الشباب العرب لا يملكون ثقافة التعامل مع الحياة الزوجية

مراكز إعداد وتأهيل الشباب للزواج تقلّص نسب الطلاق في العام الأول بنسبة كبيرة.
الأحد 2021/10/31
قرار الزواج بالنسبة إلى الشباب يعني عالما من المسؤوليات والواجبات

يؤكد خبراء الاجتماع أن الشباب المقبلين على الزواج بحاجة إلى برامج تثقيفية وتأهيل للتعامل مع الحياة الزوجية، لتفادي الطلاق الذي بات ظاهرة لافتة خلال السنة الأولى للزواج، لعدم قدرتهم على إيجاد حلول للإشكاليات عن طريق الحوار والتفاهم.

القاهرة - يميل الشباب المتزوجون حديثا إلى اتخاذ قرار الطلاق خلال السنة الأولى للزواج، عند مواجهة أقل المشكلات بشكل ملحوظ، في دليل على عدم التوعية الكافية للشباب بمسؤولية الزواج والتعامل مع الاختلافات بين الطرفين، وغياب الثقافة الزوجية لدى جيل اليوم.

وأصبح الانفصال أول الحلول التي يلجأ إليها الشباب للتعامل مع المشكلات الزوجية، ويرى المتخصصون الاجتماعيون أن قرار الزواج الذي يتخذه الشاب أو الفتاة يجب أن يكون مدروسا وليس لمجرد التجربة، أو هو قرار متسرّع يجعل الارتباط مع الشريك معرّضا للنجاح أو الفشل، لذلك فإن الشباب المقبلين على الزواج بحاجة إلى برامج تثقيفية في هذا المجال، يجعلهم قادرين على إيجاد حلول للإشكاليات بينهم عن طريق الحوار والتفاهم.

ويعدّ العام الأول في رحلة الحياة الزوجية، المحطة الأصعب حيث تشير الدراسات إلى حدوث حالات الطلاق بكثرة، وذلك لأن اكتشاف عادات الطرف الآخر يكون مفاجئا لدى البعض، وتفشل محاولات التأقلم على التغيير الحاصل في حياة الزوجين والخلفية الثقافية والاجتماعية التي أتى منها كل الطرف، في غياب القدرة على البحث عن نقاط للالتقاء بينهما.

أغلب الأجيال الجديدة ليس لديها توازن انفعالي أو تحمل لمسؤوليات الحياة، نتيجة توفير الأهل لكل طلباتهم

وبحسب المختصين فإن أبرز الأسباب لانتشار الطلاق بين الشباب المتزوجين حديثا، عدم التوجيه وعدم التكافؤ، والاتكالية، وعدم إحساس الشاب بمسؤوليته تجاه أسرته الجديدة.

وكشف الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء المصري في تقرير حديث ارتفاع نسب الطلاق في مصر بشكل غير مسبوق في الآونة الأخيرة.

وأكد خبراء اجتماع أن السرعة في اختيار شريك الحياة من أهم أسباب ارتفاع معدلات الطلاق، وتتزايد بسبب الظروف الاقتصادية وغلاء الأسعار، وتغيّر العائلات عمّا كان موجودا في الماضي، وغياب الطريقة الصحيحة لتربية الأبناء، كما تشارك مواقع التواصل الاجتماعي في زيادة معدلات الطلاق لما تسببه من مشكلات.

ومن أهم أسباب زيادة نسب الطلاق أيضا، ارتفاع أعباء الزواج بحيث تكون الديون هي الطريقة لإكمال الزواج وينتهي الأمر إلى تراكم الديون والعجز عن سدادها ما يخلق مشكلات كثيرة بين الأزواج ويتم الانفصال، حيث لا يجد الشباب مصادر دخل مناسبة ويكون الانفصال هو الحلّ بالنسبة إلى الطرفين.

وكثيرا ما يتداول الناس نكاتا ساخرة حول سرعة الطلاق، بسبب ديون حفلات الأعراس قبل سدادها حتى.

كما أن سوء اختيار شريك الحياة وعدم وجود توافق في الفكر والميول والعمر والاتجاهات والطبقة الاجتماعية والتعليم، يؤديان إلى حدوث تصادم بعد الزواج ليزيد بهذا نسب الطلاق.

وأكد الدكتور وليد هندي استشاري الصحة النفسية أن 65 في المئة من حالات الطلاق تكون في السنة الأولى من الزواج، ومن بين الأسباب تدخّل الأهل حيث إن هناك حالات طلاق ما بين 28 إلى 32 في المئة سببها تحكم أهل الزوج في كل أمور الحياة.

إشباع غريزة

باب يفتح على مسؤوليات كثيرة
باب يفتح على مسؤوليات كثيرة

أضاف هندي أنه بسبب عدم الفهم الصحيح للزواج ومعنى العائلة فمعظم من يتزوجون يكون السبب الأساسي لديهم إشباع غريزة أو عاطفة أو واجهة اجتماعية، وبمجرد أن يتم الزواج يحدث صراع القوة في السنة الأولى وكل فرد يريد أن يفرض سيطرته على الآخر دون استيعاب له.

ولفت إلى أن أغلب الأجيال الجديدة ليس لديها توازن انفعالي أو تحمّل لمسؤوليات الحياة، نتيجة إتاحة الأهل كل طلباتهم.

وذكر هندي أن الإدمان من أهم أسباب الطلاق المبكر، إضافة إلى الخيانة عبر الإنترنت، فضلا عن عدم الوضوح في المفاهيم التي تؤدي إلى الطلاق قبل الزواج مثل عمل الزوجة والتحكم في راتبها وعلاقتها.

ويؤكد الخبراء أن المجتمع في حاجة ملحة إلى مراكز إعداد وتأهيل الشباب المقبلين على الزواج حيث إنها ستجعل الشباب يقبل على الزواج وهو مؤهل بشكل جيد للحياة الجديدة، ويعرف كيفية التعامل مع الطرف الثاني كما أنها ستساعد الشباب على معرفة طرق حل المشكلات الزوجية بطريقة سليمة ومتقدمة.

تعميم برامج تأهيل الشباب قبل الزواج والتوسع في تنفيذها ترفع مستوى الوعي بمنظومة الحقوق والواجبات الزوجية

وقالت الدكتورة نبيلة سامي المتخصصة في علم الاجتماع، “إن تطبيق كورسات لتأهيل الشباب المقبل على الزواج، أمر في غاية الأهمية، ويجب أن يتضمن توعية الشباب بدور الأسرة”.

وطالبت سامي بضرورة وجود برامج بالمدارس والجامعات، لتوعية الشباب بكافة الأمور الحياتية التي من خلالها يستطيعون تكوين الأسر، مؤكدة على أهمية أن يراعي الشباب أنهم قدوة لأبنائهم.

ويضم الكثير من خبراء الاجتماع أصواتهم إلى صوت سامي، ويطالبون بضرورة تعميم برامج تأهيل الشباب قبل الزواج والتوسع في تنفيذها، من أجل تقليل نسبة الطلاق في المجتمع العربي، كما حدث في دول أخرى، وعلى سبيل المثال ما طبقته ماليزيا عندما ارتفعت معدلات الطلاق إلى 32 في المئة، حيث اشترطوا على الشبان والشابات قبل الزواج الحصول على رخصة زواج، عن طريق مراكز التأهيل للزواج لمدة ستة أشهر وبعدها يحصلون على الرخصة، وهذا الإجراء أدى إلى انخفاض معدلات الطلاق إلى 8 في المئة خلال  سنوات فقط.

ومن المهم قياس نسبة التوافق بين الطرفين المقبلين على الزواج من الناحية النفسية، والتأكد من وصول الطرفين إلى النضج الكافي لتحمل تبعات الزواج ومسؤولياته والقدرة على رعاية الأسرة، وذلك قبل اتخاذ قرار الزواج.

واتجهت الكثير من المؤسسات الاجتماعية إلى تنفيذ الورشات والدورات التأهيلية للمقبلين على الزواج وكانت النتائج إيجابية، فحسب أرقام وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية السعودية لم تتجاوز نسب الطلاق بين المشاركين في الزواج الجماعي والمراكز الاجتماعية ببعض المدن 1 إلى 2 في المئة.

وأثبتت دراسة أكاديمية عن “برنامج الإرشاد الأسري بمركز التنمية الأسرية بالإحساء” في السعودية، من إعداد الباحث إبراهيم بن فهد الحربي، أن نسبة 96.4 في المئة من عينة الدراسة تؤكد أهمية الدورات التدريبية للتأهيل قبل الزواج؛ لارتباطها بإعداد الشباب قبل هذه المرحلة المهمة من حياتهم، ولما تحققه من تزويدهم بالمعلومات الجديدة والمتنوعة.

ويرى مختصون ضرورة ألا يقتصر دور التأهيل على الورشات والدورات التدريبية، بل يجب أن تساهم أجهزة الإعلام والمؤسسات الدينية مثل وزارات الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، والثقافة، والإعلام، بنشر التوعية والتنوير وكل ما يساعد الشباب على بدء الحياة الزوجية بأسس صحيحة وتفهم للطرف الآخر، إضافة إلى الأضرار الناجمة عن الطلاق.

وعملت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية على اختيار نخبة من المختصين، وتجمع البرامج التدريبية التي أعدتها الوزارة بخمسة جوانب وهي الجانب الشرعي، الاجتماعي، النفسي، الصحي والاقتصادي، ومع العمل المستمر على تطوير هذه البرامج عبر حلقات نقاش متخصصة تعيد النظر فيها بكل موضوعية.

إجراء وقائي

أرباح وديون تخصم من الحياة الزوجية
أرباح وديون تخصم من الحياة الزوجية

أظهرت الدراسات الخاصة بتأهيل المقبلين والمقبلات على الزواج نتائج مميزة لهذه البرامج وتحقيق عدد من الأهداف، وهي السعادة الزوجية وبناء أسرة آمنة مطمئنة، والحد من حالات الطلاق، وزيادة الوعي بشؤون الحياة الزوجية، وتحقيق الأمن الأسري والوطني، ونشر الخير والألفة والمحبة في المجتمع بشكل عام وبين الزوجين بشكل خاص، والحد من حالات العنف الأسري والجريمة في المجتمع، وحمايته من التفكك والقطيعة والهجران.

ولمواجهة الارتفاع المستمر في معدلات الطلاق في الأردن، خصصت دائرة قاضي القضاة دورات للمقبلين على الزواج، بهدف المحافظة على استمراريته عبر توعية الشباب وتأهيلهم.

ويعتبر البرنامج إجراء وقائيّا وتوعويّا ليحافظ على كينونة الأسرة، خصوصا وأن حالات الطلاق ترتفع في الأردن بسبب الزواج المبكر والأوضاع الاقتصادية وغياب الوعي بمتطلبات الزواج النفسية والمادية.

ووفقا لوكالة الأنباء الأردنية “بترا” قال قاضي القضاة الشيخ عبدالكريم الخصاونة “إن البرنامج الذي أعدته الدائرة يتضمن محاور شرعية وقانونية ونفسية واجتماعية ومالية وصحية، بهدف رفع مستوى الوعي بمنظومة الحقوق والواجبات الزوجية، وإكساب المشتركين بالبرنامج مهارات التواصل الأسري الفعّال داخل الأسرة، وتمكينهم من التعامل معها بالشكل الصحيح، وتعريف المشاركين بمبادئ ووسائل تحقيق المودّة والرحمة بين الزوجين التي تعدّ أساسا في العلاقة الأسرية”.

إلزامية التأهيل

لا بد من رفع مستوى الوعي بمنظومة الحقوق والواجبات الزوجية

أشار رئيس مكتب الإصلاح والتأهيل الأسري في دائرة قاضي القضاة زيد إبراهيم الكيلاني، إلى أن الجديد في نية الدائرة هو إلزامية هذه الدورات، خصوصا وأن عقد الزواج له آثار وحقوق وتبعات قانونية لا بد للمقبلين على الزواج من معرفتها.

وأوضح أن الشباب المقبلين على الزواج بحاجة إلى معرفة المعلومات حول الزواج لحسن تنظيمه، وإلى ثقافة أسرية تضمن سعادة الأسرة وهو ما تسعى دائرة قاضي القضاة إلى القيام به، ومن الضروري لكل من ينوي الزواج أن يشارك في هذه الدورة.

وأكد على أهمية الإرشادات الطبية والنفسية في تحسين الصحة الإنجابية، حيث تتضمن الدورات أسس اختيار الزوج والزوجة وتنظيم الإنجاب، أما عن الإرشاد النفسي والاجتماعي فيشمل تهيئة الشباب من الجنسين للحياة الجديدة وتدريبهم عمليا على حل الإشكالات الزوجية وعلى التعامل مع ضغوط الحياة الزوجية.

وتعتبر نسب الطلاق دليلا بالفعل على مشكلة حقيقية لدى الشباب في شروط اختيار الشريك وتؤكد أيضا ضرورة معرفة معلومات كثيرة عن الزواج قبل دخول عالم فيه من المسؤوليات والواجبات ما تختلط أسسه على الكثيرات والكثيرين.

وتشمل هذه الدورات إجباريا المتقدمين لمعاملات الزواج ممن هم دون سن 18 عاما، في محافظات العاصمة والزرقاء وإربد ومدينة الرصيفة، كشرط لمنح الإذن بالزواج، وإذا كان أحد طرفي عقد الزواج دون سن 18 عاما، على الطرف الآخر في العقد بغض النظر عن عمره أخذ هذه الدورة إجباريا كشرط من تعليمات منح الإذن بالزواج لمن هم دون سن 18 عاما.

وتحمس الكثير من الشباب لإلزامية هذا القرار، فيما وجد آخرون بأن هذه الدورات عبء إضافي للمقبلين على الزواج، وجهد غير كاف لتحقيق الهدف منها في عدة دروس تعطى من أجل إتمام عقد الزواج.

وقال الشاب خالد، أحد المشاركين في البرنامج التأهيلي، إن سبب مشاركته هو العمل على بناء أسرة على أسس سليمة وصحيحة، ومعرفة الحقوق الزوجية والقضائية المتعلقة بالموضوع.

وأشار إلى أنه تشجع على ارتياد البرنامج بسبب تشجيع الأسرة والأصدقاء، لافتا إلى أن “ارتفاع نسب الطلاق في المجتمع يعود إلى عدم الدراية الواسعة والثقافة في شؤون الزواج وتكوين الأسرة بشكل رئيسي”.

وحثّ خالد بدوره المقبلين على الزواج على الاشتراك في هكذا برامج ودورات، لما فيها من فائدة وقيمة ثقافية عالية، من أجل الوصول إلى تكوين أسرة سعيدة ومثقفة.

ويرى ناشطون متحمسون للبرنامج التأهيلي أنه في الأساس إجراء وقائي لا ينتظر منه تحقيق السعادة كما يفهمها الشباب، حيث إن الترابط والاستقرار العائلي من أهم مقومات السعادة التي يضمنها الزواج الناجح.

16