الصراع داخل الإطار

المالكي لا يخفي سعيه المستمر للحفاظ على موقعه في قمة الهرم السياسي متبنيا مواقف متطرفة إزاء التحديات السياسية القائمة، مما يجعله مستعدا لفعل أي شيء يضمن استمراره في دائرة السلطة.
الأربعاء 2024/09/25
استغلال التوترات السياسية لتحقيق مصالح شخصية

يتوسط الإطار التنسيقي العراقي اليوم واحدة من أعقد المراحل السياسية في تاريخه، حيث يبدو أن التحدي الأكبر الذي يواجه مكوناته هو تغليب المصلحة الوطنية على الحسابات الشخصية والحزبية. هذه الأزمة تعبر عن “عقدة” محورية تنذر بأنها ستكون نقطة صدام مؤجلة إلى حين، في حال لم يتم التوصل إلى توافق يرضي جميع الأطراف المتصارعة داخل الإطار. فالصراع بات جليا بين أجنحة تسعى لضمان استمرار نفوذها السياسي وبين قوى أخرى تحاول فرض توازنات جديدة.

يتصدر زعيم دولة القانون نوري المالكي قائمة الرموز السياسية التي تمثل “الرعيل الأول” في العملية السياسية، وهو يقود الجناح المتشدد داخل الإطار التنسيقي. إذ لا يخفي المالكي سعيه المستمر للحفاظ على موقعه في قمة الهرم السياسي، متبنيا مواقف شديدة التطرف إزاء التحديات السياسية القائمة، مما يجعله مستعدا لفعل أي شيء يضمن استمراره في دائرة السلطة. ما يميز المالكي هو قدرته على استغلال التوترات السياسية لتحقيق مصالحه، فقد أثبت مرارا أنه غير مستعد لتقديم تنازلات في سبيل الحلول الوسطية التي قد تصب في صالح الحكومة أو القوى الأخرى داخل الإطار. لذلك، يشكل المالكي العقبة الكبرى في تحقيق توافق داخل التنسيقي، حيث إن نهجه القائم على التصعيد السياسي يساهم في تعقيد الوضع أكثر.

◄ الإطار التنسيقي يتوسط اليوم واحدة من أعقد المراحل السياسية في تاريخه، حيث يبدو أن التحدي الأكبر الذي يواجه مكوناته هو تغليب المصلحة الوطنية على الحسابات الشخصية والحزبية

على الطرف الآخر نجد هادي العامري، الأمين العام لمنظمة بدر، الذي يتبنى موقفا أكثر ليونة إزاء الأزمات القائمة. العامري يميل إلى الحوار والتوافق، وهو ما جعله يظهر كرجل التسويات الممكنة داخل الإطار التنسيقي. هذا النهج جعله أقرب إلى الوسيط الذي يحاول تهدئة الأجواء بين الفرقاء السياسيين، خاصة في ظل تصاعد الضغوط على حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني الذي يحاول من جانبه تقليل تداعيات الأزمات السياسية التي تحيط بحكومته، والتي نشأت نتيجة التباين الكبير في التوجهات بين أجنحة الإطار التنسيقي. ففي حين يسعى المالكي لتحقيق مصالحه عبر الضغط على الحكومة، يحاول العامري العمل على الحد من تلك الضغوط لتجنب المزيد من الفوضى السياسية التي قد تؤثر على استقرار الحكومة.

من هنا، لا يمكن فهم الصراع داخل الإطار التنسيقي دون النظر إلى القوى السياسية الأخرى التي تقف في مواجهة المالكي. هذه القوى تسعى لإعادة تشكيل توازنات جديدة داخل الإطار، متمسكة برفضها للنهج المتشدد الذي يقوده زعيم دولة القانون. وتعمل هذه القوى على نسف محاولات المالكي لتوجيه بوصلة الإطار نحو تعزيز سيطرته السياسية. في هذا السياق، تلعب القوى الأخرى دور “كاسر الأمواج” الذي يحاول صد هجمات المالكي، بل تحاول هذه القوى تثبيت أوزان جديدة تعكس الحجم الحقيقي للتغيير السياسي الذي يطالب به الشارع العراقي. وهذا يأتي في إطار مساع تهدف إلى إنهاء سيطرة الرعيل الأول على مفاصل القرار السياسي، لصالح زعامات أكثر انفتاحا على حلول وسطية تقود إلى مرحلة سياسية جديدة. وفي حال استمرار الصراع، فإن العراق قد يكون على أعتاب مرحلة جديدة من الأزمات السياسية.

8