الردع الاستراتيجي يدفع مصر إلى تصنيع الطائرات المسيّرة

أعلنت مصر بكشفها عن الطائرة المسيّرة “نوت” دخولها عالم تصنيع الطائرات من دون طيار، في خطوة رأى عسكريون ومحللون أنها تهدف إلى مواجهة دول منافسة أصبحت بارعة في هذه الصناعة، وتوجيه رسائل دفاعية مفادها أن القاهرة قادرة على مواكبة التطور الذي تشهده الصناعات الدفاعية، بالإضافة إلى الاستفادة اقتصاديا من تصنيع هذه الأنظمة الجوية التكنولوجية اعتمادا على قدرات الجيش المصري والشراكات العسكرية التي تطمح إلى عقدها مع قوى صديقة.
القاهرة - أحيت القيادة السياسية في مصر دور المصانع الحربية التابعة للجيش، والتي قامت بتصنيع عدد من الأسلحة والذخائر بشكل كامل محليا خلال الأعوام القليلة الماضية، بعد أن انخرطت على نحو كبير في تصنيع المعدات والأجهزة المدنية، ما يشي بأن هناك رغبة في عدم اكتفاء القاهرة باستيراد الأسلحة فقط، لكن ربما تدخل حقبة جديدة تشارك فيها في سوق السلاح في المنطقة.
وكشفت السلطات المصرية على هامش معرض “إيدكس” 2021 الذي اختتم الخميس عن إنتاجها أول طائرة من دون طيار محلية الصنع تحمل اسم “نوت” تستطيع حمل 65 كيلوغراما لمدة 14 ساعة في الجو.
وقال الفريق عبدالمنعم التراس رئيس الهيئة العربية للتصنيع، وهي عبارة عن مجمع مصانع تابعة للجيش، “إن الطائرة الجديدة جرى تصميمها وتصنيعها بالكامل بأياد مصرية، ويمكن استخدامها في مهمات لاستطلاع ومراقبة الحدود ونقل المعلومات مباشرة إلى مراكز القيادة للتعامل مع المخاطر على الفور”.
هدف محوري
اتفق عدد من الخبراء العسكريين على أن “نوت”، وتعني باللغة الهيروغليفية “آلهة السماء”، تستهدف إحداث ردع استراتيجي في مواجهة القدرات التصنيعية لقوى إقليمية أصبحت بارعة في صناعة الطائرات دون طيار، أبرزها إسرائيل وإيران وتركيا، والأخيرة تستخدم هذه الطائرات بكثافة في الصراع الدائر في ليبيا.
وأكدت مصادر عسكرية مصرية لـ”العرب” أن هناك قرارا بأن تسعى القاهرة لامتلاك قدرتها الدفاعية، يجري التعامل معه كهدف محوري، وهو ما ظهرت تجلياته في أن نحو 15 في المئة من الأسلحة المعروضة في “إيدكس” صناعة مصرية خالصة، تتنوع بين المدرعات ومركبات القتال وأنظمة تأمين الحدود والهليكوبتر وطائرات التدريب، وصولا إلى الطائرات المسيّرة “الدرونز”، وأن اللقاءات التي عقدها الرئيس عبدالفتاح السيسي مع رؤساء الشركات الفرنسية تمهّد للمزيد من تعرّف القاهرة على صناعة تلك الطائرات.
وأوضحت المصادر ذاتها أن “نوت” يجري تطويرها تكنولوجيا لتساير التقدم الحديث في السوق، وهناك إدراك بوجود تقدم أحرزته بعض الدول الإقليمية في تلك الصناعة، بالتالي فالرؤى المستقبلية تعمل على تطويع التكنولوجيا ومسايرتها بما يجعل مصر قادرة على تصنيع الكثير من المعدات العسكرية المتطورة.
وسبق أن أعلن الجيش المصري في أكتوبر من العام الماضي عن امتلاكه لطائرات حربية موجهة من دون طيار من طراز “وينج لونج” الصينية الصنع، ونشر لقطات للطائرة المسيّرة من دون طيار خلال إقلاعها وإدارتها إلكترونيا.
ويرى خبراء أن توجهات مصر نحو الصناعات العسكرية تركز على الجوانب الدفاعية، وتأكيد أنها تمتلك قدرات هجومية تستطيع من خلالها عدم التخلف عن التقدم الحاصل في الصناعات العسكرية وما تحويه من تطورات لافتة.
وعملت القاهرة على تحويل معرض “إيدكس” الذي استضافته للمرة الثانية، إلى سوق تجارية عسكرية لبعض الدول الأفريقية وتسليح عدد من الجيوش العربية التي تشارك مصر في عملية إعادة تأهيلها.
وجاء الإعلان المصري عن تصنيع الطائرة “نوت” بعد أن طورت المصانع الحربية منظومتي تشويش تستخدمان في مواجهة الطائرات دون طيار، عبر قطع الاتصال بينها وبين الأقمار الصناعية أو المراكز الأرضية للقيادة والتحكم، وهي منظومات دفاعية تستهدف مواجهة التهديدات القادمة من الداخل أو الخارج بعد أن نجحت تنظيمات إرهابية في الحصول على أسلحة متقدمة ترهق عمل الجيوش النظامية.
رسائل دفاعية
قدمت السلطات في معرض “إيدكس” أيضا جهاز رادار صُمم لاكتشاف وتتبع الأهداف دون طيار، فضلا عن جهاز رادار أرضي يُستخدم في اكتشاف المعدات والأفراد، وجميعها دخلت الخدمة وكلها صنعت بكفاءات مصرية.
وقال رئيس وحدة التسليح بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية أحمد عليبة، “إن مصر تستعد للتعامل مع التقديرات غير النمطية لحروب ‘الدرونز’، وتدشن خروجها من المشاركة في الصناعات العسكرية الثقيلة إلى الصناعات التكنولوجية”.
وأكد لـ”العرب”، “أن الرسالة الأهم وراء هذا التطور تتمثل في التأكيد على أن مصر تمتلك بنية تصنيع عسكري محلية وأن الطائرة ‘نوت’ مجرد بداية في هذا السياق، ومن المتوقع أن تكون هناك تطورات على مستوى قدرات الطائرات ذاتها”.
ولفت عليبة إلى أن مصر لا تهتم حاليا بمسألة الدخول في منافسة مع قوى إقليمية أخرى لديها خبرات في صناعة الطائرات من دون طيار، فمن المهم أن تدشن نقطة انطلاق واعدة في الصناعات التكنولوجية، بالتوازي مع الدخول في شراكات عسكرية مع قوى دولية صديقة لديها خبرات في التصنيع العسكري، والاستفادة من الخبرات العربية، كما الحال بالنسبة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، لإحداث قدر من التكامل.
وأعلن فلاديمير جوساكوف رئيس هيئة الأكاديمية الوطنية للعلوم في بيلاروسيا أن بلاده وقعت عقدا مع القاهرة لإنتاج مشترك لطائرات “درونز”، قائلا “اتفقنا على توريد وإنشاء إنتاج طائرات دون طيار في مصر، وتدريب المتخصصين، ومخطط إنتاج طائرات مسيّرة من طرز عدة، بينها ‘ياسترب’، و’بوسيل’، و’ميشين”.
ويشير خبراء عسكريون إلى أن مصر تستهدف من وراء الدخول في تلك الصناعة الاستفادة اقتصاديا من الطلب المتزايد على الأنظمة الجوية المضادة لهذا النوع من الطائرات مستقبلا، وسوف يستمر الاستثمار في هذا الحقل لمواجهة التحديات والإخفاقات المرتبطة بهذا النوع من الأسلحة مزدوجة الاستخدام، حربا وسلما.
وذكر عضو لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب المصري اللواء يحيى الكيدواني، أن الغرض هو تحقيق مصر الاكتفاء الذاتي من الطائرات من دون طيار على أن يجري توظيفها بصورة أكبر في أعمال الاستطلاع والمراقبة والأوضاع الهجومية، وثمة أهداف مرحلية للجيش المصري تتمثل في امتلاك قدر من الردع في مواجهة تنامي استخدام هذه الطائرات في مناطق قريبة من الحدود المصرية وتمثل تهديدا للأمن القومي إذا لم تمتلك البلاد سلاحا يستكيع مواجهتها.
وكشف في تصريح لـ”العرب” أن مصر توجه رسائل دفاعية وليست هجومية إلى قوى توظف الدرونز في أعمال عدائية بالمنطقة، وتسعى إلى مواكبة التطورات الحاصلة في مجالات الصناعات التكنولوجية التي باتت تلعب دورا في تقديرات موازين القوى السياسية في الشرق الأوسط.
وتابع "توالي صفقات السلاح بين مصر ودول عديدة السنوات الماضية حقق التوازن المطلوب منه على مستوى تأمين المصالح الحيوية في شرق البحر المتوسط، والهدف الجديد من الدخول في مجال الدرونز هو إحداث تكامل دفاعي وتكنولوجي للتأكيد على قوة الجيش المصري مصحوبة بقدرات تصنيعية متطورة".
وتسعى القاهرة إلى الحصول على حصة ضمن حصيلة إنتاج دول الشرق الأوسط للطائرات المسيرة العسكرية التي بلغت في السنوات الخمس الماضية 1.5 مليار دولار، مع استثناء إسرائيل، بحسب معهد الدراسات السياسية الدولية، حيث تعد إسرائيل وتركيا وإيران والإمارات والصين من الموردين الرئيسيين للطائرات المسيّرة في المنطقة.