السلطة في العراق.. خطوتان إلى الخلف وخطوة إلى الأمام

حروب بدأت تستعر وأسلحة تُذخر بأعتدة التسريبات الصوتية وفضائح الفساد والتشهير تتقاذفها جهات سياسية مع مكتب رئيس الوزراء، ولا يزال القضاء يحقق في تفاصيلها حيث له القرار الأخير.
الاثنين 2024/11/18
انقلاب ناعم على السلطة التنفيذية

تحاول عبثًا المنظومة السياسية في العراق إقناع بسطاء الناس بأنها تتعرض لمؤامرات خارجية تتشارك فيها أطراف دولية لضرب الاستقرار والسيادة الوطنية، وأشباح حزب البعث المنحل التي لا تزال تطارد مخيلة زعامات الحكم الجديد، بالرغم من أن هذا الحزب تبخّر ولم يبق منه إلا الذكريات.

لا تحتاج تلك المنظومة السياسية إلى مؤامرة خارجية لإسقاطها، فهي متآمرة على بعضها البعض، تعيش زمنًا من الفوضى والإرباك الذي يوحي بأن لا حل يلوح في الأفق.

بعد قرابة عام من عدم التوافق على مرشح توافقي، انتخب مجلس النواب العراقي محمود المشهداني رئيسًا له وماسكًا لمطرقته. ذلك الاختيار جاء بضغوط من الإطار التنسيقي الحاكم ليؤكد ضعف وتشرذم الأحزاب السنية في قرارها. لكن هل انتهت الأزمة بجلوس المشهداني على كرسي رئاسة البرلمان؟ مخطئ من يظن ذلك.

◄ قرار الحرب والسلم لا يزال مترنحًا بين الحكومة العراقية والفصائل المسلحة والجهة التي تمتلك الحق الحصري في اتخاذ ذلك القرار، ليأتي انتخاب المشهداني المقرب من الجناح الإيراني

إن صحت تصريحات شعلان الكريم، عضو مجلس النواب الذي كان مرشح حزب محمد الحلبوسي “تقدم” لرئاسة البرلمان، حين قال في لقاء متلفز إن شروطًا مسبقة وُضعت لترشيح المشهداني بما يخص الانتخابات المبكرة واستجواب محمد شياع السوداني وإقالته، وتعديل قانون الانتخابات والتصويت على ما يأتي بالقانون الجديد، حتى لو كانت هناك معارضة تحت قبة البرلمان، فذلك يعني أن أزمة سياسية قد تتفجر في أي لحظة بين السلطة التشريعية والتنفيذية وقد تؤدي إلى تصدع في النظام السياسي المتهرئ أصلًا.

انقلاب ناعم على السلطة التنفيذية قد يُعجل بالانتخابات المبكرة التي تنادي بها بعض الكتل السياسية، من ضمنها نوري المالكي الذي بدأ صراعه مع السوداني يشتد.

الصفقة السياسية التي يُراد تنفيذها تأتي قبل أشهر قليلة على موعد الانتخابات البرلمانية في العراق المتوقع إجراؤها في شهر أكتوبر 2025، والتي تتطابق مع حديث المالكي، رئيس الوزراء الأسبق، عن ضرورة تخلي المسؤول التنفيذي عن مهامه وتقديم استقالته قبل أشهر من موعد الانتخابات.

حروب بدأت تستعر وأسلحة بدأت تُذخر بأعتدة التسريبات الصوتية وفضائح الفساد والتشهير التي تتقاذفها جهات سياسية مع مكتب رئيس الوزراء، ولا يزال القضاء يحقق في تفاصيلها حيث له القرار الأخير.

◄  المنظومة السياسية في العراق لا تحتاج إلى مؤامرة خارجية لإسقاطها؛ فهي متآمرة على بعضها البعض وتعيش زمنًا من الفوضى والإرباك الذي يوحي بأن لا حلّ في الأفق

يعتقد بعض الداعين للانتخابات المبكرة أن هذا ربما يكون الحل النهائي لانفراج الأزمة السياسية التي تعصف بالبلاد، خصوصًا مع تولي دونالد ترامب، الرئيس الأميركي، الحكم في البيت الأبيض المتشدد تجاه السياسة العراقية، وإمكانية اتخاذه قرارات صعبة ضد النظام السياسي العراقي، حيث تكون الانتخابات المبكرة مبررًا لتغيير يُراد له وتتفق عليه جميع الأطراف السياسية.

عودة المشهداني إلى منصب رئاسة البرلمان لا يمكن تفسيرها سوى بالعودة “الإخوانية” إلى مركز القرار في العراق، وهو ما يفرز فرضية الهيمنة الإيرانية والقوى الإسلامية على القرار العراقي، حيث تسعى الدول الكبرى لإبعاد الإسلام السياسي عن مراكز القوة والتأثير في العالم، ويبعث برسائل تفاؤل إلى زعامات مثل نوري المالكي للعودة إلى منصب رئاسة الوزراء، خصوصًا بعد تجربة ترامب في العودة إلى البيت الأبيض وإمكانية تكرار التجربة في العراق.

لا يزال قرار الحرب والسلم مترنحًا بين الحكومة العراقية والفصائل المسلحة والجهة التي تمتلك الحق الحصري في اتخاذ ذلك القرار، ليأتي انتخاب المشهداني المقرب من الجناح الإيراني ويضيف مزيدًا من التوتر وعدم الاستقرار الداخلي وحتى الخارجي.

يحتاج الأمر إلى شجاعة وتحدي المسؤول التنفيذي، وأقصد به رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، لحل هذه الأزمة، بما يفتح الطريق أمام مؤسسات الدولة التي يحكمها الدستور وتفعيل صلاحياتها كي تقرر للبلاد بما تراه مناسبًا، إن كان سلمًا أو حربًا، وليس بيد من يريد جرّ العراق إلى حرب وفوضى لا ناقة له فيها ولا جمل، يدفع ثمنها الشعب من حياة أبنائه واقتصاده.

8