السعودية لعبت ورقة البيئة ببراعة

المشاكل الحقيقية المهددة لاقتصاد النفط تكمن في مكان آخر خارج كوب 26.
الاثنين 2021/11/22
التزامات مناخية تراعي طبيعة الاقتصاد

رغم أن موقفها أثار جدل منظمات بيئية إلا أنّ الرياض لعبت أوراقها بمهارة في كوب 26، ودفعت بعد ضغوط دول مساندة لها مثل الإمارات العربية المتحدة والصين إلى تبني اتفاق مراع للاقتصادات النفطية وأقل طموحا من الالتزام باتفاق باريس للمناخ الذي يهدف إلى إبطاء التقدم نحو هدف 1.5 درجة مئوية، لكن المملكة قد تكتشف قريبا جدا أن ما يهدد اقتصادها البترولي يكمن خارج المنتديات الدولية.

واشنطن – تبدي دول الخليج التي يعتمد اقتصادها على النفط، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، اهتماما بعدم التخلف عن ركب الدول التي تدعم خطط مواجهة الاحتباس الحراري، الذي بات يلقي بظلال قاتمة على العالم. لكنها تسعى جاهدة لحماية اقتصاداتها من اتفاقات مناخية يصعب تحقيقها بسرعة فالانتقال نحو انبعاثات صفر كربونية مهمة شبه مستحيلة في الشرق الأوسط على الأقل في الوقت الراهن.

ويقول محللون إنّ السعودية لعبت ورقة البيئة ببراعة خلال مؤتمر غلاسكو للمناخ “كوب 26″، ونجحت في تبني اتفاقات “أقل طموحا” مناخيا لكنها مدروسة بناء على واقع اقتصادات دول الشرق الأوسط النفطية.

وتعد السعودية أكبر مصدر للنفط على مستوى العالم، ورغم أنها بدأت في مسار تنويع اقتصادها ضمن رؤية “2030” إلا أنه ما يزال أمامها الكثير قبل التقليص من الاعتماد على النفط.

أليستر نيوتن: جهود السعودية شبيهة بجهود الملك كنوت العظيم
أليستر نيوتن: جهود السعودية شبيهة بجهود الملك كنوت العظيم

ويؤكد المحللون أنه يصعب الاختلاف بأن “مؤتمر كوب 26 حقق أكثر مما كان متوقعا ولكن أقل مما كان مأمولا”.

وحسب فاينانشيال تايمز “لم ينقل المؤتمر في النهاية العالم بشكل حاسم إلى مسار ينقذه من أسوأ ويلات تغير المناخ… ومع ذلك، ترك المؤتمر هذا الباب مفتوحا، ولو كان لشبر واحد فقط، لكبح جماح الزيادة الإجمالية في درجة الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية… بشرط أن تستجيب البلدان لنداء للعودة بعد سنة من الآن بخطط أكثر طموحا للحد من الكربون لبقية العقد المحوري”.

وفي الواقع، بحسب تحليل الخبراء أن التزامات كوب 26 تغير المسار الذي يسير فيه العالم إلى 2.4 درجة مئوية (من 2.7 درجة مئوية)، بدلا من هدف اتفاق باريس البالغ 1.5 درجة مئوية، بحلول نهاية هذا القرن.

أما بالنسبة إلى الهيدروكربونات، فقد انصب التركيز الفوري لما بعد المؤتمر بقوة على الفحم، بدلا من النفط والغاز، بعد أن أجبرت الصين والهند في اللحظة الأخيرة على إضعاف النص ذي الصلة. ومع ذلك، لا يزال علينا النظر في آثار كوب 26 على الدول المنتجة للنفط في منطقة الخليج، ولاسيما المملكة العربية السعودية.

ويقول المحلل السياسي أليستر نيوتن في تقرير لمؤسسة “عرب دايجست” الاستشارية، إنه بالعودة إلى النشرة الإخبارية الصادرة في سبتمبر والتي تركز على موقف المملكة من ذروة النفط وتغير المناخ، يجب أن يسعد السعوديون والدول المجاورة التي تعتمد بشكل كبير على عائدات الهيدروكربونات بالنتيجة، وعلى الأخص قرار تأخير التقديم من قبل الدول التي تبنت خططا أكثر طموحا للحد من الكربون حتى العام المقبل عندما تستضيف مصر كوب 27.

السعودية أفلتت من غلاسكو دون الاضطرار إلى تحمل اللوم عن الفشل في التوصل إلى اتفاق أكثر طموحا

وكانت منظمة السلام الأخضر “غرينبيس” في المقدمة، ولكنها ليست وحدها، في الادعاء والاستشهاد بالأدلة على أن التكتيكات السعودية في غلاسكو كانت تهدف في المقام الأول إلى إبطاء التقدم نحو هدف 1.5 درجة مئوية، وتدعي منظمة السلام الأخضر أيضا أنها تقف وراء منع الرياض منذ 1992 من محاولات وضع قواعد التصويت الجديدة التي من شأنها أن تتجاوز الحاجة إلى الإجماع.

ويوضح نيوتن أنه يوجد سبب آخر على الأقل للاعتراف بمهارة الرياض عندما يتعلق الأمر بتربيع “رقعة الشطرنج [و] التلاعب بالقطع”، على حد تعبير المديرة التنفيذية لمنظمة السلام الأخضر جينيفر مورغان، أي تعهد صافي انبعاثاتها المحلية بحلول 2060 والذي يطابق الالتزامات التي تعهدت بها الصين وروسيا.

وعلى الرغم من مجموعة الإعلانات التي تبدو مثيرة للإعجاب على مدار السنوات الخمس الماضية، ليس أقلها التزام ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الشخصي في مارس بأن 50 في المئة من احتياجات الطاقة في البلاد ستأتي من مصادر الطاقة المتجددة بحلول 2030، كتب أندرو إنغلاند وكاميلا هودغسون في تقرير لفايننشيال تايمز “كما هو الحال مع العديد من مخططات الأمير الطموحة، يتساءل المشككون عما إذا كان خطابه سيتوافق مع عمل ملموس على الأرض”.

كما أشار دانييل باردسلي في مقال لصحيفة جنوب الصين الصباحية “يستثني التزام المملكة العربية السعودية لعام 2060 انبعاثات الوقود الأحفوري الناتجة عن حرق صادرات النفط والغاز السعودية، في حين أن وعد شركة أرامكو السعودية بصافي الصفر في منتصف القرن يستبعد الانبعاثات الناتجة عن حرق نفط الشركة”.

السعودية نجحت في تبني اتفاقات أقل طموحا مناخيا

ويعدّ هذا مهما بالنظر إلى أن غالبية إنتاج أرامكو تذهب للتصدير وأن حرق نفط أرامكو يمثل ما يقرب من خمسة في المئة من الانبعاثات العالمية وفقا لمعهد بيكر للسياسة العامة في الولايات المتحدة. ويتفق كل ذلك تماما مع وجهة نظر كريم الجندي من تشاتام هاوس بأن “التزامات المناخ السعودية مشروطة بقدرتها على الحفاظ على صادراتها من الوقود الأحفوري”.

ويجدر الذكر أن باردسلي اقتبس من مايكل ماسون من كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية قوله إن المملكة العربية السعودية “تحاول أن تضغط على كوب 26 أكثر من الإمارات العربية المتحدة”، والتي يعتقد الكاتب أنها تسبق المملكة بخمس إلى عشر سنوات عندما يتعلق الأمر بالاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة. ويخلص ماسون إلى أنه “مع السعوديين، لا يزال هناك القليل من التناقض بين ما يقولونه علنا وما يقولونه خلف الأبواب المغلقة”.

ومع ذلك، يرى نيوتن أنه وعلى الرغم من الانتقادات من أمثال منظمة السلام الأخضر، يبدو أن السعودية قد أفلتت من غلاسكو دون الاضطرار إلى تحمل الكثير من اللوم عن الفشل في التوصل إلى اتفاق أكثر طموحا.

السعوديون والدول المجاورة التي تعتمد بشكل كبير على عائدات الهيدروكربونات يجب أن يسعدوا بنتيجة كوب 26

لكن من المؤكد أن السعوديين لم يحققوا كل ما أرادوا، وخاصة في ما يتعلق بالالتزام بالتخلص التدريجي من دعم “الوقود الأحفوري غير الفعال”. وعلى الرغم من ضعف الصياغة الأصلية، إلا أن هذا لا يزال يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه خطوة مهمة إلى الأمام بشأن قضية من المؤكد أنها ستعود إلى الطاولة في شرم الشيخ العام المقبل.

كما يجب أن تكون الرياض أقل سعادة مع إعلان كوب 26 الصادر في العاشر من نوفمبر بشأن تسريع الانتقال إلى السيارات والشاحنات الصغيرة بنسبة 100 في المئة، وهي اتفاقية جانبية تجمع بين البلدان والمدن ومصنعي السيارات والمنظمات غير الحكومية والمستثمرين، حيث يلتزم الموقعون، الذين لا يشملون المملكة العربية السعودية على نحو غير مفاجئ، بما يلي “العمل من أجل أن تكون جميع مبيعات السيارات والشاحنات الصغيرة خالية من الانبعاثات على مستوى العالم بحلول 2040، وفي موعد لا يتجاوز 2035 في الأسواق الرائدة”.

ومن المغري تجاهل أهمية مثل هذه الإعلانات غير الملزمة، لكن من شأن ذلك أن يجازف بالتقليل من شأن المشاعر العامة التي يتزايد انتشارها، وربما الأهم من ذلك، التحولات الزلزالية التي تجري الآن على قدم وساق في جميع أنحاء مجتمع الاستثمار.

ويؤكد نيوتن أنه على الرغم من أن المملكة العربية السعودية هي بلا شك على “رقعة شطرنج” المنتديات الدولية، إلا أنها قد تضطر إلى إدراك أن جهودها لتأخير المد هي أكثر شبها بجهود الملك كنوت العظيم.

7