الروبوتات لديها "القدرة" ولكن ماذا عن "المصداقية"؟

هذه الماكينات تفتقد عنصرا أساسيا ألا وهو المصداقية ودونها لن تستطيع مطلقا التفوق على البشر.
الجمعة 2023/08/04
الروبوت "ميندار" واعظ يثير الجدل في اليابان

طوكيو - في قلب مدينة كيوتو اليابانية، يقع معبد "كوداي جي" الذي يعود تاريخه إلى 400 عام مضت. وتحيط بهذا المعبد التاريخي حدائق غناء منسقة وأشجار مرصعة بزهور الكرز في مشهد يبعث على البهجة، ويترك في النفس شعورا بالسكينة والخشوع. وعندما يتقدم الزائر إلى داخل المعبد، سوف يطالعه مشهد ربما يثير الدهشة بعض الشيء، حيث سيجد أمامه راهبا بوذيا مصنوعا من الألمنيوم والسليكون، وهو يلقي موعظة دينية على الجالسين أمامه في الداخل.

وقد تم تصميم الراهب الروبوتي "ميندار" على هيئة إله الرحمة البوذي، وهو جزء من قوة العمل الروبوتية في اليابان التي تثير مخاوف متزايدة تتعلق بالأمن الوظيفي في شتى مجالات العمل، لاسيما وأن الروبوتات شقت طريقها إلى مجالات كنا نظنها في مأمن من الغزو الروبوتي مثل صناعة الصحافة وجلسات الطب النفسي على سبيل المثال.

ويدور الجدل حاليا بشأن ما إذا كانت الروبوتات تستطيع فعلا أن تحل بدلا من الرهبان والقساوسة، أو ما إذا كان لا تزال هناك وظائف لا تستطيع الروبوتات الاضطلاع بها؟

ويقول الباحثان جوشوا كونراد أستاذ العلوم السلوكية بجامعة شيكاغو الأميركية، وكاي شي يام، وهو أستاذ كرسي بكلية إدارة الأعمال بجامعة سنغافورة الوطنية، إن الدراسات التي أجريت على مدار سنوات في مجال طب نفس الأتمتة تشير إلى أن مثل هذه الماكينات مازالت تفتقد عنصرا أساسياً، ألا وهو المصداقية. ودونها، لن تستطيع الروبوتات مطلقا التفوق على البشر.

◙ جزء من قوة العمل الروبوتية في اليابان
◙ جزء من قوة العمل الروبوتية في اليابان

ويوضح الباحثان، في مقال الفارق بين المصداقية والقدرة، حيث يقولان إن "القدرة" هي استطاعة أداء عمل ما، أما "المصداقية" فهي الثقة التي يضعها البشر في شخص أو شيء ما من أجل الاضطلاع بعمل بعينه. ويرى الباحثان أن المهندسين نادرا ما يفكرون بشأن المصداقية عند تصميم روبوت معين، حتى لو كان هذا الروبوت قادرا بالفعل على النهوض بالعمل المنوط به.

ويرى الباحثان أن المصداقية تتطلب الإيمان الحقيقي بأفكار معينة، وإتيان سلوكيات أو تضحيات تثبت هذه القناعة أو الإيمان أمام الآخرين، ومن هذا المنطلق، فإن الروبوتات يمكنها إلقاء مواعظ دينية أو كتابة خطبة سياسية، لكنها لن تترك تأثيرا حقيقيا لدى المتلقي لأنه يعرف في قرارة نفسه أنها ليست مقتنعة في حقيقة الأمر بتلك العبارات أو الأفكار التي تنطق بها أو تكتبها.

وعلى مدار العامين الماضيين، انخرط الباحثان جوشوا كونراد وكاي شي يام في تجربة علمية لتحديد مدى الضرر الذي يمكن أن تتعرض له المؤسسات الدينية بسبب مشكلة غياب المصداقية. واستندت التجربة على فرضية أن الروبوتات قد تبدو مشهدا جذابا في مقاطع الفيديو تحت تأثير المؤثرات البصرية والصوتية، وقد تجتذب الزائرين لمتابعة هذه الخطب الدينية، ولكنها لا تستطيع في نهاية المطاف أن تترك تأثيرا دينيا ملهماً لدى المتابعين.

وأكد الباحثان، أن مثالب نقص مصداقية الروبوتات أصبح من الممكن استشعارها في مجالات مثل الصحافة والرعاية الصحية والقانون والجيش، والسيارات ذاتية القيادة. فرغم أن الروبوتات يمكنها الاضطلاع بهذه المهام، فإنها لا تبعث على الثقة، فمن المستبعد أن يثق القارئ في عنوان صحفي من تأليف روبوت، أو أن يقتنع البشر بقرارات أخلاقية اتخذتها ماكينات وترتب عليها سقوط وفيات في حادث سيارة ذاتية القيادة، أو وقوع قتلى في عملية قصف تقوم بها طائرة مسيرة تقودها منظومة روبوتية.

ويرى الباحثان أن الوظائف التي تتطلب المصداقية يمكن أن تتم بشكل أكثر فعالية إذا ما وجدنا طريقة ما للمزج بين قدرات الروبوتات ومصداقية البشر في آن واحد، بدلا من مجرد الاستغناء عن البشر واستبدالهم بالروبوتات بشكل مباشر. فنحن قد لا نشعر بالثقة في حالة التعامل مع صحافي أو مدرّس روبوتي، ولكننا نثق بالبشر إذا ما اضطلعوا بهذه الوظائف مع وجود روبوت أو منظومة للذكاء الاصطناعي لمعاونتهم.

12