السياحة في إيطاليا تنتظر التعافي

روما تتطلع لعودة قريبة للسياح بعد فترة الإغلاق وسط تطمينات حكومية بأن المشكلة "نفسية" لا أكثر.
الأحد 2020/08/16
جرعة أمل

روما - وسط إشراقة شمس الصباح، يفتح أحد الموظفين البوابات المؤدية إلى مكتب الاستعلامات السياحي التابع للمدرج الروماني (الكولوسيوم)، وذلك قبيل يوم يبدو أنه مثالي لاستكشاف هذا الموقع الأثري الشهير بروما.

ومع ذلك لا يبدو للعيان تقريبا أي شخص في المكان، ولا في الميدان الكائن أمام المكتب السياحي ولا في الشارع المؤدي إلى المسرح الدائري المكشوف.

يقول أوليفر كراوشار وهو ممثل من برلين “روما رائعة الآن، بل هي أكثر من رائعة وهي خالية من الزوار”، وكراوشار أحد السياح القلائل الذين زاروا روما خلال هذا الصيف الذي ساده الصفاء، وإن كان حافلا بالمتاعب.

وغيرت جائحة كورونا العالم، بما في ذلك مكانة روما كمنطقة جذب ساحرة للسياح، وبوسع الزوار الذين يأتون إليها في هذا التوقيت وكذلك السكان المحليين، أن يستمتعوا الآن بالشوارع والميادين الخالية التي تذكرنا بالصور الفوتوغرافية التي التقطت لها في الخمسينات من القرن الماضي.

وبعد إنهاء إغلاق الأنشطة بسبب الجائحة تم فتح المدينة أمام حركة السياحة منذ الثالث من يونيو الماضي، ومع ذلك لا تزال روما بعيدة عن مشاهدة أفواج السياح الجماعية التي كانت معهودة خلال أشهر الصيف السابقة.وعلى سبيل المثال جاء إلى روما 20 مليون سائح عام 2019، ولا أحد يعلم ماذا سيكون الرقم في عام 2020، ويقول كراوشار، إن “سعر الفنادق منخفض كثيرا عن المعتاد”، ويحمل هذا السائح الألماني حقيبة الظهر الخاصة به، مصطحبا زوجته وابنه البالغ من العمر تسع سنوات وابنته ذات الـ6 سنوات.

وهو يرى أن هذه الفترة تعدّ فرصة ليغرق نفسه وأسرته في الاستمتاع بالفن وروائع المعالم التاريخية، وزاروا بالفعل الفاتيكان، وحجزوا تذاكر لمشاهدة أطلال “المحفل الروماني”، الكائن في المنطقة التاريخية من روما وكان موقعا لممارسة أنشطة دينية وسياسية واجتماعية مهمة منذ 500 عام قبل الميلاد.

ويؤكد كراوشار أنه وأسرته “يلتزمون بالإجراءات الصحية الاحترازية”.

ويبدو كراوشار وأسرته كنموذج لباقي السياح القادمين إلى روما حاليا، فالأسر بصحبة أطفالها سواء من داخل إيطاليا أو من خارجها تستكشف معالم المدينة بيسر، كما يمكن رؤية الشباب الشغوفين بالاستكشاف وهم يسيرون في جماعات عند ساحة “كامبو دي فيوري” الشهيرة والتي يطلق عليها اسم “بستان الزهور”.

20 مليون سائح جاؤوا إلى روما عام 2019 لكن لا أحد يعلم ماذا سيكون الرقم في عام 2020
20 مليون سائح جاؤوا إلى روما عام 2019 لكن لا أحد يعلم ماذا سيكون الرقم في عام 2020

غير أنه من بين المشاهد التي اختفت من المدينة الحافلات المكتظة بالسياح، وأيضا مجموعات الزوار من كبار السن الذين يقومون بجولات سياحية يرافقهم خلالها مرشدون سياحيون، وأيضا المجموعات السياحية كبيرة العدد القادمة من آسيا والولايات المتحدة.

وجميع من يرغبون في السفر يدركون جيدا أن الجائحة ضربت إيطاليا بشدة، ولذلك فضل الكثير من الألمان أن يتوجهوا بدلا منها إلى ولاية بافاريا أو إلى الشواطئ الألمانية.

ويرى مجلس مدينة روما أن الأمر ليس سوى “مشكلة نفسية”، وعلى الرغم من أن الجائحة لم تضرب روما بدرجة كبيرة، وبالرغم من أن أعداد الإصابات بالفايروس في مختلف أنحاء إيطاليا أقل من مثيلاتها في ألمانيا، فإن قطاع السياحة الإيطالي ما زال ينتظر التعافي.

وبالإضافة إلى ذلك فإن أيّ شخص قادم من الصين أو اليابان أو الولايات المتحدة وأيضا من دول كثيرة، يتعين عليه أن يعزل نفسه ذاتيا أولا لمدة أسبوعين، ويمكن لأولئك الذين أنهوا فترة العزل التوجه إلى نافورة الأمنيات “تريفي فاونتن” وإبداء إعجابهم عن قرب بالجمال المعماري للنافورة التي يرجع تاريخها إلى القرن الثامن عشر، والتي عادة ما تكون مزدحمة بالزوار طيلة الوقت.

ويجد الزائر الآن في حالة توجهه إلى شوارع التسوق المحيطة بساحة “بيازا نافونا” تخفيضات كبيرة في الأسعار تعرضها المتاجر، تصل إلى ما نسبته 70 في المئة، سواء في ما يتعلق بالملابس التي يتمّ إنتاجها بشكل تجاري بالجملة، أو التي تحمل علامات تجارية شهيرة وتكون عادة باهظة الثمن، كما تتاح المساومة على أسعار أحدث مجموعات الأزياء، وتظهر المتاجر الخالية من الزبائن عمق المشكلات التي تواجهها المدينة.

وتمثل السياحة ما يصل إلى 13 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الإيطالي، وهي نسبة توضح مدى خطورة الصمت الذي يطبق على العاصمة الإيطالية من جراء خلوها من السياح.

وبلغ عدد الزوار الذين نزلوا في فنادق ونزل روما 6300 شخص فقط خلال شهر يونيو 2020، مما يمثل تراجعا بنسبة 99 في المئة مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي حيث بلغ عدد السياح 773 ألفا. ويقول متحدث باسم رابطة الفنادق بروما، واصفا الوضع بعد مرور شهر أي في يوليو 2020، “إنه من بين 1200 مكان لإقامة السائحين لا يوجد سوى نحو 200 مكان مفتوح”.

كما يصف ماركو الذي يعمل في مطعم صغير يحمل اسم “لا لوكاندا رومانا” الوضع بقوله “إنها لكارثة، فساحة بياتسا خاوية، والأجانب لا يأتون، ولا نعلم ماذا نفعل”.

وذكرت أيضا فيرجينيا راجي عمدة مدينة روما التي تنتمي إلى حركة “خمس نجوم” المعارضة للمؤسسات، أن السياحة يجب أن تشجع سكان روما وإيطاليا على “إعادة استكشاف أعاجيب روما”، وقالت إن روما القديمة بحاجة إلى استراتيجية جديدة لجذب نوعية جديدة من “السياحة ذات المستوى الراقي”.

غير أنها تعلم أن روما الملقبة بالمدينة الخالدة لا تستطيع أن تواصل نشاطها اعتمادا على السياحة الداخلية وحدها، أو على زيارة بعض الأسر مثل أسرة كراوشار، بل ثمة حاجة إلى أفكار جديدة لإنعاش السياحة وسط هذه الأزمة.

16