الصحافيون في مهمة الكاشفين عن الكذب

مع انقضاء العام وإطلالة عام جديد، صنع الصحافيون أمنياتهم من أماكن شتى، سواء من مكاتب مؤسساتهم الصحافية أو من حيث هم في الميدان وأقرب إلى الحياة وتقلباتها.
لا يريد الصحافيون كثيرا من العام الجديد ولم يعلقوا عليه الكثير من الأمنيات لثقتهم بأنهم سيبقون يحملون صخرة سيزيف ما دامت هنالك عجلة للصحافة تدور مع دورة الحياة.
لكن لم يكن يخطر في بالهم مثلا أن توكل لهم مهمة جديدة غير مسبوقة وهي وظيفة كشف كذب السياسيين.
لا شك أن سياسيين في العديد من بقاع العالم يعانون من ذلك العارض والميزة التي يتمسكون بها، بل إن هنالك حكاما مازال شغلهم الشاغل الكذب على شعوبهم.
وظيفة كشف كذب السياسيين تبدو وظيفة مقدسة وأخلاقية بكل معنى الكلمة ولو تفرّغ الصحافيون أو قسم منهم لسياسيي بلدانهم وراجعوا تصريحاتهم ومواقفهم ووعودهم لوجدوا ما لا يحصى من الوعود الكاذبة والتصريحات التي بقيت مجرد كلمات في الهواء.
في بلد مثل العراق بعد الهزات الهائلة التي تعرض لها والكوارث التي عصفت به ما تزال الأرض رخوة لكي يتم الاستناد عليها في تقييم أغلب السياسيين وعلى هذا برزت إلى السطح فئة من الساسة أو أشباههم لا يجيدون مهنة ولا يفضلون عملا أفضل من الكذب ولكن من دون الخجل من الكذب أو الاعتذار عنه.
هنالك مثال بسيط من بين أمثلة أخرى كثيرة، هو قصة إصلاح قطاع الكهرباء في العراق الذي أنفقت عليه الحكومة المليارات حتى الآن وصار موضوعه بازارا لسباق الوعود الكاذبة بانتهاء مشكلة الكهرباء حتى صار العراقيون يسخرون ويحفظون عن ظهر قلب مسلسل الكذب في تصريحات الوزراء ورؤساء الحكومات في شأن هذا الملف.
أما الصحافيون -كاشفو كذب الساسة- من وزراء وبرلمانيين وغيرهم فقد تم ترهيب قسم كبير منهم لكي يكفوا عن فضح تلك الأكاذيب ووصفها بأنها مساس “برموز وطنية” أو أنها “عملية تسقيط سياسي”.
تقدم صحيفة واشنطن بوست الأميركية العريقة درسا بليغا في هذه القضية وذلك من خلال تفرغ فريق من صحافييها لتتبع مسلسل الكذب الذي تتهم به الرئيس الأميركي دونالد ترامب وذلك في خلال سحابة العام الماضي 2018.
وبحسب الصحيفة فإن الرئيس أدلى بأكثر من 1900 تصريح كاذب خلال ذلك العام، أي بمعدل قرابة 15 تصريحا يوميا.
ووفق الصحيفة فإن ترامب بدأ العام 2018 بتغريد سلسلة من التصريحات المضللة والكاذبة عن هيلاري كلينتون وإيران، وصحيفة نيويورك تايمز.
وأضافت أن تلك التغريدات كانت ضمن تصريحات الرئيس الكاذبة، وبلغ عددها نحو 5 آلاف و600 تغريدة هذا العام وحده.
وقالت إن ترامب نسب الفضل لنفسه إزاء ما اعتبره أنه وصل بجهوده وجهود حكومته إلى أفضل عام على الإطلاق في مجال سلامة الطيران التجاري، على الرغم من أنه لم تحدث أي حوادث طيران تجارية في الولايات المتحدة منذ عام 2009، وتلك لوحدها فضيحة ضمن السلسلة.
وحول اقتصاد الولايات المتحدة خلال سنتي حكمه، قال ترامب إنه هو الأفضل في تاريخ البلاد، مشيرا إلى أنه قدم 110 مزاعم في هذا الشأن.
وقالت الصحيفة “نعم إن اقتصاد البلاد يسير بشكل جيد، لكن لا يمكنه أن يتخطى ما كان عليه في نهاية التسعينات أو حتى في أجزاء من أربعينات أو ستينات أو ثمانينات القرن الماضي، وفق بيانات رسمية مؤكدة تغاضى عنها الرئيس وراح يلفق ما يشاء”.
ويتسع مسلسل الكذب الذي كشف عنه الصحافيون ليشمل ملفات الهجرة والتدخل الروسي في الانتخابات الأميركية وقضايا أخرى عديدة.
لا شك أنه من الشجاعة أن يقدم أي صحافي على القيام بمهمة “الكاشف عن الكذب”، ولكن أليست هذه واحدة من أقدس وأنبل مهمات الصحافي في أن يوقظ الرأي العام ويوجهه باتجاه متابعة وفضح أكاذيب الساسة وضحكهم على ذقون شعوبهم؟