السينما تمنح المساجين فرصة الإبداع في تونس

ثلاثة سجناء يغادرون زنزاناتهم لتغطية مهرجان قرطاج السينمائي وإنتاج فيلم وثائقي.
الثلاثاء 2021/11/09
نعيش الحلمة

هل يمكن إعادة المساجين إلى حياتهم فيكونون عناصر إيجابية في المجتمع؟ الدراسات تدعم هذه الفكرة، أمّا مبادرة إشراك السجناء في فعاليات مهرجان قرطاج السينمائي، فقد أثبتت أنه بالإمكان أن نجعل من المساجين مبدعين وفنانين.

تونس - يعتبر السجين الملقب “النمس” أن “لا شيء أجمل من أن يكون المرء حرا ولو لبعض الوقت”، بعدما حصل على إذن بـ”الهروب” من سجنه التونسي لبضعة أيّام لتصوير مقاطع لفيلم وثائقي في “مهرجان قرطاج السينمائي الدولي”.

للمرة الأولى في تونس، غادر ثلاثة سجناء زنزاناتهم من دون قيود وتحت رقابة غير ظاهرة للشرطة، لتغطية المهرجان وإنتاج هذا الفيلم الوثائقي الذي عُرض السبت خلال اختتام الدورة الثانية والثلاثين لهذا اللقاء الثقافي المهم في تونس.

وقال أحد السجناء في تعليق صوتي في الفيلم الوثائقي “هنا اكتشفنا قيمة الحياة، قيمة الفن وقيمة الحرية”.

تنقل السجناء طوال أسبوع المهرجان في قاعات العرض، وأجروا حوارات بالفيديو مع الجمهور، والتقطوا مقاطع خلال عرض فيلم لنحو أربعين مراهقا جاؤوا من خمسة مراكز لإعادة تأهيل القصّر المنحرفين في تونس.

وجاءت مبادرة إشراك السجناء في هذه التظاهرة من إدارة المهرجان بالشراكة مع “المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب” وإدارة السجون والإصلاح في البلاد.

وكشف المكلف بالبرامج الثقافية والرياضية بالإدارة العامة للسجون والإصلاح طارق الفاني، أن اختيار المساجين استند على “السلوك السوّي والموهبة” في عملية الإنتاج السمعي البصري.

كذلك تلقى المساجين تدريبا لمدة ثمانية أشهر داخل سجنهم في محافظة المهدية (شرق) على عملية إنتاج الأفلام، في إطار أنشطة النوادي الثقافية في هذا المكان الذي يعدّ من أكبر المراكز السجنية في البلاد.

وانبهر “النمس” بما شاهده في هذا العالم الجديد بالنسبة إليه، وبدا فرِحا “بالخروج من السجن والمشاركة في تظاهرة ثقافية” خلال تصويره مقاطع فيديو للوثائقي.

ويتابع هذا السجين، وعمره 30 عاما قضى عشر سنوات منها وراء القضبان، “أتساءل كيف سأعود إلى السجن بعدما عشت لحظات السعادة هذه”.

ويعكف على تعديل الكاميرا واختيار زوايا لالتقاط الصور، وهو يكتشف للمرة الأولى المبنى الكبير “لمدينة الثقافة” الذي شُيّد في العام 2018.

يشاركه في ذلك سجين آخر ثلاثيني يرتدي سروال جينز وحذاء رياضيا.

أيام قرطاج السينمائية تمنح السجناء حياة عادية
أيام قرطاج السينمائية تمنح السجناء حياة عادية

وأوقفت قوات الأمن هذا الطالب السابق في اختصاص الهندسة المعمارية في نوفمبر 2016 بتهمة المخدرات، وكان حينها خارجا لتوّه من قاعة عروض أفلام في دورة سابقة لأيام قرطاج السينمائية.

ويعلّق مبتسما “الظاهر أن اللحظات القوية في حياتي مرتبطة بأيام قرطاج السينمائية”، مضيفا “يمنحنا هذا الخروج انطباعا بحياة عادية”.

أما السجين الثالث، وعمره 40 عاما قضى خمس سنوات منها في السجن، فيرى أن هذه التجربة تحولت إلى مشروع حياة وحفّزته على التفكير في إنشاء شركة للإنتاج السمعي والبصري عندما يغادر السجن بعد سنتين.

ويقول “منذ أن دخلت النادي لمتابعة التدريب قبل أن أكون مؤطرا، قلّت الضغوط النفسية وأصبحت لديّ أهداف أريد بلوغها وهذا الأمر يجعلني أشعر بالحرية حتى بين جدران السجن”.

ويؤكد أن التدريب الذي تابعه “كان له تأثير إيجابي كبير على سلوك المساجين”، آملا في “أن تُعمّم  هذه التجربة على كل المؤسسات السجنية والإصلاحية”.

ويرى أن ذلك يدخل في إطار “يتيح تطوير العلاقة الإيجابية بين موظفي السجن والمساجين”.

ويعتبر الفاني أيضا أنها “وسيلة مهمة للإصلاح وتُمكّن من تحسين ظروف السجن”.

وتوجد في تونس 28 مؤسسة سجنية تضم نحو 24 ألف سجين، بحسب المنظمة العالمية للوقاية من التعذيب.

وتمكّن المساجين في تونس للدورة السابعة تواليا من مشاهدة عروض أفلام داخل السجون خلال تظاهرة أيام قرطاج السينمائية، وأفاد هذا العام 14 ألف سجين من هذه المبادرة.

وتشرح المسؤولة عن المنظمة العالمية للوقاية من التعذيب غابرييل ريتير، أن الهدف هو “إشراكهم في نشاط ممتع حقا. تونس بأكملها تكون سعيدة بأيام قرطاج السينمائية، والأمر نفسه ينطلق على السجن”.

20