الذكاء الاصطناعي يلاحق المهاجرين في الولايات المتحدة

التكنولوجيا الفائقة وأدوات المراقبة الحديثة تدعمان السياسات الصارمة.
الأحد 2024/07/28
ملاحقون من حيث لا يعلمون

الذكاء الاصطناعي سلاح يتم استخدامه بحسب رغبات مستخدميه، فمنذ وضع دونالد ترامب قوانين زجرية صارمة لملاحقة المهاجرين أينما حلوا وحيثما تخفوا، أصبح الاعتماد كبيرا على الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الفائقة التي تتيح أدوات المراقبة الحديثة الأخرى والتي تشمل التعرف على الوجوه وقارئات لوحات الترخيص.

لوس أنجلس (الولايات المتحدة)- كانت مارو مورا فيلالباندو تعيش في الولايات المتحدة منذ 21 سنة عندما وصلها إشعار بالترحيل إلى باب منزلها.

كانت قد مرت 11 شهرا على رئاسة دونالد ترامب، واعتقدت مورا فيلالباندو أنها اتخذت جميع الخطوات اللازمة لإخفاء عنوانها عن السلطات، لكنها لم تدرك أن مسؤولي الهجرة يمكنهم تتبع مكان وجودها باستخدام معلومات افترضت أنها خاصة، مثل تسجيل سيارتها أو فواتير الخدمات.

وقالت مورا فيلالباندو، وهي ناشطة مجتمعية تعمل مع مجتمعات المهاجرين وغير المسجلين في سياتل بواشنطن، “لم أكن أعرف أن كل هذه البيانات تصل إلى السلطات. كنا نرى أعوان الهجرة والجمارك خارج منازلنا، ولم نكن نعرف كيف يجدوننا، لكننا نعرف الآن”.

ويصبح التعامل مع الهجرة مشروعا للتكنولوجيا الفائقة على نحو متزايد. ويمكن للسلطات تتبع المهاجرين باعتماد وسطاء المعلومات الذين ينشئون ملفات تعريف مفصلة للمهاجرين بناء على الآلاف من نقاط البيانات، إضافة إلى أدوات المراقبة الحديثة الأخرى التي تشمل التعرف على الوجه وقارئات لوحات الترخيص.

بوكس

ويمكن أن تساعد الخوارزميات في تحديد مصير المهاجر في مجموعة من القضايا، مثلما إذا كان يضع جهاز تتبع الكاحل أو إذا كانت حالة لجوئه مشبوهة.

وتعتمد السلطات الذكاء الاصطناعي بشكل غير مسبوق. ويخشى الناشطون من أن يولّد قوائم للترحيل أو يرفض تلقائيا طلبات اللجوء بشكل جماعي.

وتشعر العديد من المنظمات التي تعمل مع مجتمعات المهاجرين بالقلق مع تقدم دونالد ترامب في استطلاعات الرأي، حيث يمكن استخدام هذه الأدوات لاستهداف سريع ثم ترحيل جزء من أكثر من 11 مليون شخص غير موثقين يعيشون في الولايات المتحدة.

وأكدت جاسينتا غونزاليس، المديرة الميدانية لمنظمة ميجانتي الشعبية التي تعمل على قضايا الهجرة، وجود “بنية تحتية تكنولوجية ضخمة جاهزة لهذه المهام”.

وقالت وزارة الأمن الداخلي، التي تشرف على إنفاذ قوانين الهجرة، في مذكرة صدرت في 2023 إنها “لن تستخدم تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي لتمكين المراقبة أو التتبع المنهجي أو العشوائي أو واسع النطاق للأفراد بشكل غير مناسب”.

ولطالما واجه المهاجرون غير الشرعيين خطر الترحيل. ويشمل هذا أولئك الذين وصلوا إلى الولايات المتحدة حين كانوا أطفالا أو الذين عاشوا فيها كامل حياتهم.

ولم يتمكن الكونغرس أبدا من تمرير قانون من شأنه تطبيع وضعهم بعد أكثر من عقدين من المحاولات. واختارت السلطات بدلا من ذلك تجنب ترحيل شرائح معينة من السكان، مثل المهاجرين الذين جلبهم آباؤهم قبل بلوغهم سن الثانية، وهي فئة تعرف باسم “الحالمين”.

وتغير عدد المهاجرين الذين أمكن ترحيلهم من داخل البلاد بشكل كبير خلال العقد الماضي، حيث تراوح بين أقل من 60 ألف إلى أكثر من 200 ألف.

وقال مظفر تشيشتي، وهو زميل بارز في معهد سياسة الهجرة، إن “الحديث عن الترحيل الجماعي أسهل من تطبيقه”.

وتوجد خطوات متعددة لترحيل شخص غير موثق. ويشك تشيشتي في أن لترامب القدرة على حشد القوى العاملة أو المال أو الخدمات اللوجستية لترحيل الملايين الذين وعد بطردهم.

وأضاف “قد يكون الجميع تحت المراقبة ولكن الترحيل ليس سهلا”. ويرى أن البيئة التي أصابت المعنيين بالرهاب خلقت جوا من القلق من السيناريو الذي يحدث فيه الترحيل الجماعي.

◄ السلطات اختارت بدلا من ذلك تجنب ترحيل شرائح معينة من السكان، مثل المهاجرين الذين جلبهم آباؤهم قبل بلوغهم سن الثانية

واتخذ رامب موقفا متشددا بشأن الهجرة عندما تولى السلطة بين 2017 و2021. وحاول منع دخول المسلمين، وفصل الأطفال عن أسرهم على الحدود، وأمر عملاء وكالة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك بالولايات المتحدة بترحيل بعض المهاجرين دون جلسة استماع أمام قاض.

وتحول تركيز الجماعات المؤيدة للهجرة إلى كيفية دعم التكنولوجيا لمثل هذه السياسات الصارمة. وشكلت تحالفا في 2018 يسمّى “لا تكنولوجيا لوكالة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك”، وضغط على الشركات الخاصة لقطع العلاقات مع وكالات إنفاذ الهجرة.

وقالت غونزاليس “أدركنا أن الكثير من هذه القرارات كانت مؤتمتة وأن البيانات التي جمعوها كانت هائلة”.

ولا يحتاج مسؤولو الهجرة إلى أمر قضائي للمراقبة التي يقومون بها. وتعمل السلطات بشكل متزايد على حشد جميع أنواع البيانات التي يمكن أن تساعد في تحديد مكان المهاجرين غير الشرعيين.

ووجد تقرير عام 2022 الصادر عن مركز الخصوصية والتكنولوجيا بجامعة جورج تاون أن لوكالة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك إمكانية الوصول إلى رخصة قيادة ثلاثة من كل أربعة أشخاص.

كما حدد أنها قد استخدمت بالفعل تقنية التعرف على الوجوه للبحث في ثلثها، ويمكنها تلقائيا تحديد عنوان 74 في المئة من البالغين عبر البيانات الموجودة في أيّ فاتورة خدمات.

وذكر التقرير أن وكالة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك أنفقت حوالي 2.8 مليار دولار على مبادرات جمع البيانات ومشاركتها بين 2008 و2021.

وقالت إميلي تاكر، رئيسة مركز جورج تاون للخصوصية والتكنولوجيا، “إذا نظرت إلى المبلغ الذي ينفقونه، فسترى أنهم يعتقدون أن المراقبة هي مستقبل إنفاذ قوانين الهجرة”.

بوكس

ودعمت مجموعة من المشرعين من الحزبين الديمقراطي والجمهوري في 2021 التعديل الرابع، الذي يمكن أن يحد من البيانات التي يمكن لسلطات الهجرة شراؤها في السوق المفتوحة. وينهى التعديل عن المساس بحق الناس في أن يكونوا آمنين في أشخاصهم ومنازلهم ومستنداتهم ومقتنياتهم من أيّ تفتيش أو احتجاز دون سبب. لكن المساعي توقفت في مجلس الشيوخ.

كما صعّدت الإدارة الحالية عمليات الترحيل بينما قدمت الإغاثة لفئات معينة من المهاجرين غير الشرعيين، كالمتزوجين من مواطنين أميركيين.

تشعر جولي ماو، المحامية في مجموعة “جست فيوتشرز لو” القانونية للهجرة، بالقلق من احتمال فرز ترامب بولاية ثانية. وتشير إلى احتمال إساءة استخدام مجموعة أميركية غنية من وسطاء البيانات وأدوات المراقبة الذكاء الاصطناعي والخوارزميات الذكية، حيث وعد ترامب بإنشاء “قوة ترحيل” جديدة وتجميع الملايين من المهاجرين.

وقالت “يمكنهم بسهولة ملء قوائم طويلة من المواقع الحالية للمهاجرين المراد ترحيلهم باستخدام أدوات المراقبة وشبكة وسطاء البيانات. أصبح الكثيرون مستعدين للرحيل”.

وشاركت ماو خلال الشهر الماضي في تأليف تقرير عن الأدوات التي تعتمد الذكاء الاصطناعي والتي تستخدمها وزارة الأمن الداخلي، وهي تشمل أدوات لمراجعة الملايين من طلبات اللجوء للكشف عن الاحتيال، ومسح وسائل التواصل الاجتماعي للإبلاغ عن منشورات المهاجرين.

ولم ترد وزارة الأمن الداخلي على طلب للتعليق.

وقال أنطونيو غوتيريز، المؤسس المشارك لمجموعة المجتمعات المنظمة ضد عمليات الترحيل ومقرها شيكاغو، إن “شعورا قويا بالخوف وعدم اليقين بشأن ما يمكن أن تبدو عليه ولاية ثانية لترامب” ينتشر بين المهاجرين غير الشرعيين. وأضاف “نحن أكثر قلقا مما كنا عليه في 2016 بسبب جميع الأدوات الجديدة”.

وأسقط قاض في إلينوي مؤخرا دعوى قضائية رفعتها مجموعة المجتمعات المنظمة ضد عمليات الترحيل مع جست فيوتشرز لو ضد وسيط البيانات لكسيس نيكسس لمشاركة بيانات المهاجرين بشكل غير مناسب مع الحكومة.

وقال المتحدث باسم الشركة، بول إيكلوف، لمؤسسة تومسون رويترز في ردّ عبر البريد الإلكتروني إن لكسيس نيكسس “تدعم الاستخدام المسؤول للبيانات وفقا للقوانين واللوائح الحاكمة وأفضل الممارسات الصناعية”.

ووجدت الوثائق التي حصلت عليها جماعات حقوق المهاجرين أن سلطات الهجرة بحثت في قاعدة البيانات أكثر من مليون مرة خلال فترة لم تتجاوز سبعة أشهر.

وقدمت تومسون رويترز خدمات مماثلة لسلطات الهجرة. وتقول رويترز إن بياناتها لا تستخدم سوى في التحقيقات الجنائية.

وقال غوتيريز إن مجموعة المجتمعات المنظمة تستعد لموجة ترحيل محتملة مدعومة بالتكنولوجيا تضرب شيكاغو. وذكر أن الآباء غير المسجلين سيضطرون إلى إعداد تعليمات تضمن رعاية أطفالهم في حالة احتجازهم فجأة في عهد ترامب. ويشبه استعداداتهم قبل انتخابات 2016. وأكد أن الجميع خائفون.

 

13