السعودية دولة حديثة وليست طائفية
السنة طائفة حاكمة بالمملكة العربية السعودية وبدولة الكويت فلماذا يفجرون حسينيات الشيعة هناك؟
كاتب سعودي يسجل اندهاشه من أن البعض يحاول ربط حوادث الإرهاب في المملكة بما يجري في العراق وسوريا، ويستنكر الكاتب هذا التفسير. ففي نظره حتى لو سقط الجنرال الإيراني بين جنوده العراقيين واللبنانيين، وحتى لو اختلطت دماء الشيعة المخلصين من جميع القوميات والدول في ساحة المعركة، فإن ذلك لا يمكن أن يؤثر على الشيعي السعودي والسني السعودي لأن ما يحدث ببساطة هو خارج الحدود.
أرى أن هذا التفسير خاطئ بشكل واضح ما دام هناك دين إسلامي يقترح الأخوة بالعقيدة، وما دامت هناك تربية بالمدارس تعلم أشياء من قبيل أن المسلم أخٌ للمسلم. تلك المقولة التي تتحول بسرعة إلى أن السني أخ للسني في مواجهة الشيعي. تماما كما رأينا في سوريا كيف أن الشيعي أخ للشيعي في مواجهة السني.
هذا الإنكار يشبه كثيرا إنكار التطرف في تونس، الأمر الذي تطور في النهاية إلى أن أكثر من سبعين فندقا سياحيا قد أغلقت أبوابها قبل يومين على خلفية تهديدات من المتشددين. ننتظر من المثقف أن يعترف بالمشكلة، وليس هكذا يجاهر بعدم وجودها.
إن القفز نحو مفاهيم الثورة الفرنسية كـ”المواطنة” التي هي ثمرة أفكار جان جاك روسو (توفي 1778) في “العقد الاجتماعي” لم يعد ممكنا إلا بإصلاحات جذرية شاملة، لا تخص الدولة الواحدة بل الإصلاح يتحتم عليه أن يشمل المنطقة بأسرها. لأنه في ظرف اجتماعي وسياسي متناقض ومخادع، نحن حتى لا نستطيع أن نفكر بالتنوير، فالأمر مرتبط بالسياسة. إذا قلنا نحن علمانيون ولا نهتم بالدين ستقول إيران حسنا سلمونا الكعبة، فنحن الشيعة نهتم بالإسلام وديننا ليس إرهابيا ولا يهدد العالم. إن خياراتنا محاصرة سياسيا؟ والحلول الوسط لا تعني شيئا سوى التناقض.
قبل أيام قال رئيس لجنة الأمن والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني علاء الدين بروجردي “على السلطات السعودية أن تُذعِن وتسلّم أشرطة الفيديو التي تكشف حقيقة ما جرى”، في إصرار إيراني متعمد لتوظيف حادثة منى في التشكيك بقدرة المملكة على العناية بالحرميْن الشريفين. يجري اتهام السعودية ظلما في خطاب إيراني متغطرس من لبنان حيث يقول بروجردي “إنه لا خيار أمامنا في طريقة حياتنا، فنحن محكومون بالعزة والاقتدار”.
السعودية دولة حديثة وليست طائفية كإيران. الدولة الحديثة تهتم بمصالحها ورفاه مواطنيها واستقرارها، ولا تجازف بدليل أن السعودية تحارب الحوثيين والدواعش في نفس الوقت، وتدافع عن الشيعة السعوديين كمواطنين لهم كامل الحقوق، خصوصا بعد تعرضهم لأربع هجمات إرهابية هذا العام كما حدث في “القديح” و”الدالوة” و”العنود” و”الحيدرية”، وتحظى السعودية بتقدير عالمي بسبب هذا التوجه.
طبعا البعض لا يفهم كيف أن السعودية كانت تسمح لقنوات متشددة مقرها الرياض كقناة صفا وقناة وصال، ثم فجأة وضعت ضوابط بسبب تأثير ذلك الخطاب. إن الدفاع عن السنة المظلومين في سوريا والعراق عملية محفوفة بالمخاطر، ويجب ألا يورط ذلك المملكة في التحريض كما تفعل إيران. نحن نتفهم أن أمن السعودية ووحدة أراضيها، وأمن الخليج أهم بكثير من أي شيء آخر. وإذا كانت إيران تحمل رسالة طائفية عدوانية فهذا لا يعني أن يتحول خصومها إلى سياسة مشابهة للسياسة الفارسية، كل أمة ودولة لها ظروفها ومبادئها.
القيادة السعودية تعي بأن الحل في المنطقة يجب أن يكون شاملا، بمعنى أنه يجب أن يشمل إيران وإسرائيل أيضا. فهاتان دولتان قائمتان على التوسع والتمدد والدعاية الدينية، وما داعش إلا نتيجة لقمع دول وتنظيمات يهودية وشيعية عابرة للحدود والقوميات. فبماذا نفسر الطعن المخيف بالسكاكين للمجندين والمستوطنين الإسرائيليين مؤخرا من قبل الفتيات والفتيان الفلسطينيين اليائسين؟
إذا كان 65 بالمئة من الإسرائيليين هم في الحقيقة يهود عرب قادوا الحركات الصهيونية وكانوا من أشد المتحمسين لإسرائيل، فهم لم يرفضوا الكفاح مع اليهودي الروسي والألماني. كذلك الشيعة بإبداع الثورة الخمينية عبروا الانتماء القومي، وأصبحوا بمساعدة المنظومة الدينية والسياسية مشروعا منسجما كاليهود. يقاتل الجنرال الإيراني حتى الموت بالعراق وسوريا ويحمله جنوده الشجعان من عراقيين ولبنانيين بدموع صادقة، كما يقدّس شيعة العراق مراجع فارسية مثل آية الله السيستاني، وبنجابيين مثل آية الله بشير النجفي.
وحدهم السنة العرب قد دفنوا أنفسهم بحسن النوايا إلى درجة أن محللا سياسيا في قناة العربية يطالب السيستاني بمواقف قومية عربية، ويتجاهل تماما مشاعر الرجل الحقيقية كمرجع شيعي مقدس ومواطن فارسي. من الواضح أن السنة في ورطة بسبب إحراج مصدره الأمة الإسرائيلية والأمة الشيعية، هاتان أمتان تحاربان بحيوية وتمتازان بالإخلاص العلني لعقائدهما.
عشرات القادة يصرحون، علنا، بأنهم شيعة ويهود دون حرج، بينما الهوية السنية متهمة بالإرهاب والعرب لا يرون في الإسلام السياسي إلا هلاكا لمكتسبات الدولة الحديثة والمجتمع المدني، وحتى محاولات بعث الوجدان السني بالتطرف تبدو فاشلة سياسيا ومدمرة.
السعودية اليوم لا تفكر بالهجمات الإرهابية داخل حدودها فقط، فهي منذ توحيد المملكة على عقيدة إسلامية، ومنذ دمعة الملك فيصل بن عبدالعزيز على القدس، ترى أن السنة يتم اقتلاعهم ويخسرون مواقع في فلسطين والعراق وسوريا بتشجيع متعمد من القوى العظمى.
كاتب عراقي