الذكاء الاصطناعي يوفر تقنيات القرصنة لذوي الخبرة المحدودة

واشنطن ـ تضاعفت عمليات القرصنة الإلكترونية بشكل مطّرد خلال السنوات القليلة الماضية، لتطال كبريات المؤسسات الخاصة والحكومية، في الدول ذات الحصانة الإلكترونية المتطورة.
ويرجع ارتفاع عدد الهجمات الإلكترونية إلى استفادة القراصنة من الذكاء الاصطناعي، بينما يطرح السؤال نفسه عن السبب وراء عدم إحداثه ثورة في الدفاع السيبراني، بحسب تقرير نشرته مجلة “فورين أفيرز” الأميركية مؤخرا.
وورد في التقرير أن سرعة انتشار أدوات الهجوم الجديدة المستفيدة من الذكاء الاصطناعي شجعت حتى ذوي الخبرة المحدودة على دخول عالم القرصنة.
ويتمثل جزء من التحدي الإلكتروني اليوم في أن المهاجمين من ذوي المهارات المحدودة يمكن أن ينشروا الفوضى في المؤسسات ذات أدوات الحصانة المعقدة.
ومع تطوير أدوات جديدة للذكاء الاصطناعي فمن المرجّح أن تصبح تلك المؤسسات متاحة بشكل أسهل، فبالرغم من أن عددا قليلا نسبيا من المهاجمين يفهمون تقنيات الذكاء الاصطناعي الأساسية، لكن بفضل توفر أدوات بسيطة عبر الإنترنت، يمكنهم إنشاء فيديو أو صوت اصطناعي ببضع نقرات بالفأرة.
التحدي الإلكتروني اليوم يتمثل في أن المهاجمين يمكن أن ينشروا الفوضى في المؤسسات ذات الحصانة المتطورة
ويقول تقرير المجلة نصف الشهرية إن تقنيات الذكاء الاصطناعي تلك ساهمت في مساعدة الصين وروسيا في تحقيق مكاسب جيوسياسية انطلاقا من قواعد هجومية على الإنترنت.
واستفادت الصين من الإنترنت للانخراط في السرقة الجماعية للملكية الفكرية، كما استخدمت روسيا العمليات الإلكترونية إلى جانب حملات التضليل لتعطيل العملية السياسية الأميركية (الانتخابات) على سبيل المثال.
وكان تقرير تقني قد حذّر من أن قراصنة صينيين قد يحاولون سرقة بيانات مشفرة ذات أهمية فائقة، مثل معلومات طبية حساسة وتصميمات الأسلحة وهويات عملاء الاستخبارات بهدف فك تشفيرها مستقبلا عن طريق الحواسيب الكمية، وهي أجهزة كمبيوتر يتوقع أن تعالج البيانات بسرعة وكفاءة غير مسبوقة.
وحذرت شركة الاستشارات التكنولوجية الأميركية “بوز ألين هاميلتون” في تقرير بعنوان “التهديدات الصينية في العصر الكمي” من سرقة “مجموعات التهديد الصينية” لبيانات مشفرة هامة، مشيرة إلى أن فك التشفير بمساعدة التقنية الجديدة في المستقبل سيكون أسرع من التشفير بواسطتها ما يمنح القراصنة ميزة.
ووفق تقرير “بوز ألين هاميلتون”، بحلول نهاية العقد الحالي، ستجمع “مجموعات القرصنة” الصينية البيانات التي تمكن أجهزة المحاكاة الكمية من اكتشاف أدوية ومواد كيميائية جديدة ذات قيمة اقتصادية.
وورد في تقرير مجلة “فورين أفيرز” إنه حتى إذا تم إحباط المحاولات الحالية فلن يكون هناك شك في أن الدول والقراصنة سيتجهون إلى الذكاء الاصطناعي لدعم أنشطتهم الهجومية.
ولا يزال بإمكان الصين وروسيا تحقيق مكاسب هجومية بأدوات بسيطة، كما يمكن لهما الانتقال مستقبلا إلى قدرات الذكاء الاصطناعي لتركيز هجمات أكثر دون الكشف عن هويتهما.
واستدل التقرير على ذلك بالقول إن الصين سبق وأن أشارت إلى نيتها أن تصبح رائدة العالم في مجال الذكاء الاصطناعي وتقوم باستثمارات كبيرة في مجال الإنترنت. وعقدت الصين أكثر من اثنتي عشرة مسابقة تركز على اكتشاف الثغرات الأمنية تلقائيا.

ويمكن أن تساعد هذه التقنيات ذات الاستخدام المزدوج في تأمين الشبكات أو توفير أدوات جديدة للمتسللين الذين ترعاهم الدولة.
وسيكون الذكاء الاصطناعي في المستقبل مدفوعا بضرورتين مختلفتين، فبالنسبة إلى العقلية الهجومية سيتم تصميم أدوات الذكاء الاصطناعي لتحقيق أقصى قدر من التأثير، ما يعني أن الجريمة سوف تسعى للأدوات التي تتحرك بسرعة وتدخل وتحقق الأهداف.
أما بالنسبة إلى العقلية الدفاعية فستكون أكثر تقييدا، فبينما تبقى أولويتها هي صد الهجمات، سيكون عليها إبقاء الشبكات الحكومية عاملة.
وتشكل الهجمات الإلكترونية بالفعل تهديدا جيوسياسيا كبيرا، إذ أن إضافة الذكاء الاصطناعي إلى المسعى المستمر لبعض الدول في إلحاق الضرر بدول أخرى يجعل الأمر أكثر خطرا.
وخلص تقرير “فورين أفيرز” إلى أنه من المهم أن يبدأ المدافعون عن الشبكة ومطورو الذكاء الاصطناعي العمل معا لتطوير قدرات إلكترونية دفاعية جديدة للذكاء الاصطناعي لمواجهة مهاجمين لن يكونوا معروفين مستقبلا.
وجذبت الهجمات التي استهدفت في الآونة الأخيرة شبكة أنابيب نفطية أميركية وشركة لتعليب اللحوم ونظام البريد الإلكتروني لدى “مايكروسوفت إكستشنج” الانتباه إلى ضعف البنية التحتية الأميركية أمام القراصنة الرقميين الذين يبتزّون مبالغ طائلة من هذه الشركات الضخمة.
وجرائم الإنترنت آخذة في الازدياد، إذ أظهرت أحدث البيانات الصادرة في أكتوبر الماضي أنّ السلطات الأميركية تلقّت في النصف الأول من العام الجاري بلاغات عن 590 مليون دولار من المدفوعات المتعلّقة ببرامج الفدية، أي أكثر بنسبة 42 في المئة من إجمالي مدفوعات الفديات المعلنة من جانب المؤسّسات المالية في عام 2020 بأكمله، وفقا لتقرير وزارة الخزانة الأميركية.
وتواجه الشركات والمؤسسات ضغوطا شديدة لدفع المبلغ المطلوب من أجل تمكينها من الوصول إلى بياناتها، ولكن أيضا للتستّر على الهجوم حتى لا يعلم به العملاء والسلطات التي تصدر تحذيرات صارمة بعدم دفع فديات مالية للمجرمين.