثلة فيه إلى لوم سياسي بسبب عدم قدرتها على التفكير خارج الصندوق، والسعي للبحث عن صيغة تساعد الحكومة الإسرائيلية على النزول من أعلى الشجرة التي وصلت إليها وهي لا تعرف كيف تنزل منها، وتقديم طروحات لما بعد حرب طالت أم قصرت على دول عربية معنيّة بالتعامل معها.
وتشير ملامح الطريق الذي يريد بعض المسؤولين في إسرائيل المضي فيه إلى توقع حدوث المزيد من الكوارث والأزمات في المنطقة، ما يفرض الحوار مع العقلاء فيها، إن وجدوا، بمساعدة الدول الكبرى وليس وضع الكرة في ملعبهم والقفز من سفينة إذا غرقت في بحر غزة يمكن أن تؤثر على دول تعتقد أنها بعيدة عن بؤرة الصراع.