السكين كرمزية طائفية
حادثة الأطفال السوريين الثلاثة (اللاجئين) المرعوبين من تهديد مواطن لبناني من بيئة حزب الله السياسية والأمنية، أدمت قلوبنا، وأشعلت فينا نار الاحتجاج الإنساني القوي على نزول الإنسان في العالم العربي إلى الحضيض الحضاري والدرك الأسفل من سلم الأخلاقيات والقيم والمبادئ الإنسانية، وللأسف لوحظ تجاهها صمت إعلامي واضح، وهذا الصمت، بحد ذاته، مرعب وخطير في آن. مرعب لأنه يكشف عن استمراء واستعواد- إن جاز التعبير- هذه المناظر المنافية لأبسط قواعد وقيم ومبادئ حقوق الإنسان في القرن الواحد والعشرين.
وخطير لأنه ينبئ- في ظل الصمت الراهن- باستمرار هذه الحالة وانتشارها، فنتحول جميعا إلى مرعبين ومهددين لبعضنا البعض، مفتقدين لإنسانيتنا التي تميزنا عن عالم الوحوش والكواسر.
إلا أن قلم الكاتب والشاعر السوري نوري الجراح أعاد إلينا الأمل بقدرة القلم النير والضمير النقي والثقافة الحقيقية، لا المزيفة والمخادعة أو الانتهازية، على تسليط الضوء على هذه الجريمة الإنسانية بامتياز.
تتجلى رمزية الطائفية هنا بالسكين، الأداة المهددة للأطفال المساكين الثلاثة الذين من المفترض أن يتم استقبالهم بالورود والكلام الطيب، لأنهم حُرموا من طفولتهم لا التهديد بسكين قاطعة بذبحهم وهكذا علنا، ومن ثم أن ينتشر الفيديو ويفتضح أمر الإرهاب الذي مارسه حامل السكين، إذ يعبر عن ثقافة بيئة مؤدلجة وطائفية تعالج العنف بالعنف، والتهديد بالتهديد، والقتل وبالقتل، وهي صاحبة الادعاء بـ”الممانعة” و”المقاومة” لإسرائيل إلى حد اليوم. السكين للأطفال في لبنان، والمدفع والرشاش والطائرات للرجال والنساء والأطفال في الأرض السورية.
لعل الاستغراب الكبير هو أن جمهورا كبيرا راح يركض كالعميان وراء قيادات مرتهنة لأجندات طائفية بغيضة، دون لحظة يقظة ضمير أو وقفة تأمل إنسانية لقول البعض منهم إننا على الخطأ سائرون، وعلى دروب التيه ماضون، وإلى نار الفتنة والخراب متجهون، ويصمت المثقف ورجل الدين وترتبك الألسن وتتلعثم الأفواه وتصم الآذان وتعمى العيون أمام هول الحدث المأساوي، لا بل الكارثة و”الكربلاء” المعاصرة، والوقود هي هذه الشعوب التي تقاد مدفوعة بشهوات موت هائجة ومائجة وهي متجهة إلى مصير مجهول وقتل وتدمير، دون أية قدرة نهوض من نوم أيديولوجي عميق. إنه العناد الأيديولوجي المشبع بشحنات عاطفية لا تؤدي إلا إلى تدمير الأنا والآخر، مع اعتقاد واهم ومزيف بانتصار الأنا على الآخر، واعتقاد الآخر بانتصاره على الأنا، والاثنان يتعاركان عراكا أيديولوجيا لا فكاك منه إلا بالقلوب الصافية النقية والعقول النبيهة والرشيدة، إلا أنه يمكن القول: “لقد أسمعتَ لو ناديت حياً، ولكن لا حياة لمن تنادي”.
كاتب سوري