الشغب يؤجل عودة الجماهير إلى مدرجات الملاعب المصرية

باتت العلاقة بين مسؤولي الكرة وجماهير الملاعب في مصر، أشبه بلعبة “القط والفأر”، وما أن تدنو الروح من العودة إلى المدرجات، حتى تمتد أيادي قلة من الجماهير فتزيح أجهزة التنفس عنها لتعيد الأمور إلى سيرتها الأولى.
السبت 2016/07/23
وفاء بلا حدود

القاهرة - في الوقت الذي يجهز اتحاد كرة القدم خطته لعودة الجماهير إلى المدرجات، بدءا من الموسم المقبل للدوري المحلي، ليتم عرضها على وزارة الشباب والرياضة ثم أجهزة الأمن، أبدت كل الجهات قلقها من اتخاذ مثل هذا القرار، بسبب أعمال الشغب التي شهدها ملعب برج العرب على أيدي جماهير الأهلي أثناء مباراة الفريق أمام الوداد المغربي بدوري الأبطال، حيث جرى تخريب جزء من المدرجات عقب تعادل الأهلي وتراجع فرص تأهله للدور نصف النهائي.

تبدأ رحلة مباريات كرة القدم في مصر، من المدرجات وتنتهي خلف القضبان، ويتكرر السيناريو كلما تواجدت الجماهير، غير أنه من المؤكد فشل كل التجارب التي شهدت التواجد الجماهيري، والمتمثلة في المباريات الأفريقية التي يشرف عليها الاتحاد الأفريقي للعبة “كاف”.

شهدت مباراة الأهلي والوداد، التي أقيمت الأسبوع الماضي، في الجولة الثالثة من دور المجموعات، أحداثا مؤسفة حيث قام أفراد من رابطة مشجعي الأهلي “الألتراس”، بتحطيم المقاعد، بسبب تعرضهم للتفتيش من قبل أجهزة الأمن، وهو ما عرض النادي الأهلي لغرامة مالية قدرها 5 آلاف دولار من الكاف، إضافة إلى تحمل نفقات التلفيات التي وصلت إلى 20 ألف دولار.

قامت أجهزة الأمن بالقبض على بعض المتورطين وتحويلهم إلى النيابة، وتكررت القصة في هرولة الأهالي خلف ذويهم بين المحاكم وأقسام الشرطة، واللجوء إلى من يطالبون بالإفراج عن الشباب، ويخشى محللون تعرض الأهلي لمصير وفاق سطيف الجزائري الذي تم استبعاده من البطولة، على خلفية أحداث الشغب التي شهدها لقاء الفريق أمام صن داونز، بطل جنوب أفريقيا، بالجولة الأولى، وهو ما يعد خسارة كبيرة للنادي الأهلي، ونقطة سوداء في تاريخ النادي.

الفارق بين الأهلي والزمالك

هناك فارق كبير بين مسؤولي الأهلي والزمالك، في التعامل مع الألتراس، وفي الوقت الذي منح محمود طاهر رئيس النادي الأهلي، أعضاء الرابطة 5 آلاف دعوة لحضور مباراة الوداد، رفض مرتضى منصور رئيس نادي الزمالك، منح أي فرد من أعضاء “وايت نايتس” دعوات حضور مباراة الزمالك صن داونز، والتي أقيمت في التوقيت ذاته، وأعلن مرتضى صراحة، أنه لن يسمح بدخول “البلطجية” إلى المدرجات، تجنبا لإفساد المباراة وحدوث أعمال شغب، تعود بالضرر على نادي الزمالك، بل إن رئيس الزمالك اتهم في تصريحات سابقة، محمود طاهر رئيس الأهلي بأنه من يساند روابط الألتراس.

يرى شيرين شمس المدير التنفيذي للأهلي، أن الطريقة المثلى لحل هذه الأزمة، هي ضرورة تطبيق القانون على الخارجين عن النص، ومن يقومون بتحطيم المقاعد وإلقاء الزجاجات ليسوا بمشجعي كرة قدم، ولا يعرفون شيئا عن الرياضة.

مهازل متكررة

وقال لـ“العرب” إن الخطأ يرجع إلى أهالي المتورطين في أحداث الشغب، لافتا إلى أن التربية هي العمود الرئيسي في بناء الشخصية، وطالب جماهير الأهلي الحقيقيين بالحضور للمدرجات لمنع مثل هؤلاء المندسين من العبث، وإيقاف المهازل التي تشهدها الملاعب المصرية على أياديهم.

إذا كانت هناك مخاوف من استبعاد الأهلي من دوري أبطال أفريقيا، فإن المخاوف نفسها تدور حول مصير منتخب مصر

تعتقد بعض الجماهير أن هناك حاجزا بينهم وبين مسؤولي الأمن في مصر، وأنهم يتعرضون للاضطهاد وللمعاملة السيئة أثناء دخول المباريات. توقع العميد ثروت سويلم، القائم بأعمال رئيس اتحاد كرة القدم، أن هذا هو السبب الرئيسي في قيام البعض بأعمال شغب، ما يؤخر عملية عودة الجماهير إلى المدرجات، ولفت في تصريحات لـ“العرب”، إلى أن بعض الجماهير تريد تحطيم القوانين.

طالب سويلم الجماهير التي تتورط في مثل هذه الأعمال، بأن تكون على قدر المسؤولية، خاصة أن خالد عبدالعزيز وزير الشباب والرياضة، أبدى رغبته في إقامة مباراة منتخب مصر أمام غانا، التي تقام نوفمبر القادم، بالتصفيات الأفريقية المؤهلة إلى كأس العالم 2018 بروسيا، على ملعب القاهرة بحضور الجماهير. إذا كانت هناك مخاوف من استبعاد الأهلي من دوري أبطال أفريقيا، فإن المخاوف نفسها تدور حول مصير منتخب مصر، إذا ما استمرت هذه القلة من الجماهير في القيام بأعمال شغب، وكانت الجماهير سببا في حرمان المنتخب المصري من الوصول إلى كأس العالم 1994 بالولايات المتحدة الأميركية.

في فبراير عام 1993 كان المنتخب المصري على موعد مع مباراة أمام زيمبابوي، ضمن التصفيات المؤهلة للمونديال، وتقدمت مصر بهدفين مقابل هدف، إلا أنه تم إلغاء المباراة بعد إلقاء أحد المشجعين حجرا داخل الملعب، ما أدى إلى إصابة أحد لاعبي زيمبابوي أثناء تنفيذ رمية تماس، وأصدر الاتحاد الأفريقي قرارا بإعادة المباراة على أرض محايدة، واختيرت مدينة ليون الفرنسية، وانتهت المباراة المعادة بالتعادل دون أهداف وخرج منتخب مصر من التصفيات.

لا تزال الحيرة قائمة حول طريقة التعامل مع شباب روابط الألتراس، الذين يشكون دوما من معاملة الأمن، ويطالبون بعدم تواجد قوات الشرطة داخل المدرجات، وأنهم قادرون على تأمين المباريات بأنفسهم، وفي إحدى كلماته التي أذيعت عبر التلفزيون الرسمي للدولة، قال الرئيس عبدالفتاح السيسي”إن الألتراس هو الذي سينظم المباريات، لكن لا علاقة له بالتأمين”، في لفتة إلى ضرورة احتواء هؤلاء الشباب، وألمح إلى أنهم لو حصلوا على هذه الفرصة وتحملوا المسؤولية، فإنهم سيقدمون عملا جيدا.

وفي الوقت الذي تطالب فيه الجماهير بمعاملة جيدة، تتعامل دول عظمى مع أحداث الشغب بصرامة شديدة، وقد نقلت شاشات التلفزيونات كيف تعاملت قوات الأمن الفرنسية مع الخارجين على القانون، في مباريات كأس الأمم الأوروبية “يورو 2016”، حيث نجحت الشرطة في السيطرة على المشاغبين بعد أن سحلتهم أرضا وأبرحتهم ضربا بالعصي.

تشهد الملاعب المصرية منذ فترة غياب الجماهير عن المدرجات، وتحديدا منذ اندلاع ثورة 25 يناير 2011، وشهدت الملاعب أحداثا عديدة تسببت في استمرار المدرجات خاوية، من بينها أحداث مجزرة بورسعيد 2012، وأحداث الدفاع الجوي 2014، وهما الحادثان اللذان أسفرا عن وقوع العشرات من الضحايا.

عرفت الملاعب المصرية مثل هذه الأعمال الإجرامية في العام 2009، عندما قامت جماهير “وايت نايتس” التابعة لنادي الزمالك، باقتحام النادي الأهلي في مباراة للكرة الطائرة بين الفريقين، ما دفع جماهير الأهلي إلى حرق واحد من جماهير الزمالك، في واقعة مأساوية، أثارت دهشة الجميع وكانت إنذارا بضرورة احتواء الأمر، إلا أن الأزمة لا تزال قائمة.

22