الرصاص الطائش يطال الأطفال في الولايات المتحدة

السلاح يثير الكثير من الجدل والانقسامات بين الأميركيين الذين يحتلون المرتبة الأولى عالميّا في معدل حيازة الفرد للأسلحة.
الجمعة 2021/01/01
ذنبهم الوحيد هو حقهم في الحياة

واشنطن – كان كارميلو دنكن في مقعد الأطفال داخل السيّارة عندما أصابته عدة رصاصات، فأصبح ابن الخمسة عشر شهرا أحد أصغر ضحايا عمليات إطلاق النار في الولايات المتحدة ورمزا للعجز السائد إزاء تنامي العنف بالأسلحة النارية.

وقد كان في الثاني من ديسمبر مع شقيقه البكر البالغ من العمر 8 أعوام داخل السيّارة التي كان يقودها والدهما في جنوب شرق واشنطن عندما أطلق مجهولون النار على المركبة قبل أن يفرّوا على متن سيّارة مسروقة رباعية الدفع.

وقد فارق الصبّي الصغير الحياة في المستشفى، في حين خرج والده وشقيقه سالمين من الحادثة التي تقول الشرطة إنها تجهل دوافعها.

وبات كارميلو الضحية رقم 187 لجرائم القتل بالرصاص التي وقعت هذه السنة في واشنطن وبلغت مستوى قياسيا لم تشهد العاصمة الأميركية مثله منذ 15 عاما مع 197 قتيلا على الأقلّ.

وقد سجّلت عدة مدن أميركية “مستويات قياسية من العنف” الذي اشتدّت وطأته على الشباب، وفق ما جاء في تقرير لمنظمة “إيفري تاون فور غان سايفتي”.

ويعزى تنامي العنف إلى الاحتجاجات التي شهدها البلد إثر مقتل عدّة أميركيين من أصول أفريقية على يد الشرطة من جهة، وإلى وباء كورونا الذي أغرق البلد في أزمة اقتصادية متسبّبا في إغلاق المدارس ووقف البرامج الاجتماعية للشباب من جهة أخرى.

واعتبرت المنظمة في تقريرها أن “العنف بالأسلحة ملأ الفراغ الذي خلّفه غياب موارد الدعم”.

ويعتبر حق حيازة السلاح الفردي في الولايات المتحدة موضوعا شائكا، يثير الكثير من الجدل والانقسامات بين الأميركيين الذين يحتلون المرتبة الأولى عالميا في معدل حيازة الفرد للأسلحة، بحسب الإحصاءات. كما أن معدلات الوفاة الناتجة عن استخدام هذه الأسلحة النارية هي الأعلى وفقا لبيانات منظمة الصحة العالمية.

وقد أودت الأسلحة النارية بحياة أكثر من 18500 شخص هذه السنة في الولايات المتحدة، دون احتساب حالات الانتحار، من بينهم أكثر من 1300 قاصر، وفق منظمة “غان فايلنس أركايف”. وكان 284 من بين هؤلاء في سن الحادية عشرة أو دون ذلك.

وهي حال دايفن ماكنيل الذي أصيب في الرابع من يوليو برصاصة طائشة أطلقها شبّان بالغون احتفالا بالعيد الوطني.

وكان الصبيّ البالغ من العمر 11 عاما يغادر مأدبة غداء في الهواء الطلق نظّمتها والدته كريستل ماكنيل في حيّ شعبي في جنوب شرق واشنطن.

تنديد بـ"ثقافة" الصمت السائدة في أوساط الأميركيين من أصول أفريقية
تنديد بـ"ثقافة" الصمت السائدة في أوساط الأميركيين من أصول أفريقية

ويخبر جدّه جون أيالا “كانوا يطلقون النار لغرض الترفيه”، مشيرا إلى أن أحد هؤلاء الشباب كان قد خرج للتوّ من السجن، مستفيدا من التدابير المتّخذة للحد من انتشار فايروس كورونا المستجدّ في السجون.

وجون أيالا هو من الوجوه المعروفة في أوساط السود في واشنطن منذ عام 1989. وقد أسّس جماعة محلية اسمها “غارديين إينجلز” يتميّز أعضاؤها بقبّعاتهم الحمراء وهدفها التصدّي لأعمال العنف والسفاهات في قطار الأنفاق.

ويقول الجدّ البالغ من العمر 51 عاما “كنت أجوب العالم طوال سنوات… لأمنع حدوث مآس من هذا القبيل. وأكثر ما يؤسفني عند رؤية طفل يقتل بهذه الطريقة هو أننا نعلم أنه لن يكون الأخير”، عاكسا شعورا عاما بالعجز.

وفي الرابع من يوليو قتل أربعة أطفال على الأقلّ دون سن الثامنة برصاص طائش في شيكاغو وأتلانتا وسان فرانسيسكو وسانت – لويس (ميزوري)، بحسب “غان فايلنس أركايف”.

وقد شهدت مختلف المدن والولايات الأميركية خلال السنوات الأخيرة تزايدا كبيرا في وتيرة عمليات وحوادث إطلاق النار. ومنذ وصول الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض مطلع عام 2017، شهد المجتمع الأميركي موجات غير مسبوقة من جرائم الكراهية والتمييز العنصري رفعت معدل حوادث إطلاق النار التي تحصد المزيد من أرواح الأميركيين فيما ارتفعت نسبة الجرائم والاعتداءات على الأقليات إلى أعلى مستوى لها.

ورغم تزايد عدد حوادث إطلاق النار وانتشار الرعب في المجتمع الأميركي، إلا أن الإدارة الأميركية برئاسة دونالد ترامب لم تحرك ساكنا، بل عرقلت أي تحرك قانوني لسن تشريعات جديدة تحد من انتشار الأسلحة في الولايات المتحدة وسهولة حيازتها.

ويندّد جون أيالا بـ”ثقافة” الصمت السائدة في أوساط الأميركيين من أصول أفريقية الذين هم الفئة الأكثر تأثّرا بأعمال العنف هذه، مشدّدا على “ضرورة تغيير العقليات. فالإبلاغ عن جريمة وقعت في مجتمعكم… لا يعني الوشاية”.

وقد أنشأت كريستل ماكنيل مؤسىسة تساعد المشرّدين والشباب المحرومين إحياءً لذكرى ابنها، لكنها تعترف بأن الأعمال الخيرية غير كافية لكبح العنف.

وهي تقول “يمكنكم تنظيم مسيرات لأجل السلم واتّخاذ تدابير والتبرّع بألعاب، لكن كلّ ذلك لن يمنع شخصا من تنفيذ مخطّطاته”.

ويندّد كيفن ماكغيل، مدرّب فريق دايفن لكرة القدم الأميركية، بالعصابات التي لا تتوانى عن تصفية حساباتها دون مراعاة وجود أطفال بالقرب من مكان الحادث، قائلا إن “حوادث كهذه ليست نادرة في منطقتنا”.

وكما كريستل ماكنيل، يسعى موريس بوردن الموظّف في مدرسة رسمية في المدينة إلى التوعية بمخاطر هذه الظاهرة. وقد شارك في تأسيس جمعية “إنديدجينس صنز” التي تنظّم حملات للتبرّع بالطعام والملابس وتطمح لتنظيم تظاهرة شهرية ضدّ انتشار الأسلحة.

ويقول ربّ العائلة هذا البالغ من العمر 39 عاما إن وفاة كارميلو دنكن ينبغي ألا تمرّ عابرة “إلى درجة أن تصبح حدثا عاديا”، في حين تبقى أنباء كهذه محصورة بالأخبار المحلية في وسائل الإعلام.

التوعية بمخاطر الظاهرة في الولايات المتحدة الأميركية
التوعية بمخاطر الظاهرة في الولايات المتحدة الأميركية

 

20