الصدر في الإمارات.. البحث عن بقايا الطبيعة العربية في شخصية العراق

عمان - أحدثت زيارة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، بعد أقل من شهر من زيارته إلى السعودية، زوبعة في المشهد السياسي والشعبي العراقي، إذ امتنع نحو عشرين نائباً اتصلت بهم “العرب” عن الإجابة عن أسئلتها بشأن دوافع الزيارة وانعكاساتها على المشهد السياسي العراقي المرتبك.
واختلفت رؤى سياسيين وأكاديميين تحدثوا لـ”العرب” عن الزيارة، لكنها اتفقت على أن التوازن بين المؤثرين الإيراني والعربي سينعكس إيجابا على العراق وسيساهم في استقرارها خاصة في مرحلة ما بعد داعش.
واعتبروا أن زيارة الصدر إلى الإمارات والزيارة، التي سبقتها إلى السعودية، مثلتا محاولة لتطويق الدور الإيراني في العراق والمنطقة بصفة عاملة وتصديا لخططها التوسعية وأهدافها في تحقيق مصالحها من خلال وكلائها ونشر الفوضى والدمار بالمنطقة العربية. لذلك تسهم هذه الزيارة في إيجاد توازن عربي مع طهران، وتعدّ خطوة واقعية في المشهد العربي الراهن، كما تأخذ بعين الاعتبار موازين القوى الجديدة في المنطقة، خصوصاً بعد مؤتمر القمة الإسلامية الأميركية في الرياض.
وخلصت القمة العربية الأميركية بحضور الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى ضرورة اتخاذ التصدي للطموح البراغماتي الإيراني أولوية استراتيجية من خلال تعزيز التحالف العربي والدولي.
وفي ما يخص الداخل العراقي تعدّ هذه الزيارة خطوة باتجاه رسم سياسة جديدة في العراق تتقارب أكثر مع المحيط العربي، خصوصا إذا اتخذت بالتنسيق مع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي.
إنهاء للعزلة
طرح أستاذ دراسات إسلامية متخصص بالمذاهب، طلب عدم ذكر اسمه، خيارين لشرح زيارتي الصدر إلى السعودية وإلامارات، ويقول “إذا صح ما سبق أن روّجه أحد أتباع التيار الصدري، في حديث مسجل (صورة وصوت) أن كاظم حائري سحب الوكالة من مقتدى، وأن الأخير أصبح حراً في تحركاته ومواقفه، فإن مثل هذه الزيارة ستحقق نتائجها لصالح العراق والمنطقة العربية ككل”.
|
وأضاف “لكن إن لم يصح ذلك فان مقتدى الصدر لن يستطيع تجاوز مرجعه الديني، وبالنتيجة عما يريده المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، فإن الزيارة ستكون لصالح إيران”، لافتا إلى أن “الصدر يحتاج إلى مرجع يقلده وقد اختار تقليد كاظم الشيرازي المعروف بالحائري المقيم في إيران، ومرجعه خامنئي”.
وتابع أستاذ الدراسات الإسلامية إن “العراق تم عزله عن محيطه العربي، بعد الاحتلال، لا سيما في السنوات التي سيطر فيها على السلطة أتباع إيران، منذ تولى إبراهيم الجعفري رئاسة الحكومة، ثم أعقبه نوري المالكي ثم العبادي”، منوهاً بأن “العزلة التي عاشها العراق لم تكن بسبب حكومات الأقطار العربية، بل كانت نتيجة سياسة الجعفري والمالكي حيث باتا أدوات لتنفيذ ما تمليه عليهما طهران، وهو ما يحاول العبادي تجاوزه وكسره مؤخراً”. ولفت إلى أن السعودية بادرت إلى استقبال العبادي، وهو ممثل حزب الدعوة، ثم وزير داخليته، الذي هو من منظمة بدر، ثم مقتدى، الذي يقود التيار الصدري، واصفاً ذلك بأنها “خطوة جديدة لكي لا يقتصر التقارب السياسي كما هو متداول مع قادة الأحزاب والكتل المحسوبة على السنة”، مشيرا إلى أن مبادرة الإمارات تجسّد ذات التوجه خصوصاً وأن الاثنين لديهما موقف معلن من إيران، وخلاف مع قطر المتهمة بعلاقتها مع ايران ودعمها الإرهاب.
واعتبر مستشار رئيس جمهورية العراق شيروان الوائلي، في حديثه لـ”العرب”، أن “التواصل العربي والإقليمي من ضرورات هذه المرحلة الحرجه لقطع الطريق على المد الطائفي والفكر المتطرف”.
ورأى أن “زيارة الصدر الأخيرة إلى الإمارات العربية المتحدة، وقبلها إلى السعودية تعتبر خطوة مسؤولة من زعيم عراقي وطني له مواقف مشهود لها في تصديه لأزمات كبيرة وفي نشر مفهوم الوطنية للعراقيين والإيثار السياسي”، لافتا إلى أن “الصدر يعتقد، كما يعتقد الوطنيون في هذا البلد، بان أزمة العراق يجب أن تعالج بتطبيق مفهوم المواطنة ورفع شعار العراق أولا”.
وقال إن “الصدر يعدّ شخصية مرحبا بها محليا وإقليميا لتبنيها وحدة الصف العراقي بعيدا عن المكاسب السياسية المحدودة وزيارة الصدر للإمارات تعكس أهميتها الاستراتيجية ودورها المحوري في الساحة السياسية الإقليمية، حيث تتمتع ببعد اقتصادي متنام وتجربة فريدة يمكن الاعتماد عليها في تطور المنطقة على جميع الأصعدة.”.
ورأى الخبير في شؤون الأمن والدفاع ضياء الوكيل أن “زيارات الصدر إلى السعودية والإمارات، والأخرى المرتقبة إلى مصر تضعنا على أعتاب مرحلة سياسية تدرك مستوى المخاطر المحدقة بالوضع الإقليمي وترسم مسار الأحداث طبقا لذلك وتكشف عن ملامح صورة وصيرورة جديدة لمنطقتي الخليج والشرق الأوسط”.
وقال إن “هذه الزيارات تمنح الموقف الرسمي العراقي المتمسك بسياسة الجسور المفتوحة مع محيطه الإقليمي والعربي زخماً سياسياً وبعداً شعبياً سانداً، وتعبّر عن رغبة متبادلة على الصعيدين الرسمي والشعبي في تجاوز المرحلة السابقة وفتح صفحة جديدة من العلاقات الثنائية القائمة على أساس التعاون المثمر وتعزيز أواصر العمل والتنسيق المشترك وإجهاض مخططات الإرهاب والتطرف التي تقتات على الخلافات والانقسامات المذهبية والطائفية ومحاولة لرأب الصدع في العلاقات العربية والإسلامية، وتطويق الصراعات المتفاقمة والتدهور الخطير، الذي يعصف بالمنطقة”.
العزلة التي عاشها العراق لم تكن بسبب حكومات الأقطار العربية، بل كانت نتيجة سياسة الجعفري والمالكي الموالية لإيران
وأوضح الناطق الرسمي باسم الجبهة الوطنية العراقية المعارضة هاشم السامرائي بأن “السعودية تسعى إلى تأسيس محور سياسي وعسكري لمقاومة التدخلات الإيرانية في العراق والمنطقة، برعاية أميركية وبإسناد عسكري كامل من قوى التحالف”، متوقعاً أن “الصدر ستوجه إليه الدعوات لزيارات مماثلة للدول المتوافقة مع السعودية في محاربة الإرهاب ولمنع التمدد الفارسي في المنطقة”.
خطوة واقعية
اعتبر هاشم السامرائي أن “هذه الزيارات تأتي في سياق التطورات السريعة في المشهد السياسي والعسكري، التي تشهدها الساحة العراقية نتيجة للمكاسب الميدانية الأخيرة وإلحاق الهزيمة بداعش في مدينة الموصل”، واصفاً زيارة الصدر للإمارات بأنها “استكمال لما تم الاتفاق عليه خلال زيارته للسعودية في الشهر الماضي وتوضيح لسعي السعودية ومحورها إلى استقطاب جميع القوى ذات الجذور العربية المشاركة في العملية السياسية العراقية، وفي مقدمتها التيار الصدري، الذي يعدّ الواجهة لتلك القوى ولكونه الأكثر قوة ميدانيا”.
وصف النائب السابق نديم الجابري زيارة الصدر إلى السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة بأنها “خطوة في الاتجاه الصحيح على الرغم من أنها جاءت متأخرة حيث ستسهم في عودة العراق إلى حاضنته العربية الطبيعية”.
ولا يستبعد الجابري وقوف أسباب ودوافع عديدة وراء زيارات الصدر، منها، نزعته العروبية المستمدة من والده الشهيد الذي عمل على تأسيس ما يعرف بالمرجعية الدينية العربية، الذي ينتابها إحباط من التدخل الإيراني في العراق ومحاولة لإيجاد توازن عربي ضد خططها البراغماتية.
ورأى أن “الزيارة تمهّد لتحالفات انتخابية جديدة ترتكز على المحور العربي مقابل التحالفات الانتخابية الأخرى المرتكزة على المحور الإيراني وبأنها خطوة واقعية تأخذ بنظر الاعتبار موازين القوى الجديدة في المنطقة، خصوصاً بعد مؤتمر القمة الإسلامية الأميركية في الرياض”.
وأضاف “هي خطوة باتجاه رسم سياسة جديدة في العراق أكثر تقاربا من المحيط العربي، خصوصا إذا اتخذت بالتنسيق مع رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي”.
لكن الباحث الاستراتيجي العراقي باسل بشير لا يستبعد أن يكون ثمة تنسيق أميركي مع الصدر ليتسلم، هو وتياره، زمام الشارع العراقي، بعد الانتخابات، بدلاً من جماعة حزب الدعوة والتيار الإيراني.
ويقول “إن رد الفعل الإيراني يفصح عن أن ثمة خطة إيرانية لاستبدال الصدر بعد تجاوزه الخطوط الحمراء التي وضعتها له، وإدراكها بمدى فطنته الذي انتبه بأن الصراع الإيراني الأميركي يجري لصالح الولايات المتحدة”.
من جانبه، يصف رئيس المجموعة العراقية للدراسات الاستراتيجية واثق الهاشمي زيارات الصدر الأخيرة إلى الخليج العربي والمرتقبة إلى مصر بأنها منعطف جديد لتحسين العلاقات العربية العربية، والخليجية العراقية، على وجه التحديد، كاشفاً عن أن “هناك زيارة أخرى للصدر سيقوم بها إلى البحرين”.
ويقول إن “هذه الزيارات هي بمثابة رسالة إلى الدول العربية، التي كانت تتعامل مع سنة عراق لكي تتجه للتعامل مع كل العراق والذي يضم جميع المكوّنات”، مشيرا إلى أن “الدول العربية بإمكانها الاستفادة من استقرار العراق وتهدئة الأجواء في الإقليم، خاصة إذا تمت تسوية الخلافات بين دول الخليج وإيران”.
نديم الجابري: الزيارة خطوة في الاتجاه الصحيح وستسهم في عودة العراق إلى حاضنته العربية
واعتبر الهاشمي أن “تلك الزيارات تشي بتغيّر جديد في السياسة العراقية الداخلية بما في ذلك توجهات الكتل، لكون الانفتاح العراقي العربي يحمل رسالة مفادها أن شيعة العراق عروبيون وأنهم جزء من امتدادات عشائرية تضمها المنطقة”.
كسر الاحتكار السياسي
يذهب مدير مركز رؤية للسياسات ياسين البكري إلى أن هناك إدراكا خليجياً بحالة عدم الاستقرار التي تعيشها المنطقة خاصة الداخل العراقي حيث لم تكن طريقة تعاطي الأطراف الدولية والإقليمية مع العراق إيجابية، وللوصول إلى حالة استقرار يجب العودة إلى العراق وفتح العديد من الملفات ومناقشتها مع الحكومة العراقية مباشرة، ومع الفاعلين على الساحة العراقية، ولقي هذا التوجه ترحيبا من الصدر وترجمه بخطوات عملية بزيارته للسعودية والإمارات.
وقال إن “هناك جملة من التبعات السياسية التي قادت المشهد العراقي إلى هذا الوضع المتشذرم، وفي مقدمتها الفشل الذي رافق التغيير في العراق بعد العام 2003، والتي أوصلت سياسيين عراقيين منهم الصدر، صاحب قاعدة الجماهيرية كبيرة. ودعا إلى ضرورة العمل على تغيير البيئة الداخلية والتعاطي بتوازن مع البيئة الإقليمية وتحديداً العربية، لإثبات أن الشيعة ليسوا موالين لإيران، كما يشاع عنهم في الإعلام العربي، وأن لهم خصوصيتهم على الرغم من الالتقاء في خطوط عامة مع شيعة إيران.
وبالتالي ستسهم الزيارة في تشجيع الدول الخليجية إلى التقارب مع الجانب العراقي وفتح أبوابها له في إشارة بأن التعاطي سيكون مع العراق مباشرة وليس عبر أوصياء آو وسطاء، وتنبيههم إلى أن ابتعادهم عن العراق كان خطأً استراتيجيا أضر بالمنطقة العربية ككل.
وأوضح الصحافي العربي فؤاد الحاج المقيم في أستراليا أن زيارات الصدر إلى السعودية والإمارات ومن ثم إلى مصر تشير بأن المنطقة العربية مقبلة على متغيرات كبرى ومتسارعة حيث يعي كل مراقب لمجريات الأوضاع أن هناك تغييرات متتالية على الساحة العربية منذ زيارة الرئيس الأميركي إلى الرياض، أهمها ما طرأ على مجلس التعاون الخليجي وخروج قطر عن نص قواعد اللعبة في المنطقة، من خلال انحيازها إلى إيران علنا ومنح تركيا صلاحيات والسماح لها بزيادة قواتها العسكرية في الدوحة مع قاعدة لها هناك دون الاكتراث بالمصالح العربية.
وأعتبر الباحث في الشؤون السياسية أمير جبار الساعدي أن الخط الذي ينتهجه زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر جدّي ويؤسس لرؤية جديدة حيث يسعى إلى انفتاح بقوة واقتدار كبيرين لرسم خارطة تقارب عربي مع العراق أولا ومع التيار الشيعي خصوصا في محيط العراق الإقليمي.
ورأى أن “الصدر حمل برمزيته وتمثيله الشعبي الكبير في العراق نحو فتح أبواب التقارب السياسي الذي كان حكرا على البعض من الوجوه السياسية العراقية” . ويشير إلى أن الصدر “يحاول الآن إكمال خطوته الأولى في زيارة للسعودية والتي كانت لها انعكاسات ايجابية في المحور الداخلي، واستعادة الحضور الاستراتيجي لمركز العراق العربي ولعب دور الوساطة الفاعلة بين المحورين الإقليميين الفاعلين في المنطقة أي السعودية وايران”.
وتوقّع أن “يحاول الصدر زيارة باقي منظومة مجلس التعاون الخليجي الفاعلة في الساحة العربية والتي لديها تأثير في تشكيل ملامح مرحلة ما بعد الانتصار على التنظيمات الإرهابية بالعراق وفي مرحلة إعادة الاعمار”.
وقد سبق وأن أعلن الصدر عن جدول زيارته إلى السعودية والتي كانت تحمل بين طياتها الملفات الداخلية والإقليمية الساخنة، وأكمل الصدر مشوار تباحثها في زيارته للإمارات ومن ثم إلى دول أخرى بالمنطقة.
كاتب عراقي