الشرس والأستاذ

لا أحد بقي في الصورة، كلهم رحلوا وغادروا المكان، لم تكتمل بعد ملامح الصورة النهائية، غير أن أبطال ذلك الفيلم المشوق “الطيب والشرس والقبيح” لم يعد لهم أي وجود، في الفيلم طبعا، فقط هي مجرد آثار ربما قد يحفظها التاريخ كي تؤرخ لحقبة من الزمن.. زمن البحث عن الكنوز وكذلك المجد الشخصي.
غادر القبيح سريعا، وانتفت كليا تحركاته، ثم قاوم الطيب طويلا، لكنه استسلم في نهاية المطاف وأودع حقائبه وحقائقه لمن يحفظ السر، أما ذلك الشرس، فقد راوغ “الموت” وعاد سليما معافى، عاد إلى الصورة، أراد تقليب دفاتر الماضي المجيد لكن في مكان جديد، حاول النبش في سجلات النجاحات القديمة، لكنه فشل مجددا فكان “موته” هذه المرة أكثر إيلاما، ليكتب بذلك نهاية فصل جديد من هذا الفيلم الذي لا يوّد أن ينتهي.
كل ما سبق من الحديث هو مجرد اقتباس لأحداث فليم قديم، ومحاولة لإلباس شخوص وشخصيات رمزية رداء واقع كروي ميّز في بعض جوانبه منافسات الدوري الإنكليزي الممتاز.
فيما مضى، سبق وأن كتبنا عن ذلك الصراع والتنافس المحتدم بين المدربين في هذا الدوري، منذ ثلاث سنوات بالضبط استعرضنا بعض فصول السباق المستعر بين مدربي عدد من أندية الدوري الممتاز، كان الوضع في تلك الحقبة مشابها كثيرا لما حصل في ذلك الفيلم العالمي.
كان الصراع قويا للحصول على لقب الدوري بين المدربين؛ أرسين فينغر ولويس فان غال وكذلك خوزيه مورينيو، كان صراعا مماثلا لما حصل في الفيلم.
في تلك الفترة سقط فان غال الذي يشبه كثيرا في بعض تفاصيله شخصية “القبيح”، لقد عرف المصير ذاته الذي عاشه مورينيو عندما تمت إقالته من تشيلسي، قبل أن يأتي الدور بعد ذلك على فينغر الذي تقمص دور “الطيب” ليرمي المنديل بدوره ويضحي بالسنوات الطويلة التي قضاها مع أرسنال، لكن مورينيو بطبعه الحاد و”غطرسته” وعناده القوي ورفضه الانصياع لأوامر المخرجين عاد “حيا” محاولا قدر المستطاع إطالة الفيلم.
لقد تم تكليفه بتدريب مانشستر يونايتد، إذ انتهز فرصة سقوط “القبيح” فان غال في تلك الفترة وواصل رحلة البحث عن الكنز.
بدأ مورينيو الرحلة، حاول تلميع صورة المكان، سعى بكل خبرته ودهائه و”مكره” أن يصل إلى مكان الكنز، لكن “الموت” ترصده، لقد صبر وصابر وكافح وحاول أن يتلوّن ويغيّر مزاجه المتقلب، لكن مورينيو “الشرس” استسلم فلم ينج من مصيره المحتوم.
تقول أحداث الفيلم إن “الشرس” مات برصاصة أطلقها صوبه “الطيب”، لكن مورينيو لم يعرف المصير ذاته، لم يجهز عليه فينغر ذلك المدرب “الطيب”، بل هو من جنى على نفسه، لقد ناصب العداء لكل من حوله.
لقد خيّل له أنه تخلى عن طباعه الحادة التي قد تقضي عليه يوما ما، لكنه واصل تعنته وعناده ولم يقدر على قيادة الفريق نحو الطريق الآمنة المؤدية إلى الكنز.
كانت نتائج مانشستر يونايتد متوسطة ودون الآمال، فشل في المحاولة الأولى وفشل في الثانية، والمحصلة أنه لم يقدر على المنافسة على اللقب المحلي في موسمين متتالين. استطاع أن يحافظ على مركزه للموسم الثالث على التوالي، فبدأه مترنحا متثاقلا، يبدو أن هذا “الشرس” بات عجوزا عديم الفائدة، لم ينجح الفريق في أن يكون ضمن فرق الصدارة، لكن الأخطر من ذلك أنه ناصب العداء لجنوده، ليدفع الثمن غاليا ويغادر الفريق في منتصف الطريق.
اليوم تشير كل المعطيات إلى أن أغلب اللاعبين تمردوا على مدربهم عقب الخسارة الأخيرة في الدوري، لقد أرادوا التغيير، لقد نفد صبرهم تجاه هذا المدرب “الشرس”، حتى أن بول بوغبا نجم الفريق لم يخف فرحته العارمة بعد قرار الإقالة.
لكن أتدرون من ساهم في سقوط “الشرس” مرة ثانية؟ إنه بطل جديد وشخصية أثبتت جدارتها بأن تغيّر سيناريو الفيلم وتكون مؤثرة ومساهمة في تغيير الأحداث، هي شخصية ربما اتخذت دور الأستاذ المتحمّس بمرح غامر لتصحيح الأخطاء وكتابة فصول جديدة لهذا الفيلم، إنه مدرب ليفربول يوغن كلوب.
طيب، أتدرون كيف أثّر “الأستاذ” كثيرا في مسيرة “الشرس”؟ لقد أصابه بثلاث طلقات في ثلاث مناسبات وتسبب في إقالته من تدريب ثلاثة فرق.
في المرة الأولى فاز كلوب على مورينيو عندما كان الأول يدرّب بوروسيا دورتموند والثاني يدرب ريال مدريد، فدفع الثمن غاليا بعد أن تمت إقالته، أما في المرة الثانية فقد هزمه كلوب عندما تولى تدريب ليفربول ليتسبب في إقالته من تدريب تشيلسي.
أما الثالثة والأخيرة فكانت منذ أيام، في مواجهة حسمها ليفربول بثلاثية على حساب مانشستر يونايتد، فكان السقوط هذه المرة مروّعا ومدوّيا.
لقد قرر “الأستاذ” من حيث لا يدري أن يغير كليا في بعض فصول هذا الفيلم، لقد تحكم مرارا وتكرارا في مصير “الشرس”، لقد ترصده في كل مكان، كان أكثر قسوة من “الطيب” في الفيلم الأصلي، كان أشد تأثيرا من “القبيح”.
ربما حقّ له أن يصبح شخصية محورية، لكن حذار فالكل بالمرصاد في فيلم قد يتزعمه فيلسوف السيتي أو حكيم تشيلسي أو مغامر توتنهام.