الصين والعرب: علاقات تتوطد بعوامل الثقة واحترام السيادة

العلاقات الصينية - العربية مرت من مرحلة التعاون قبل عقود إلى علاقة شراكة إستراتيجية. وساهمت عوامل الثقة واحترام سيادة الدول والمنافع المتبادلة في تعزيز هذه العلاقات، وهي عوامل غير متوفرة لدى شركاء آخرين لدول المنطقة.
تونس - يصادف هذا العام الذكرى الـ20 لتأسيس منتدى التعاون الصيني – العربي، الذي تم الإعلان عن تأسيسه على إثر زيارة أداها الرئيس الصيني السابق هو جينتاو إلى مقر جامعة الدول العربية في الثلاثين من يناير عام 2004، وهو ما تم اعتباره قرارا إستراتيجيا اتخذه الطرفان بهدف تطوير العلاقات الصينية – العربية على المدى الطويل.
وتتزامن الذكرى مع الاجتماع الوزاري الـ10 للمنتدى في العاصمة الصينية بكين اليوم الخميس، حيث سيحضر الرئيس الصيني شي جينبينغ مراسم افتتاح الاجتماع ويلقي خلالها خطابا رئيسيا بحضور قادة مصر والإمارات والبحرين وتونس، الأمر الذي يعد “لحظة فارقة جديدة” في العلاقات الصينية – العربية.
وتشهد العلاقات الصينية – العربية تطورا مهما في مختلف المجالات تتم ترجمته إلى الكثير من العمل مع قليل من الكلام، ويتخذ عناصر قوته من روح الثقة وعمق الأصالة والعراقة في ظل الاحترام المتبادل بين الطرفين، وعدم تدخل أي منهما في الشؤون الداخلية للطرف المقابل.
ولأن العلاقات بين الدول هي علاقات مصالح بالدرجة الأولى، فقد عقدت الصين شراكات إستراتيجية شاملة مع 14 دولة عربية والجامعة العربية، ووقّعت وثائق تعاون في إطار مبادرة “الحزام والطريق” مع جميع الدول العربية الـ22 وجامعة الدول العربية.
الجانبان الصيني والعربي يعملان على إيصال حجم التبادل بينهما إلى 430 مليار دولار بحلول عام 2027
وقال الرئيس الصيني شي جينبينغ إن العلاقة بين الدول العربية والصين متجذرة منذ طريق الحرير القديم، مشيدا بالحضارة العربية ودورها في العالم عبر التاريخ.
وكانت الدورات المتعاقبة لمجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري، قد تبنت قرارات بشأن العلاقات مع الصين منذ عام 2003، لإعادة التأكيد على تعزيز الدعم العربي للصين والعلاقات الصينية – العربية، حيث تم إدراج المضمون بشأن دعم مبدأ الصين الواحدة لأول مرة في القرار الصادر عن مجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري في مارس عام 2006، وإدراج مبادرة “الحزام والطريق” لأول مرة في القرار الصادر عن مجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري في مارس عام 2018.
وبلغت الاستثمارات الصينية بالدول العربية 213.9 مليار دولار في الفترة بين 2005 و2021، وهي بذلك أكبر مستثمر أجنبي في العالم العربي، واستحوذت السعودية على 21 في المئة من الاستثمارات الصينية في الوطن العربي، وفق اتحاد المصارف العربية، ثم الإمارات بنحو 17 في المئة، وجاء العراق ثالثا بحوالي 14 في المئة، وبعده مصر والجزائر بـ12 في المئة لكل منهما، أو ما يعادل نحو 26 مليار دولار في الفترة بين 2005 و2021.
وارتفع حجم التجارة بين الصين والدول العربية من 36.7 مليار دولار في عام 2004 إلى 398 مليار دولار في عام 2023، بزيادة حوالي 11 ضعفا.
وقد امتد التعاون التقليدي في صناعة النفط والغاز بين الجانبين إلى السلسلة الصناعية بأكملها، وتعمق التعاون بين الجانبين باطراد في المجالات الناشئة مثل اتصالات الجيل الخامس والأقمار الاصطناعية والبيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي والطاقة الجديدة وغيرها.
العلاقات الصينية – العربية تشهد تطورا مهما في مختلف المجالات تتم ترجمته إلى الكثير من العمل مع قليل من الكلام
ومن أبرز المشاريع الكبرى التي تتولى الصين تنفيذها في إطار التعاون المثمر مع الدول العربية، البرج الشاهق لمشروع المنطقة التجارية المركزية بالعاصمة الإدارية الجديدة في مصر ومصفاة ينبع الصينية – السعودية التي تغطي مساحة تبلغ حوالي 5.2 مليون متر مربع على الساحل الغربي للمملكة العربية السعودية، وبناء أول شبكة 5G تجارية في الشرق الأوسط تغطي البلاد بأكملها، واستكمال الطريق السريع بين الشرق والغرب الذي يبلغ طوله 1216 كيلومترا في الجزائر.
كما تم تشغيل مشروع طويل لتحلية المياه في أبوظبي، بدولة الإمارات العربية المتحدة، للتشغيل التجاري، والانتهاء من أعمال التركيب للوحدة الأولى لمشروع طاقة الرياح بقدرة 500 ميغاوات بخليج السويس بمصر، بالإضافة إلى إنشاء المركز الصيني ـ العربي الدولي لأبحاث الجفاف والتصحر وتدهور الأراضي.
ويتباحث الجانب الصيني مع الجانب العربي في تنفيذ مشاريع المساعدات والتعاون الإنمائي بقيمة 5 مليار يوان صيني، وإدراج 30 مشروعا مستوفيا للشروط في الدول العربية في مجموعة المشاريع لمبادرة التنمية العالمية، وسيقدم الدعم من القروض الائتمانية وخطوط الائتمان للجانب العربي بناء على احتياجاته التمويلية للمشاريع التي تشمل القدرة الإنتاجية والبنية التحتية والطاقة والتمويل الأخضر وغيرها من المجالات ويوفر الدعم للبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية في زيادة استثماراته عالية الجودة ومنخفضة التكلفة والمستدامة في البنية التحتية. ويعمل الجانبان على وصول حجم التبادل بينهما إلى 430 مليار دولار بحلول عام 2027.
وفي مجال التنمية الخضراء والابتكار، يحرص الجانب الصيني على العمل مع الجانب العربي على إنشاء المركز الصيني – العربي للأبحاث الدولية للحد من الجفاف والتصحر وتدهور الأراضي، وتنفيذ 5 مشاريع لتعاون الجنوب – الجنوب لمواجهة تغير المناخ.
الاستثمارات الصينية بلغت بالدول العربية 213.9 مليار دولار في الفترة بين 2005 و2021
وسيدعم جهود الجانب العربي في مكافحة الكوارث والحد من تداعياتها بالاستفادة من أقمار فنغيون الاصطناعية للأرصاد الجوية ومركز بيجينغ العالمي للأرصاد الجوية، ويحرص على العمل مع الجانب العربي على إنشاء المركز الصيني – العربي لتدعيم القطاعات التطبيقية لنظام بيدو للملاحة الفضائية، لتقديم خدمات مميزة للجانب العربي في مجالات النقل والمواصلات والزراعة الدقيقة والبحث والإنقاذ وغيرها، وسيعمل مع الجانب العربي على إنشاء دفعة من المختبرات المشتركة أو مراكز التعاون للبحث والتطوير في الحياة والصحة والذكاء الاصطناعي والتنمية الخضراء ومنخفضة الكربون والمعلومات والاتصالات والمعلومات الفضائية وغيرها من المجالات، وتقديم 300 نوع من التكنولوجيا الحديثة القابلة للتطبيق إلى الجانب العربي.
وفي إطار العمل المشترك للأمن والاستقرار، يؤكد الجانب الصيني أنه سيعمل مع الجانب العربي على تعزيز الحوار الإستراتيجي بين الجهات الدفاعية والقوات المسلحة للجانبين وتعزيز التبادل بين الأسلحة المختلفة والتواصل بين الأكاديميات المعنية، وتعميق التعاون في مجالات الأمن البحري وعمليات حفظ السلام الدولي والتقنيات المتخصصة وغيرها، وتوسيع نطاق المناورات والتدريبات المشتركة وتدريب الأفراد.
وبين دنغ لي، نائب وزير الخارجية الصيني، أن نمو العلاقات الصينية – العربية يفيد الشعبين ويعزز السلام والتنمية في الشرق الأوسط ويضخ الاستقرار في عالم مضطرب.
وأضاف خلال مؤتمر صحفي بشأن الاجتماع الوزاري الـ10 لمنتدى التعاون الصيني – العربي أن علاقات الصين مع العديد من الدول العربية تطورت من “شراكة” إلى “علاقة تعاونية إستراتيجية” ثم إلى “شراكة إستراتيجية”، ما حقق تقدما كبيرا. وتابع دنغ أن القمة الصينية – العربية الأولى عام 2022 شهدت اتفاق الجانبين على بناء مجتمع مصير مشترك صيني – عربي في العصر الجديد، ودخلت العلاقات الصينية – العربية عصرا جديدا من التنمية المتعمقة الشاملة.
ولفت إلى أنه بفضل الجهود المشتركة للجانبين، جرى تعميق الثقة الإستراتيجية المتبادلة بين الصين والدول العربية، وحقق التعاون العملي فوائد ملموسة لشعبي الجانبين، وجرى إثراء التبادلات الثقافية والشعبية بشكل أكبر.
وتعتبر العلاقات الإماراتية – الصينية الأكثر تميزا على الصعيد الثنائي للعواصم العربية. وفي فبراير الماضي أكد عبدالله بن طوق المري، وزير الاقتصاد الإماراتي، أن بلاده وجمهورية الصين تربطهما علاقات إستراتيجية وتاريخية ممتدة لأكثر من 40 عاما، تشهد تطورا مستمرا في إطار توجيهات قيادة البلدين بتعزيز أواصر هذه العلاقات، ودفعها إلى مستويات أكثر تقدما وازدهارا بما يلبي تطلعات شعبيهما، ويدعم نمو واستدامة اقتصاديهما.
وتشهد العلاقات الثنائية بين البلدين العمل على تطوير الشراكة الاقتصادية المتميزة بين البلدين نحو مستويات أكثر تنافسية، وتوسيع مجالات التعاون بينهما في القطاعات ذات الاهتمام المتبادل لاسيما الاقتصاد الجديد وريادة الأعمال والسياحة والطيران والنقل اللوجستي، وتعزيز التواصل بين مجتمعي الأعمال الإماراتي والصيني، ودعم آليات نمو المشاريع الصغيرة والمتوسطة في أسواق البلدين.
وتحتل جمهورية الصين المركز الثالث كأكبر مستثمر أجنبي في دولة الإمارات، حيث بلغت الاستثمارات نحو 7 مليارات دولار بنهاية عام 2021، فيما بلغت الاستثمارات الإماراتية في الصين نحو 2.3 مليار دولار بنهاية عام 2022، في قطاعات حيوية مثل الاتصالات، الطاقة المتجددة، النقل والتخزين، والفنادق والسياحة.
وبحسب المري، فإن التعاون الاقتصادي يشهد نموا متزايدا بين البلدين، حيث بلغ عدد الرخص الاقتصادية الصينية في دولة الإمارات نحو أكثر من 14.5 ألف رخصة، كما أن الصين تُعدّ ثالث أكبر مصدر لتدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى الإمارات بقيمة 6.3 مليار دولار، مع ارتفاع الاستثمار الثنائي بين البلدين خلال السنوات الأخيرة ليصل إلى مستوى قياسي قدره 15 مليار دولار في عام 2022.
وتابع الوزير الإماراتي أن قطاع السياحة بين دولة الإمارات وجمهورية الصين يعد من أهم القطاعات الرئيسة في العلاقات الاقتصادية المشتركة، حيث وصل إجمالي عدد السياح الصينيين إلى أكثر من مليون زائر في الأشهر العشرة الأولى من عام 2023، كما يصل عدد الصينيين الموجودين في دولة الإمارات إلى نحو 350 ألفا.
واتفقت حكومتا دولة الإمارات والصين، خلال انعقاد اجتماع الدورة الثامنة للجنة الاقتصادية والتجارية والفنية المشتركة في فبراير الماضي، على تعزيز التعاون في عدد من القطاعات والمجالات ذات الاهتمام المشترك، لاسيما الاقتصاد الجديد وريادة الأعمال والتكنولوجيا والسياحة والمشاريع الصغيرة والمتوسطة والطاقة المتجددة والزراعة والطيران والنقل اللوجستي والبنية التحتية والصناعة، بما يعزز من التنمية المستدامة لاقتصاد البلدين.
وكان رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان قد أكد خلال زيارته إلى بكين في يوليو 2019، قبل توليه منصب الرئاسة، أن تطوير العلاقات مع الصين يمثل توجها إستراتيجيا لدولة الإمارات وأن أبوظبي تتطلع دائما إلى دور صيني فاعل في إقرار السلام في منطقة الشرق الأوسط، والتصدّي لمصادر الخطر والتهديد.