الضائقة المالية تحرم الأتراك من الإجازة الصيفية

أنقرة - مرة أخرى بدأت مواكب السياح في التدفق على تركيا، مع توقع وصول حوالي 42 مليون زائر هذا العام، بزيادة قدرها 12 مليونًا عن العام الماضي، ولكن مع انتعاش قطاع السياحة في تركيا من جائحة كوفيد – 19، فإن الأتراك أنفسهم لا يستطيعون السفر، وذلك بفضل ضعف العملة وارتفاع مستوى التضخم، وعليه فقد تم إلغاء الإجازة الصيفية للعديد من الأتراك.
وفقدت الليرة 22 في المئة من قيمتها مقابل الدولار منذ بداية عام 2022، فيما بلغ معدل التضخم 73 في المئة في المتوسط السنوي، وشهدت تركيا ارتفع التضخم بشكل أسرع مما هو عليه الآن في زمن الحرب العالمية الثانية فقط.
فالضائقة الاقتصادية في تركيا كبيرة لدرجة أن اتحاد النقابات العمالية التركية رفع مؤخرًا خط الفقر إلى 19602 ليرة شهريًا، من 13.348ليرة في ديسمبر الماضي، فلم تؤد سياسة الحكومة بشأن أسعار الفائدة المنخفضة إلا إلى تفاقم الأزمة. وشاهد الأتراك عديمي الحيلة دخلهم يضعف ويتلاشى، وهذا هو الصيف الأول منذ عام 2020 الذي تم فيه رفع القيود المفروضة على انتشار الوباء، ومع ذلك فإن معظم الأتراك بالكاد يستطيعون تحمل تكاليف المعيشة، ناهيك عن التفكير في السفر. وقد وجد استطلاع للرأي في شهر يونيو 2022 أجرته شركة الرأي العام ”إسطنبول للبحوث الاقتصادية” أنه من بين 1500 تركي شملهم الاستطلاع، قال 65 في المئة منهم إنهم لن يقضوا عطلة صيفية بسبب ضعف الميزانية.
نوعية الحياة آخذة في التدهور في تركيا، ولذلك عواقب سياسية، فالجميع في حاجة إلى استراحة من وقت إلى آخر
وترتفع الأسعار دائمًا في نقاط الجذب السياحية في تركيا خلال أشهر الصيف، حيث يسعى أصحاب الفنادق والمطاعم إلى كسب أكبر قدر ممكن من الأموال خلال ذروة الموسم، لكن ارتفاعات الأسعار الموسمية هذا العام وصلت إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق حيث تم تعديل الأسعار وفقًا للدولار، ويسعى المالكون للاستفادة من ذلك.
وتبلغ تكلفة ليلة واحدة في فندق خمس نجوم مثل فندق ”ماندرين” أكثر من 25 ألف ليرة، أو 1440 دولارًا، بينما يطلب فندق “فور سيزونز إسطنبول البوسفور” وهو أحد الفنادق المتميزة في المدينة مبلغ 17 ألف ليرة في الليلة، وقبل الوباء كان قطاع الرفاهية التركي لا يزال باهظ الكلفة، ولكنه لم يكن حصرياً على الأجانب كما هو الحال الآن.
ولدى السكان المحليين اليوم خيارات سفر أقل من أيّ وقت مضى، والبدائل الرخيصة شبه معدومة، وهناك ضغوط على الأماكن الترفيهية، مثل الشواطئ العامة المجانية، حيث يبدأ متوسط رسوم الدخول إلى نادٍ شاطئي في “تشيشمي”، وهي مدينة سياحية راقية شهيرة تقع غرب مدينة إزمير، بمبلغ 750 ليرة، ويشمل ذلك فقط مظلة ومقعدا شمسيا، وبعد ذلك، تتضاءل الخيارات بسرعة، حيث تؤجر الحكومة معظم الشواطئ في المناطق الشعبية مثل “بودروم” و”تشيشمي” إلى شركات خاصة.
وأصبحت الشواطئ العامة نادرة أيضًا، ففي وقت سابق من هذا الشهر، تم إغلاق “برنسس كوف” في هذا الموسم من دون سابق إنذار، وهو أحد الشواطئ العامة المجانية الوحيدة في مدينة “بودروم” الساحلية، وقالت السلطات إن الشاطئ تم إدراجه في القائمة مؤخرا بغرض الحماية، لكن العديد من السكان يخشون أنه نظرًا لموقعه المتميز، والمجاور لشاطئ “إكسوما” الشعبي والخاص، فإنها مجرد مسألة وقت قبل خصخصة الشاطئ وتجهيزه للبناء.

كما ارتفعت أسعار السياحة في داخل البلد، فاستئجار منزل متنقل للمغامرات الليلية، على سبيل المثال، ارتفع بنسبة 50 في المئة هذا الصيف مقارنة بالصيف الماضي، ويقدر إينان إيكيسي وهو رئيس جمعية جميع مؤسسات تأجير السيارات، أنه مع ارتفاع أسعار الوقود والمواد الغذائية الأعلى تكلفة هذا العام فإن عطلة القيادة لمدة أسبوع لأسرة مكونة من أربعة أفراد ستكلف حوالي 30 ألف ليرة. ولكن على الرغم من أن هذا بالغ الكلفة، إلا أن الإقامة في منزل متنقل أرخص بكثير مقارنة بسعر الفندق، وأفاد معهد الإحصاء التركي أن متوسط تكلفة غرفة الفندق للفرد في الليلة قد ارتفع بنسبة 221 في المئة عن العام الماضي.
ولكي نكون منصفين، فإن مالكي منشآت العطلات ليس لديهم خيار سوى زيادة الأسعار، وذلك لمواكبة التضخم، فقد قفزت تكلفة الغذاء والطاقة بنسبة 81 في المئة مقارنة بالصيف الماضي، وذلك وفقًا لمؤشر أسعار المستهلك، وأصبح تشغيل فندق الآن أغلى بنسبة 108 في المئة مما كان عليه في العام الماضي، واعتبارًا من شهر ديسمبر 2021، تجاوز حجم القروض لدى قطاع الفنادق 15 مليار دولار، وجني الأرباح في موسم الصيف ضروري لسداد القروض.
وتعتمد السياسة الاقتصادية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان على عائدات قطاع السياحة، وهي السياسة القائمة على تعزيز الإنتاج والتوظيف والصادرات، لكن السياح الذين تغريهم الحكومة هم من لديهم أموال كثيرة وجوازات سفر غير تركية، حتى أثناء الوباء، سهّل القادة على السائحين زيارة البلاد، في مقايضة للسلامة العامة بعائدات السياحة.
ومن السهل تفهم لماذا يُنظر إلى قطاع السياحة على أنه علاج اقتصادي شامل، فقد كسبت الدولة 24.5 مليار دولار من ذلك القطاع في عام 2021، ما مثل 10 في المئة من حجم الاقتصاد، وتلك مبالغ ضخمة لا يجب المجازفة بها، لكن من شبه المؤكد أن إقصاء الأتراك من بلادهم سيؤدي إلى نتائج عكسية، ونوعية الحياة آخذة في التدهور بالفعل في تركيا، مما جعل من المستحيل اقتصاديًا الاستمتاع حتى بعطلة محلية، ولذلك عواقب سياسية، فالجميع في حاجة إلى استراحة من وقت إلى آخر، حتى لو كانت تلك الاستراحة في أوطانهم.