الزراعة في تونس تبدأ ثورتها الرقمية

استعمال التكنولوجيا الذكية تساهم في تطوير القطاع الفلاحي التونسي وتكسبه القيمة المضافة العالية.
الخميس 2021/05/20
الزراعة تواجه صعوبات عديدة

تونس - يتفقد محمود بوعصيدة (46 عاما) البرتقال في مزرعته التي تبلغ مساحتها حوالي 30 فدانا في تاكلسة بشمال شرق تونس، فيما يبدو عليه الانزعاج. مبعث القلق بالنسبة إليه هو نقص المياه الذي أثر على زراعته في السنوات الماضية.

ويقول الرجل الذي ترك عمله في قطاع النفط قبل عشر سنوات لشراء أرض وإنشاء مزرعة يزرع فيها نباتات مختلفة من بينها البرتقال والكلمنتين “في السنوات الأخيرة نلاحظ نقصا كبيرا في مياه السدود ولا نعرف كيف نعوض هذا النقص اليوم”.

ويضيف “كما نعرف، فإن الفلاحة هي أكبر مستهلك للمياه في تونس وفي العالم أجمع. واليوم يجد الفلاح نفسه أمام شح للمياه مما تنجر عنه اضطرابات بالنسبة إلى الشجرة وتكاثر الأمراض”.

ويتابع “الهدف الأول بالنسبة إلي من استعمال التكنولوجيا الذكية للري هو المحافظة على الطبقة المائية. بسبب التغيرات المناخية أصبح هناك شح في المياه بالنسبة إلى الكمية والنوعية. فقد أصبح من الصعب الوصول إلى أهداف الإنتاج بالاستغلال المفرط للمياه، فهذا لم يعد حلا إذن. اليوم يجب علينا المحافظة على ثروتنا المائية”.

وفي مواجهة الخطر التجأ بوعصيدة إلى التكنولوجيا. قام بتركيب أجهزة استشعار في أنابيب الري وفي التربة. وتتصل هذه الأجهزة ببرنامج حلول الزايرة وهي شركة ناشئة للتكنولوجيا البيولوجية، لمساعدته في إدارة المزرعة.

ويقوم هذا النظام بعملية تنظيم ملوحة التربة وحقن الأملاح المعدنية اللازمة فيها.

نظام رقمي يربط بين المزرعة ومحطة تنظم بشكل آلي عمليات الري والتسميد باستخدام معلومات يرسلها البرنامج

ويربط النظام أيضا بين المزرعة ومحطة تنظم بشكل آلي عمليات الري والتسميد باستخدام المعلومات التي يرسلها البرنامج.

والزايرة شركة متخصصة بتقديم الحلول المرتبطة بالزراعة، غبر توفير تطبيقات تقنية سهلة للمزارعين، تساعدهم على إدارة مزارعهم بفاعلية من حيث التحكم بالموارد والمخزون والتكلفة وكذلك عمليات الري.

ويصف ياسر بوعود الشريك المؤسس لشركة “حلول الزايرة” برنامج نظام تنمية الري الذي طورته شركته الناشئة بأنه “نظام ذكي”.

ويقول “النظام الذكي للري هو نظام للري والتحكم فيه. فهو يسمح للمزارع بالحصول على تقرير عما يحدث في أرضه ويمكّنه من الحصول على معلومات دقيقة وآنية وذلك بفضل جهاز التحكم الذاتي وجهاز تحليل الطقس، وبالتالي يكون لديه تقرير ليتمكن بعد ذلك من اتخاذ قراره بخصوص عملية الري وتحديد كمية المياه المستعملة وتحديد الأوقات الملائمة للري، وهذا سيساعد الفلاح في تقليص كمية المياه المستعملة للري والمحافظة عليها”.

ويقول وجيه بوعود المهندس بشركة الزايرة “كما نرى هنا هذا هو المسبار تحت الأرض لكي يعطي لنا كمية المياه الموجودة في الطبقات السفلى للأرض. مثال إذا نزلت الأمطار يجب أن نعرف هل هي كمية كافية أو لا لكي أقوم بعملية السقي، أو إذا كنت أقوم بعملية السقي وتجاوزت كمية معينة لا تحتاجها الشجرة، فهذا المسبار يعطيني فكرة عن الأشياء التي تحصل في الأرض”.

وتحذر التوقعات في تونس من فترات جفاف طويلة وانخفاض في الموارد المائية وزيادة عدد الحرائق خلال العقد المقبل.

وتسهم الزراعة بما يتراوح بين 9 و11 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي وتمثل حوالي 15 في المئة من العمالة في البلاد.

ويقول علي مرزوقي منسق المرصد التونسي للمياه “لإنتاج تفاحة واحدة يجب علينا توفير 200 لتر من الماء. أما بالنسبة إلى الطماطم (البندورة) لإنتاج 1 كيلوغرام من الطماطم نستهلك أكثر من 280 لترا من الماء وهذه المعدلات العالمية، فما بالك بالمعدلات التونسية التي يمكن أن تتضاعف أكثر من مرة بحكم أننا لا نحسن التصرف في مواردنا المائية.. وهناك نسبة كبيرة في الاستهلاك والماء الضائع دون الاعتماد على أسس علمية لترشيد استهلاك المياه”.

ويساهم القطاع الزراعي بحوالي 10 في المئة من الناتج الداخلي الخام، ويساهم بنسبة 10 في المئة في الصادرات التونسية، ويستقطب 8 في المئة من جملة الاستثمارات في الاقتصاد الوطني، و14 في المئة من اليد العاملة النشيطة.

وأكد وزير تكنولوجيّات الاتصال والفلاحة التونسي محمد الفاضل كريّم على ضرورة العمل على رقمنة القطاع الفلاحي وتسهيل الخدمات الموجّهة للفلاح، من خلال تشجيع هذه المبادرات الشابة الرامية إلى تطوير القطاع الفلاحي وإكسابه القيمة المضافة العالية.

وشدد الوزير التونسي على وجوب الاستثمار في العقول والكفاءات الشابّة، وعلى مواصلة مرافقة وتأطير أصحاب المؤسّسات الناشئة المشاركين في هذه المسابقة، عبر التقريب والتعريف بخدماتهم لدى المستثمرين والفلاحين.

وأعربت المديرة العامة لوكالة النهوض بالاستثمارات الفلاحية التونسية عن استعداد الوكالة لدعم المبادرات الشبابية في هذا المجال من خلال تكثيف المرافقة المختصة والتكوين في مجال التكنولوجيا الحديثة، بالتعاون مع مؤسّسة تونس للأقطاب الذكيّة، بهدف بلوغ مراحل متقدّمة من الانتفاع بهذا التحوّل الرقمي.

ويذكر أن قطاع الفلاحة يواجه صعوبات الحصول على تمويلات، وبحسب خالد العراك مساعد رئيس الاتحاد التونسي للفلاحة، فإن “أغلب المزارعين لا يستطيعون الحصول على التمويلات بسبب تراكم مديونيتهم وهو ما جعل 70 ألف مزارع مدرجين في القائمة السوداء ولا يمكنهم الحصول على هذه القروض مرة أخرى”.

ومن المشاكل الأخرى التي تعترض النشاط الزراعي، عزوف الشباب عن العمل، ووفق العراك فإن “أكثر من 85 في المئة من النشطين في القطاع تتجاوز أعمارهم 55 عاما”.

20