الصراع الدولي على النفوذ في ليبيا وراء فشل البعثة الأممية

العشرات من الأحزاب الليبية تدعو إلى تطوير بعثة الأمم المتحدة لرفع مسـتوى أدائها بما يتلاءم مع حجم التحديات.
السبت 2023/10/28
تشكيك في حياد المبعوث الأممي

طرابلس - يستعد مجلس الأمن الدولي للتمديد لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا للمرة الثالثة عشرة قبل نهاية هذا الشهر، في ظل اتساع دائرة السجال حول دور البعثة وقدرتها على الإيفاء بتعهداتها، وخاصة في ما يتعلق بالمشاركة الفاعلة في العملية السياسية الخاضعة منذ سنوات لعراقيل لا تزال تحول دون تجاوز المرحلة الانتقالية وتكريس مرحلة الاستقرار السياسي والاجتماعي وبناء الدولة الديمقراطية التي طالما تحدث عنها المجتمع الدولي.

وقبل ذلك طالبت العشرات من الأحزاب الليبية بضرورة تطوير دور وأداء بعثة الأمم المتحدة والمبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، لرفع مسـتوى أدائهما بما يتلاءم مع حجم التحديات واستثمار مناخ التكاتف الشعبي الحالي.

وفي رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أشارت 57 حزبا سياسيا إلى انقضاء أكثر من عقد على صدور أول قرارات مجلس الأمن الدولي لحماية المدنيين وممتلكاتهم في ليبيا، جرى خلالها تكليف بعثة من الأمم المتحدة، تناوب على رئاسـتها تسعة مبعوثين، ورغم ذلك أخفق مجلس الأمن في حماية المدنيين الليبيين.

◙ المبعوث الأممي الحالي لا يستطيع أن يتحرك مستقلا عن التدخلات الخارجية بخصوص ملفات الوضع الليبي وخاصة المتعلق بقوانين الانتخابات والحكومة

واعتبرت الأحزاب أن أداء البعثة صار يفقد زخمه وتأثيره رغم محاولاتها المتواضعة لإيجاد مخرج للانسداد السـياسي في ليبيا، مما ينذر في ظل التطورات الأخيرة بعواقب وخيمة حال اسـتمرارها بنفس درجة الأداء حاليا، وسط تزايد المخاوف من تحوُّل البعثة إلى أداة لخدمة مصالح المتمسكين بالبقاء في السلطة لفترة أطول.

ولاحق الفشل كل المبعوثين دون استثناء، وهو ما جعل بعضهم يقررون الاستقالة من مناصبهم كما حدث مع غسان سلامة في فبراير 2020 ويان كوبيتش في ديسمبر 2021، فيما تقول بعض المؤشرات إن هناك من استفادوا من مواقعهم سواء مباشرةً أو بطريقة غير مباشرة.

ويرى مراقبون أن البعثة الأممية إلى ليبيا فشلت في دور الوساطة بين القوى المتصارعة على السلطة، وحاولت أن تمارس الوصاية على المشهد السياسي في البلاد، لكنها وقعت في فخ الفرقاء الذين نجحوا في تهميش دورها وفي تجيير فشلها لخدمة أهدافهم ومصالحهم، وفي مقدمتها السيطرة على مراكز القرار والإفلات من العقاب والحفاظ على امتيازاتهم المادية والمعنوية.

وهو ما تأكد بالخصوص خلال السنوات الثلاث الماضية باستمرار مجلسي النواب والدولة في صدارة المشهد، وتوسع سلطات أسرتي قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر في المنطقة الشرقية ورئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة في طرابلس وتوابعها.

ويشير المراقبون إلى أن البعثة تخضع في الأخير لقرارات وتدخلات الدول الكبرى وقوى إقليمية صاعدة تتصارع على مواقع نفوذ في الخارطة الليبية الشاسعة التي تحتل مكانة مهمة في جنوب المتوسط وشمال أفريقيا وتمثل نقطة عبور بين المشرق والمغرب العربيين، بالإضافة إلى ثرواتها الطائلة سواء المستغلة أو التي لم يتم استغلالها بعد.

كما أن جهود البعثة لا يمكن أن تنفصل عن حسابات ورغبات الدول المسيطرة على القرار الدولي في مجلس الأمن والتي تتغير أولوياتها حسب التحولات التي تشهدها المنطقة. ولم يعد هناك من يتحدث عن حل الميليشيات في المنطقة الغربية أو عن إجلاء القوات الأجنبية والمرتزقة، لأن المظاهر المسلحة الوافدة على طرابلس وتوابعها باتت تعتبر لدى العواصم الغربية قوة أمر واقع مرتبطة ببلد عضو في الناتو وهو تركيا في مواجهة الحضور الروسي في المنطقة الشرقية.

وبالتالي فإن اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 أصبحت في حكم التهميش أو التجميد لأن العواصم الغربية، وعلى رأسها واشنطن، لم تعد ترغب في المزيد من خطوات التجميع والتوحيد قبل الانتهاء من الحرب الروسية – الأوكرانية وتحديد مدى قدرة موسكو على الاحتفاظ بقوتها وقدرتها على المنافسة سواء في ليبيا أو في دول الساحل والصحراء.

◙ البعثة الأممية إلى ليبيا فشلت في دور الوساطة بين القوى المتصارعة على السلطة وحاولت أن تمارس الوصاية على المشهد السياسي في البلاد

كما أن الانتخابات في ليبيا أصبحت مجرد حلقة في مسلسل الصراعات الدولية، وقد فشلت البعثة الأممية في تنظيم انتخابات ديسمبر 2021، بعد أن تبين أن عواصم بعينها كانت ضد ترشح سيف الإسلام القذافي، وغيرها عمل على منع ترشح المشير حفتر، وتم خرق القانون والالتزامات من قبل رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة لتوفير شروط التأجيل أو الإلغاء، وهو ما دفع لاحقا إلى تكريس حالة الانقسام السياسي والاجتماعي وفق المنهج المؤدي إلى تكريس النظام الفيدرالي كحل نهائي للصراع الداخلي على السلطة والثروة والصراع الخارجي على النفوذ والمصالح.

وفي أكثر من مناسبة أكدت واشنطن ولندن، سواء مباشرةً أو بطريقة غير مباشرة، رفضهما لانتخابات ينافس فيها نجل القذافي بدرجة أولى والجنرال حفتر بدرجة ثانية على كرسي الرئاسة، وهو ما تحدته اللجان المكلفة بتحديد المسارات الانتخابية وآخرها اللجنة المشتركة 6+6 في قانون الاستحقاق الرئاسي الصادر عنها في السادس من يونيو الماضي والذي صادق عليه مجلس النواب في الثاني من أكتوبر، وكان سيف الإسلام القذافي أول المرحبين به مقابل تشكيك المبعوث الأممي الحالي عبدالله باتيلي في جدواه.

ويرى محللون أن المبعوث الأممي الحالي لا يستطيع أن يتحرك مستقلا عن التدخلات الخارجية بخصوص ملفات الوضع الليبي وخاصة المتعلق بقوانين الانتخابات والحكومة التي يدعو مجلس النواب إلى تشكيلها بدلا من حكومتي “الوحدة” في طرابلس و”الاستقرار” في بنغازي، فالقرار يتجاوز البعثة الأممية وهو مرتبط بمصالح الدول ذات الصلة.

7