الشباب العرب لم يصلوا بعد إلى نظرة منصفة نحو المساواة بين الجنسين

لا يؤمن الكثير من الشباب في المنطقة العربية بالمساواة بين الجنسين، بحسب ما تؤكد الدراسات الحديثة، وتعتبر هذه النظرة أحد المعوقات أمام المرأة في مواجهة التمييز والتهميش والعنف القائم على النوع الاجتماعي، وتكرسها العادات والتقاليد إضافة إلى الضغوط الاقتصادية الكبيرة التي تفرض على الشباب دورا محددا.
رام الله - تحلم مي الطالبة في كلية العلوم الاجتماعية في رام الله بمكافحة التمييز وعدم المساواة بين الجنسين ومكافحة العنف القائم على النوع الاجتماعي، وتبدي قلقا من نظرة زملائها الشباب في الجامعة حول المساواة بين الجنسين، وعدم إيمانهم بالحقوق المتساوية بين الرجل والمرأة.
لا يتبنى جيل الألفية توجهات رجعية عموما، فلديه أفكار منصفة في ما يتعلق بالمساواة بين الرجال والنساء في مجال العمل والتعليم والترقي، لكن ما يزال هناك طريق طويل لإقناع الشباب بالمساواة الحقيقية بين الجنسين في ما يتعلق الأمر بالعادات والتقاليد، كما أن القوانين في العديد من الدول العربية مجحفة بحق المرأة بشكل كبير وهو ما لا يساعد في تغيير وجهة النظر نحو المساواة بالنسبة للأجيال الجديدة.
معاناة من التمييز
لا يختلف الأمر كثيرا بالنسبة للنساء في مختلف أنحاء المنطقة العربية، فغالبا ما تمثل المرأة تمثيلا ناقصا في مجالات السياسة والاقتصاد ومواقع وعمليات صنع القرار؛ كما أن الشابات أقل تمثيلا بشكل أكبر بكثير. وإضافة إلى ذلك يواجهن التمييز والتهميش والعنف القائم على النوع الاجتماعي، وفي المناطق المهمشة تشمل عدم المساواة الحصول على التعليم وفرص القيادة والمشاركة. وفي البلدان التي تواجه صراعات، غالبا ما يتم تمثيل الشباب في جهود بناء السلام بينما لا يكون للنساء مكانٌ على طاولة المفاوضات.
مستوى التدين لدى الشباب يرتبط إلى حد كبير بمواقف محافظة في ما يخص العلاقات الجندرية فآراؤهم لا تشجع على المساواة
وبينما تتزايد الوظائف المتعلقة بالتكنولوجيا في عالم اليوم، يصعب على النساء الشابات التطور في هذا المجال. وفي موازاة ذلك، غالبا ما يفتقر تمثيل النساء في وسائل الإعلام في المنطقة العربية إلى التنوع، حيث يميل إلى تصويرهن أمهات أو مقدمات رعاية متجاهلا إنجازاتهن في مجالات أخرى مثل العلوم والفنون وبناء السلام والرياضة والأعمال التجارية. ويؤدي ذلك إلى غياب نماذج لأدوار إيجابية تُلهم الشابات.
وتقول مي إن “المرأة الفلسطينية تعاني من التمييز الذي تلاقيه من قبل الرجل، فالكثيرون حتى من الجيل الجديد يريدونها فقط للعمل في البيت وإنجاب الأطفال ولا يسمحون لها بالعمل، وهناك أيضا في العمل تمييز في التعامل وفي الأجور لصالح الرجل، ونحن الشباب يجب علينا العمل لتغيير هذا الواقع وتحسين وضعية المرأة”.
وأظهرت دراسة استقصائية دولية بشأن الرجال والمساواة بين الجنسين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أن الشبان يتبنون مواقف غير مُنصِفة شبيهة بتلك التي لدى الرجال الأكبر سنا، مما يؤكّد على أهمية إشراك الشباب ليكونوا حلفاء في تحقيق المساواة بين الجنسين، وفي المقابل يغلب على النساء الأصغر سنا تبنّي مواقف أكثر إنصافا من النساء الأكبر سنا بشأن المساواة بين الجنسين.
وتناولت الدراسة التي أعدتها منظمة “برومندو” وهيئة الأمم المتحدة للمرأة بالتعاون مع شركاء بحثيين محليين، واقع حياة الرجال خلف الأبواب المغلقة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وخاصة في مصر والمغرب ولبنان وفلسطين.
وأوضحت النتائج أنه رغم إبداء الشابات وجهات نظر حول المساواة أكثر إنصافا من تلك التي يتبناها الجيل الأكبر سنا، فإن الشباب لا يبدون بالضرورة وجهات نظر أكثر إنصافا من تلك التي يتبناها الرجال الأكبر سنا.
وأبرزت الدراسة مدى الضغوط الهائلة التي يتعرض لها الرجال في حياتهم، ما ساهم إلى حد كبير في ترسيخ النظرة الرجعية لديهم عن المساواة، ولاسيما مع صعوبة العثور على عمل بأجر والقيام بدورهم الذكوري التقليدي في إعالة الأسرة، في أوقات يشوبها عدم الاستقرار الاقتصادي، وتحديدا في تلك البلدان المتضررة من الصراعات.
قال محمد الناصري، مدير المكتب الإقليمي لهيئة الأمم المتحدة للمرأة في الدول العربية “في ما يخص عملنا في هيئة الأمم المتحدة للمرأة، يشكل هذا التقرير أهمية بالغة كونه أداة نستعين بها في تصميم برامجنا، وممارسة الضغط، وبذل جهودنا للعمل مع الدول الأعضاء، والمجتمع المدني، والمجتمعات المحلية، ورغم ما قد يبدو في النتائج من علامات لا تدعو للتفاؤل إذا ما اقتصر نظرنا على الأرقام فحسب، فإنها تؤكد أن هناك أيضا قصصا حقيقية للمدافعين والمدافعات عن المساواة بين الجنسين، ممن يؤمنون بها إيمانا قويا”.
الدور الأهم
أشارت الدراسة إلى أن الحصول على التعليم يرتبط بوجهات النظر الأكثر إنصافا بشأن النوع الاجتماعي، فالشباب والشابات الأكثر تعليما ذوو الآباء والأمهات الأكثر تعليما والذين كانوا آباؤهم يقومون بمهام تعتبر من نصيب المرأة في المنزل، ظهروا أكثر احتمالا بوجه عام لأن تكون لديهم وجهات نظر منصفة للمرأة والمساواة بين الجنسين.
وفي ما يتعلق بدور المرأة، رأى 80 في المئة من الشباب أن الدور الأهم لها هو العناية بالمنزل ورعاية الأطفال، مقابل 60 في المئة من النساء، في حين أن الشباب الأكثر ثراء أو تعليما يتبعون سلوكيات أكثر إنصافا عادة، مع عدم وجود فروق في السلوكيات المتعلقة بالنوع الاجتماعي بين الرجال الأصغر أو الأكبر سنا.
ويبدي الشباب الأقل تعليما معارضة للمساواة بين الجنسين، حتى أنهم يشعرون بالقلق من تحقيقها في المجتمع، إلى درجة أن أحد الشباب وهو في العشرينات من عمره من المغرب يقول “لكي أكون صادقا من النادر العثور على رجل حقيقي، لقد فقد الرجال ذكورتهم في أعقاب هذه القوانين الجديدة التي تعطي المزيد من المزايا والحريات للنساء”.
إلى جانب وجود أدلة عديدة من الدراسات تبين أنه بالتزامن مع ارتفاع مستوى التديّن لدى الشباب المغاربي اليوم مقارنة بالشباب في السبعينات والثمانينات، فإن شباب اليوم يظهرون مواقف محافظة في ما يخص العلاقات الجندرية فآراؤهم لا تشجع على مشاركة متساوية للنساء والرجال في المجتمع، وهذا أمر جديد مقارنة بفترة الستينات والسبعينات، حيث كانت تسود نظرة ليبرالية تؤمن بالمساواة لدى الشبان في ما يخص العلاقات الجندرية.
وكما تظهر مختلف استطلاعات الرأي التي مست الشباب منذ بداية التسعينات، تميّزت مواقف الشبان في الستينات بتوجهات نحو المساواة وعصرية واضحة، لكن هذه التوجهات الليبرالية تراجعت اليوم وبرزت توجهات معادية لحقوق النساء في أوساط الشباب تعارض الاختلاط بين الجنسين وتؤيد تعدد الزوجات.
وقال جاري باركر، الرئيس والمدير التنفيذي لمنظمة “برومندو” “لا يزال الطريق طويلا أمام الرجال كي يقبلوا ويؤيدوا بصورة كاملة مساواة المرأة بالرجل في المنطقة العربية، كما هو الحال في أنحاء كثيرة حول العالم”.
ويؤكد خبراء الاجتماع أنه يجب أن تعثر البرامج والسياسات التي تدعم تمكين المرأة وحقوقها على منهجيات مناسبة لتعزيز معايير المساواة، وتشمل المنهجيات التي تدعو الشباب وتحثهم ليكونوا حلفاء في السعي إلى المزيد من المساواة بين الجنسين، فقد وجد استطلاع للرأي حول السياسات الرامية إلى المشاركة مع الشباب في مؤسسات الحكم العامة في المنطقة أن مفاهيم واعتبارات النوع الاجتماعي غائبة تماما عن هذه السياسات.
وأضافوا أنه يمكن أن يمثل الشباب في المنطقة عوامل التغيير الإيجابي في مجتمعاتهم المحلية إذا منحوا فرصا متساوية للتنمية والنمو.
ويجب أن تدفع البرامج الحكومية الشباب للتفكير بشكل نقدي في تعريفهم لما يعني أن يكونوا “رجالا حقيقيين” وأن يعيدوا التفكير في هذا التعريف، من خلال النقاشات المفتوحة المباشرة والصريحة التي تتضمن مناهج متباينة تقر بتفرد الشبان والشابات.
ويسعى برنامج الرجال والنساء من أجل المساواة بين الجنسين في المكتب الإقليمي لهيئة الأمم المتحدة للمرأة للدول العربية، بتمويل من الوكالة السويدية للتعاون الإنمائي الدولي (سيدا)، إلى تحسين فهم الأسباب الجذرية لعدم المساواة بين الجنسين في الدول العربية، ومعالجتها من خلال نهج من القاعدة إلى القمة، بما في ذلك من خلال إشراك الرجال والفتيان في تحقيق المساواة بين الجنسين.
"لأني رجل"

الشباب الأكثر ثراء أو تعليما يتبعون سلوكيات أكثر إنصافا عادة ولا فرق بين الرجال الأصغر أو الأكبر سنا
انطلقت المرحلة الثانية من الحملة الإقليمية “لأني رجل” في أغسطس الماضي، وشملت عدة دول عربية مثل فلسطين ومصر وتهدف إلى تغيير القوالب النمطية السلبية المتصلة بأدوار الجنسين في المنزل وأماكن العمل، وتعزيز الحقائق الإيجابية بالأدوار والمسؤوليات المشتركة للأسرة، والأبوة، والعنف ضد المرأة، وتمكينها في سوق العمل، وغيرها.
وشارك اللاعب المصري نجم ليفربول محمد صلاح في الحملة ونشر فيديو لدعم الحملة على حساباته بمواقع التواصل الاجتماعي، وقال في تغريدة “أني راجل فاهم إن الراجل والست ليهم نفس الحقوق والواجبات، قررت أدعم حملة لأني رجل التابعة للمجلس القومي للمرأة وهيئة الأمم المتحدة للمرأة”.
وتطوعت مجموعة من الشباب المصري للمشاركة في الحملة للتوعية المجتمعية لمواجهة الظواهر السلبية والتي منها ارتفاع نسب الطلاق والعنف الأسري، كما يحثون الشباب ليكونوا المحرك والداعم للمرأة المصرية.
وقال محمد الناصري إن “‘حملة لأني رجل’ لا تسعى لإلغاء أصوات النساء الهامة، ولكنها تسعى إلى توفير مساحة أكبر للانخراط في حوار حول الأعراف المتعلقة بالنوع الاجتماعي، والارتقاء بنا إلى مجتمع أكثر مساواة في نهاية المطاف، حيث يحظى الرجال والنساء والفتيات والفتيان بفرص ومسؤوليات متساوية داخل وخارج المنزل”.