السمعة السيئة لتصورات الحكومة المصرية

الحكومة المصرية جربت الكثير من الأساليب بغرض تخفيف حدة الأزمة الاقتصادية ولم تنجح في ذلك، حتى وصلت إلى آخر طريقة ممكنة للعلاج وهي "الكي" أي الاتجاه نحو خصخصة مؤسسات حكومية.
الجمعة 2023/01/06
الحكومة عجزت عن إيجاد حل للأزمة الاقتصادية الصعبة

عندما تفقد أي حكومة في أي دولة سمعتها أو شرفها السياسي أمام المواطنين لن تستطيع تمرير تصوراتها مهما بلغت إيجابياتها وارتفعت أهميتها، وهو ما تعاني منه الحكومة المصرية حاليا في وقت بالغ الصعوبة الاقتصادية مطلوب فيه أن تتخذ خطوات جريئة كي تعبر من عنق الزجاجة، كما يقول المثل الشعبي الدارج.

يحتاج العبور من الزجاجة أو من عنقها فقط مجموعة من الإجراءات الشجاعة من قبل القيادة السياسية وتبني قرارات تحظى بتأييد كبير من المواطنين لأن الأزمة صعبة، وما لم تتوافر للإجراءات والقرارات شعبية سيتعذر تخطي المرحلة الحرجة.

خسرت الحكومة المصرية جزءا من رصيدها الشعبي بسبب تضارب سياساتها وتناقض مواقفها الاقتصادية وعدم تواضعها، وخسرت أكثر لأن ذلك هز الثقة بها، وهي عمود الخيمة الذي يمكن الاستناد عليه وقت الأزمات المحتدمة، والتصقت بغالبية الخطوات الكبيرة التي تقوم بها بغرض الإصلاح سمعة سيئة على المستوى الشعبي، أو على الأقل مشكوك في قدرتها على تصحيح الأوضاع المختلة.

◙ الأمور لن تستقيم أو تحقق المردودات المرجوة منها ما لم تتغير الصورة السلبية التي ألصقت بغالبية القرارات الاقتصادية وجرى اتخاذها في عهد النظام الحالي

لو أعلنت الحكومة عزمها على بيع مصنع للأحذية في منطقة نائية سيتم تحميله تأويلا سلبيا والحديث عنه كأن هناك مؤامرة ضد جميع مصانع الأحذية لصالح شخص أو جهة خارجية، وهي إشارة تدل ببلاغة على تدني مستوى الثقة بالحكومة المصرية.

المشكلة أنها لا تستفيد من أخطائها وتصمم على تكرارها وتعتمد سياسة الغموض الهدّام، فقد تتخذ قرارات مصيرية وتشرع في تنفيذها وتعلن عنها في اللحظات الأخيرة أو يتم الكشف عنها فجأة، وفي كل مرة تقدم على تحرك من هذا النوع في مجال معين يأتي المردود غاضبا، ومع ذلك تصر على إعادة إنتاج خططها في مجالات أخرى.

جربت الحكومة الكثير من الأساليب بغرض تخفيف حدة الأزمة الاقتصادية ولم تنجح في ذلك، حتى وصلت إلى آخر طريقة ممكنة للعلاج وهي “الكي”، أي الاتجاه نحو خصخصة مؤسسات حكومية والإعلان عن بيع بعض الشركات التابعة للجيش.

تمثل هذه المنطقة الرمادية واحدة من الأدوات المزعجة للنظام الحاكم، خاصة عندما تقترب من مؤسسات حيوية وشركات رابحة، إذ تبدو الحكومة كأنها تقترب من “قدس الأقداس” أو المنطقة المحرمة لدى شريحة من المصريين المتمسكين بتقاليد الفراعنة.

يصعب الاقتراب من “قدس الأقداس” والثقة مهزوزة وربما منعدمة في الحكومة، والسمعة في حاجة إلى خطة طويلة لترميمها، لأن خيار إقالتها قد لا يجدي نفعا مع كل تأخير في اتخاذ هذا القرار، حيث تتصاعد طموحات البعض من المصريين، وقد تصل إلى ذروتها في المطالبة برحيل النظام الحاكم نفسه باعتباره المسؤول سياسيا عن تبعات وتداعيات وأضرار القرارات الاقتصادية التي اتخذتها الحكومة الحالية.

لا أحد يشكك في نوايا الحكومة ورغبتها في تبني إصلاحات اقتصادية منتجة، لكن الطريقة التي تصاغ بها القرارات والإجراءات خلقت انطباعات قاتمة عنها، وكل الخطوات التي أقدمت عليها من أجل تصحيح الأوضاع لم تتوافر لها قاعدة شعبية متينة، لأنها استهلكت كل أو جزءا كبيرا من رصيدها.

◙ التأخير في تصحيح المسارات الاقتصادية يقود إلى رفع سقف التطلعات السياسية بصورة ربما لا تجدي معها مسكنات

أعلنت الحكومة عن تكوين صندوق خاص لاستثمار الفائض المالي في الشركات التابعة لهيئة قناة السويس كخطوة يمكن أن تكون لها فوائد اقتصادية عظيمة، غير أن الطريقة التي جرى الاعتماد عليها لتمرير مشروع قانون يخوّل للصندوق الجديد ممارسة عمله بشكل قانوني أدت إلى التشكيك فيه، وفشلت كل محاولات المسؤولين لتوضيح الأمر وتأكيد جدواه الاقتصادية في تليين المواقف الشعبية الرافضة له.

لم تستفد الحكومة من هذه التجربة، وأعادت الأمر في موقف آخر بعد أيام قليلة يتعلق بتطوير حديقة الحيوانات الشهيرة في الجيزة القريبة من القاهرة، والتي مضى على تأسيسها نحو قرن ونصف قرن من الزمان.

تعامل مسؤولون كبار في الحكومة المصرية مع المسألة على أنها من الأسرار العسكرية، وربما يكون المشروع مجديا من الناحية الاقتصادية أيضا، لكن الطريقة التي جرى عرضه بها ضاعفت الشكوك ووفرت له رفضا قبل الشروع في تنفيذه.

يؤدي انخفاض منسوب الثقة بالحكومة أو أي مسؤول كبير أو صغير إلى تفريغ القرارات من مضامينها الرئيسية، وتتحول إلى خطأ أو عبء يقع على كاهل أصحابها، ما يجعل فرص تنفيذ القرارات بالوسائل التقليدية عملية صعبة للغاية.

أصبحت كل الإجراءات الخاصة بمشروعات الخصخصة التي تتطلب قدرا وافرا من التكاتف الشعبي مرفوضة تقريبا، وكل التحركات الرامية إلى معالجة الأزمة الاقتصادية من جذورها غير مرحب بها وتدور حولها شبهات وهواجس حقيقية ومزيفة، وفي ظل السمعة الرديئة التي تتمتع بها الحكومة توقّع القرارات بأياد مرتعشة.

تحتاج المرحلة المقبلة إلى غطاء صلب من التأييد الشعبي، لأن الحكومة المصرية سوف تكون مجبرة على اتخاذ إجراءات أشد قسوة في مشروع الخصخصة الممتد، التزاما بتنفيذ وعودها لصندوق النقد الدولي في آخر اجتماع عقداه معا مؤخرا.

◙ الحكومة المصرية خسرت جزءا من رصيدها الشعبي بسبب تضارب سياساتها وتناقض مواقفها الاقتصادية وعدم تواضعها، وخسرت أكثر لأن ذلك هز الثقة بها

لن تستقيم الأمور أو تحقق المردودات المرجوة منها ما لم تتغير الصورة السلبية التي ألصقت بغالبية القرارات الاقتصادية وجرى اتخاذها في عهد النظام الحالي، بما فيها قرارات تنموية عملاقة نتائجها ملموسة لشريحة كبيرة من المواطنين، لأن الغرور والتعالي والتسرع التي حدثت في بعض الإجراءات لم توفر الدرجة الكافية من الدعم الشعبي، والذي بلغ ذروته في السنوات الأولى لحكم الرئيس عبدالفتاح السيسي.

لذلك فنقطة البدء تأتي من تحسين صورة الحكومة كي تثمر محاولات الإصلاح وتجلب معها نتائج تصب في صالح المواطنين، ولا يعني التحسين تغيير وزير أو أكثر أو جميع أعضاء الحكومة ورئيسها، لأن المشكلة تكمن في الآلية التي يتم التفكير بها وطريقة رسم القرارات وليس في الأشخاص القائمين على تنفيذها.

تفرض هذه المسألة تغييرا حاسما في التوجهات، لأن اهتزاز الثقة جاء نتيجة شكوك تحيط بها، ويأتي الحل من رحم تشكيل مجموعة اقتصادية قادرة على التعامل مع الموقف المتأزم، وإيجاد طريقة سليمة تستند على دراسات علمية لتصحيح الأوضاع المختلة، لأن المعاناة التي ضربت فئة كبيرة من المواطنين يمكن أن تصطحب معها نتائج خطيرة على المدى القريب تتجاوز فكرة السمعة والأفكار وهندسة السياسات.

يقود التأخير في تصحيح المسارات الاقتصادية إلى رفع سقف التطلعات السياسية بصورة ربما لا تجدي معها مسكنات، فما حدث خلال الأيام الماضية من محاولات قام بها البنك المركزي لعلاج أوجه القصور في النظام المصرفي يمثل معالجة عرض لمرض، فالعلاج الصحيح يتطلب توفير فريق من الخبراء المهرة، والسمعة السيئة في تصورات الحكومة مجرد شكل يطفو على السطح وما تحته قد يتجاوز هذا المدى.

8