السعودية وتونس: رؤية استراتيجية مشتركة للأمن القومي العربي

زيارة الملك سلمان رسالة دعم وتضامن سعودية لتونس رئيسة الدورة الثلاثين للقمة العربية.
الجمعة 2019/03/29
الرؤى الواضحة تحدد المسارات المؤدية إلى طريق الشراكة والتكامل

تشترك المملكة العربية السعودية وتونس في رؤيتهما الاستراتيجية للأمن القومي العربي، وتلتقيان في التأكيد على أهمية توحيد الصف لمواجهة التحديات المشتركة بمختلف أشكالها. وتأكيدا على أن هذه الأهداف تتعدى مستوى الأقوال البروتوكولية والتحركات الدبلوماسية، تتجاوز زيارة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى تونس إطارها المرتبط بالمشاركة في الدورة الثلاثين للقمة العربية، لتكون زيارة دعم لتونس التي يعد احتضانها للقمة في هذا الظرف الدقيق بمثابة شهادة على تعافيها الأمني والسياسي، وأيضا زيارة تؤكد دور السعودية الجديدة في مد جسور التواصل والتحفيز على العمل المشترك وتذليل العراقيل في بعض الملفات الخلافية.

استقبلت تونس، الخميس، العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، بالكثير من الترحاب والأمل في أن تسفر هذه الزيارة عن المزيد من توطيد العلاقات الثنائية بين البلدين.

تمثّل الزيارة رسالة دعم وتضامن سعودية لتونس، وهي تحتضن الدورة الثلاثين للقمة العربية، وتأكيدا على الأبعاد الاستراتيجية المهمة التي تعطيها القيادة السعودية لعلاقاتها مع تونس، ضمن جهودها المكثفة لرصّ الصفوف وتوحيد الأهداف وتوطيد قيم التعاون والتضامن والتكافل بين الدول العربية في مواجهة أخطار التمزق ومؤامرات التطرف والإرهاب والتهديدات والأطماع الإقليمية والدولية المحدقة بمحور الاعتدال الذي طالما كانت تونس إحدى ركائزه منذ استقلالها في العام 1956.

 تأتي زيارة العاهل السعودي إلى تونس لتزيد من توطيد أواصر الأخوة والتعاون بين البلدين، ولتقطع الطريق أمام الصائدين في الماء العكر، خاصة من أولئك الذين يسعون إلى اختطاف تونس من موقعها الراسخ في محور الاعتدال والعقلانية، إلى محاور الفوضى والفتنة والتطرف، والذين يتبنون وجهات النظر المعادية للعرب، وما انفكوا يدفعون في السر والعلن إلى توتير العلاقات بين الأشقاء.

وتتنزل زيارة الملك سلمان إلى تونس ضمن ثوابت رؤيته للعرب كوحدة متماسكة، وهي الرؤية التي طالما حددت مواقف القيادة السعودية وخاصة في السنوات الأخيرة، عندما بدأت الرياض في النظر إلى كل الجهات، وفي الاهتمام بكل ما يدور في المنطقة العربية من المحيط إلى الخليج، بانفتاح سياسي ودبلوماسي بات سابقا للأحداث، وصانعا للتوازنات، ومؤثرا في الوقائع، ومتصديا لكل أشكال التآمر على الأمن القومي العربي، ومبادرا إلى احتضان الأشقاء بما يساعدهم على تجاوز أزماتهم، وتطوير مقدراتهم، وتحصين دولهم وشعوبهم ومجتمعاتهم مما يحاك لها في الغرف المظلمة.

محمد بن محمود العلي: العلاقات بين تونس والمملكة العربية السعودية تتميز بعراقتها
محمد بن محمود العلي: العلاقات بين تونس والمملكة العربية السعودية تتميز بعراقتها

كما تعتبر زيارة الملك سلمان إلى تونس الزيارة الرسمية الأولى من نوعها التي يؤديها إلى أحدى دول المغرب العربي منذ توليه الحكم في يناير 2015. وتأتي بعد 120 يوما تقريبا من الزيارة التي أداها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى تونس في 28 نوفمبر 2018، والتي تلتها بعد أسبوعين زيارة رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد إلى الرياض في 12 ديسمبر الماضي.

ترتقي العلاقات السعودية التونسية بأهميتها إلى مصاف العلاقات التاريخية المتجذرة، ذلك لما للرياض وتونس من ثقل تاريخي في العالمين العربي والإسلامي، حيث يحرص البلدان في كل لقاء يجمعهما على زيادة تفعيل آليات التعاون وتعزيز العلاقات تماشيا مع النهج نحو إرساء علاقات طيبة بينهما.

ويقول سفير المملكة العربية السعودية بتونس محمد بن محمود العلي إن العلاقات بين البلدين تتميز بعراقتها حيث تعود إلى عهد الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود الذي استقبل سنة 1951 زعيم الحركة الوطنية التونسية آنذاك الحبيب بورقيبة وبصحبته محمد المصمودي الذي تولى لاحقا حقيبة الخارجية. وقدمت المملكة في ذلك الوقت الدعم المعنوي والمادي الذي ساهم في دعم الحركة الوطنية في نضالها من أجل نيل الاستقلال.

كما يشير إلى الجهود المبذولة لتعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين. وتشمل هذه العلاقات جل المجالات وكان أهمها الاتفاق على تنظيم الدورة العاشرة للجنة المشتركة خلال العام القادم بالعاصمة السعودية، بالإضافة إلى البرنامج التنفيذي لمذكرة التفاهم بين مركز النهوض بالصادرات بتونس وهيئة تنمية الصادرات لعامي 2018-2019، مشيدا بالتعاون في المجال الصناعي وفي مجال الطاقة والتعدين بالإضافة إلى المجال المصرفي والمالي والجمارك.

ومنذ توليه الحكم، أظهر الملك سلمان بن عبدالعزيز، اهتماما خاصا بالعلاقات مع تونس، وعبّر في أكثر من مناسبة عن تعاطفه مع قيادتها وشعبها في مواجهة الإرهاب والتطرف، كما أوصى في مناسبات عدة بتقديم كل أشكال الدعم الأمني والعسكري لتونس في مواجهة كل الأخطار التي تتهددها، إلى جانب توسيع المشاورات السياسية في كل ما يخص العلاقات المشتركة والوضع الإقليمي والدولي.

وشهد العام الماضي تنفيذ مناورات جوية مشتركة بين القوات الجوية الملكية السعودية وسلاح طيران الجيش التونسي، بهدف دعم أواصر التعاون والعلاقات بين القوات الجوية في البلدين وصقل وتأهيل الأطقم الجوية من طيارين وفنيين وتبادل الخبرات في مجال الإمداد والإسناد الفني، وتوج ختام هذا التمرين برعاية الفريق الركن الأمير تركي بن بندر بن عبدالعزيز قائد القوات الجوية الملكية السعودية.

Thumbnail

وفي مايو 2017 أدى الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي زيارة إلى الرياض للمشاركة في القمة العربية الأميركية، حيث أشاد بالعلاقات الأخوية التي تربط البلدين ووصفها بالتاريخية والمبنية على الاحترام المتبادل والتشاور المستمر.

وقال إن “علاقات تونس مع المملكة العربية السعودية يرجع تاريخها إلى الملك عبدالعزيز” منوها بالزيارة التي قام بها الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة إلى المملكة والتي “كان لها تأثير بالغ في مستقبل تونس”. وشدد قائد السبسي على الدور المحوري للمملكة سواء في المنطقة أو العالم كقوة سياسية واقتصادية وروحية.

 وتأكيدا على وقوف السعودية إلى جانب تونس في المجالات التنموية، أوضح نائب الرئيس العضو المنتدب للصندوق السعودي للتنمية المهندس يوسف بن إبراهيم البسام خلال تمثيله للمملكة في منتدى الاستثمار تونس 2020 في نوفمبر 2016، أن السعودية تدعم كل ما من شأنه أن يرسخ الاستقرار السياسي والاقتصادي التونسي، ومن ذلك المساهمة في تحفيز إنعاش النشاط الاقتصادي من خلال مساهمات مستمرة للصندوق السعودي للتنمية في تمويل المشاريع التنموية المختلفة في تونس.

كما شهد نفس العام مصادقة مجلس نواب الشعب التونسي على اتفاقية قرض بقيمة 100 مليون دولار لاستكمال المرحلة الثانية من مشروع السكن الاجتماعي لفائدة محدودي الدخل. وفي يناير 2019 منحت السعودية تونس قرضا بقيمة 500 مليون دولار، بشروط ميسرة لتمويل الميزانية.

وكان الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة يرى أن السعودية هي قلب العرب ونبض العروبة، ويصرّ على أن تكون علاقة بلاده بها علاقة متينة واستراتيجية. واعتبر ذلك من أسس الدبلوماسية التونسية، وهو ما سارت عليه تونس لاحقا، ويعمل الرئيس الباجي قائد السبسي على أن يكون امتدادا له. ولعل زيارة الملك سلمان خير دليل على أن الثوابت لا تزال راسخة، والقيم الحقيقية هي التي تنتصر دائما، والرؤية الواضحة هي التي تحدد المسارات المؤدية إلى طريق التضامن والتكامل والشراكة بين الأشقاء.

7