الشخصية السايكوباثية في تألقها على الشاشة

لم تتوان التجارب السينمائية عن الخوض في أدق تفاصيل الشخصية الإنسانية وصولا إلى الشخصيات المصابة بالأمراض النفسية، والتي تنتشر ويتعزز وجودها في كل المجتمعات، ولكن بنسب متفاوتة.
النموذج الفريد من هذا الوباء البشري يتمثل في ذلك النوع الخطير والإشكالي المتمثل في الشخصيات السايكوباثية التي تحوم باحثة عن ضحاياها بكل أشكال التقرّب والجذب والتأثير، وهو ما قدمته السينما في عشرات الأفلام حتى صارت هذه الشخصية الإشكالية علامة فارقة على مرّ الزمن.
وفي هذا الصدد يذكر الباحث الجمالي والسينمائي جوستين داميانو أنه من خلال تقييم الشخصيات السايكوباثية الواقعية في الفيلم – في موازاة الشخصيات غير الواقعية – يمكننا أن نقدر كيف تتشكل الثقافة الحديثة من خلال فهمنا للصحة العقلية وكيف تتمثل على الشاشة لاسيما مع رسوخ الشخصيات السايكوباثية بشكل خاص في أذهان المشاهدين.
وخلال تاريخ السينما برز سؤال خلاصته، من هم السايكوباثيون – السينمائيون الأكثر تصديقا؟
هذا السؤال كانت قد أجابت عليه بكل دقة وموضوعية دراسة أجراها الطبيب النفساني البلجيكي صمويل ليستدت وفريقه من خلال مشاهدة حوالي 400 فيلما تمتد تواريخ إنتاجها ما بين عام 1915 إلى عام 2010، وهي أفلام تعد من أهم ما أنتج في تاريخ السينما – واستغرقت مدة تلك الدراسة قرابة ثلاث سنوات.
تجسد الشخصيات السايكوباثية على الشاشة سمات اعتمدها منتجو الأفلام لمزيد من التأثير وجذب الجمهور المستهدف
حلل ليستدت وفريقه كل فيلم من أفلام العينة المختارة التي تنوعت من الكوميديا إلى أفلام الحرب الى أفلام الحركة والرعب انتهاء بالأفلام ذات الطبيعة النفسية.
والحاصل أن الفريق شخص من خلال تلك الوفرة من الأفلام 126 شخصية مصابة بعلة نفسية، بل إن جميعها اعتبرت من وجهة نظر الباحثين من المختلين عقليا.
أما الشخصيات فقد تراوحت ما بين السايكوباثيين والعصابيين والذهانيين، ومنها مثلا المصرفي الخسيس هنري ف. بوتر في فيلم “إنها حياة رائعة” (1946)، وهناك أليكس ديلارج الذي لا يرحم في فيلم “البرتقالة الآلية” (1971).
ومن جانب آخر يعد نورمان بيتس في فيلم “سايكو” (1960) واحدا من أكثر “المرضى النفسيين” شهرة في تاريخ السينما، فيما اعتبر أن أنتون شيغور من فيلم “لا أرض للرجال المسنين” (2007) هو أكثر مختل عقليًا سينمائيًا.
لقد جسدت السينما من خلال هذا النوع من الأفلام كل السمات “النموذجية” للمريض نفسيًا، وزادت على ذلك صفات مثل الافتقار التام للضمير وعدم الندم وعدم الرحمة فضلا عن وجود الضحايا وبالطبع التحكم في مصير الكثيرين.
وبالإضافة إلى كل ذلك تجسد الشخصيات السايكوباثية على الشاشة سمات اعتمدها منتجو الأفلام من أجل المزيد من التأثير وجذب الجمهور المستهدف والمولع بمثل هذا النوع من الأفلام، ومن ذلك إظهار السايكوباثيين وتصويرهم على أنهم ساديون، ولا يمكن التنبؤ بأفعالهم وردود أفعالهم وخططهم، وأحيانا كثيرة يكونون منحرفين جنسيا، وغير مستقرين عاطفياً فضلا عن السلوكيات الغريبة، مثل الفكاهة والضحك على نحو مفاجئ ومبالغ فيه أو التشنجات اللاإرادية على الوجه.
وبالطبع ليست كل هذه الصفات الفيلمية التي تظهر على الشاشة هي بالضرورة الصفات الحقيقية لجميع الشخصيات الواقعية السايكوباثية التي تعيش بيننا، بل إنها كما ذكرنا صفات فيلمية أضفى عليها كتّاب السيناريو والمخرجين المزيد من الصفات والسلوكيات التي يقتضيها النوع الفيلمي والأحداث التي يتم تقديمها على الشاشة، ويمكننا إحصاء عشرات الأفلام التي تم تقديمها عبر تاريخ السينما لشخصيات سايكوباثية لا تنسى مما لا يتّسع له المجال في هذه المساحة، على أننا اخترنا فيلمين حديثين من إنتاج هذا العام 2022 وما زالا يعرضان في صالات السينما كأمثلة حديثة للشخصية السايكوباثية على الشاشات.