الذكاء الاصطناعي يزحف ببطء لاحتلال المشهد الفني

شركات تدافع عن الآلة وفنانون يخشون فقدان الوظائف.
الجمعة 2022/09/09
آخر إبداعات الذكاء الاصطناعي المثيرة للجدل للفنان جيسون ألين

ما بدأ في سبعينات القرن الماضي على أيدي فنانين يعبثون ببرامج كمبيوتر أصبح اليوم عملا مزدهرا مع أعمال تم إنشاؤها بالاستعانة بتطبيقات ذكية، وفازت بمسابقات الفنون الرقمية وحصدت مبالغ ضخمة وأثارت تساؤلات حول الفن في عصر الذكاء الاصطناعي.

إدنبرة (اسكتلندا) - للوهلة الأولى تبدو سلسلة الوجوه المشوهة بألوانها الأساسية المتنافرة من عمل البشر، لما تمتاز به من ضربات فرشاة وخلفيات ملطخة حرة.

ومع ذلك، الصور التي عرضها الفنان المقيم في اسكتلندا بيري جونسون تم تنفيذها في الواقع من قبل الذكاء الاصطناعي، وهو ما يعكس اتجاها متزايدا في عالم الفن.

واستخدم جونسون برنامج التعلم الآلي، حيث تأخذ الخوارزميات موجها نصيا وتحلل البيانات لإنتاج الآلاف من الصور، قبل اختيار الصور المفضلة لديه وتصقلها.

“الذكاء الاصطناعي يزحف ببطء لاحتلال المشهد الفني”، وهو ما أكده الفنان الشاب البالغ من العمر 31 عاما في مقهى بمدينة إدنبرة ليس بعيدا عن صخب أكبر مهرجان للفنون في العالم.

ليتابع “ما أحببته هو البعد الإنساني الذي تألقت من خلاله، وهذا ما كنت أبحث عنه. العمل في النهاية بدا وكأن فنانا حقيقيا قام برسمه”، مضيفا أن الذكاء الاصطناعي سمح له بتمديد نفسه بشكل خلاق على الرغم من افتقاره إلى القدرة على الرسم.

بدأ جونسون، وهو صانع أفلام للإعلانات التجارية، في العمل في الأعمال الفنية مستعينا بالذكاء الاصطناعي هذا العام، وهو واحد من عدد متزايد من الأشخاص في القطاع الإبداعي الذين يجربون البرمجيات التي أثارت جدلا حول مستقبل الفن ودور الإنسان مقابل الآلة.

المثال الأكثر شهرة “إدموند دي بيلامي”، عمل يصور صورة ضبابية لرجل يرتدي قميصا أسود وياقة بيضاء بيعت في مزاد علني مقابل 432 ألف دولار في عام 2018، على الرغم من أنها حملت تقديرا مسبقا للبيع يتراوح بين 7000 دولار و10000 دولار.

ومع ذلك، فإن التقدم في الذكاء الاصطناعي قد غذى المخاوف بشأن الآثار الأخلاقية والقانونية المترتبة على المشاركة في إنشاء الفن مع الآلة.

لمسة إنسانية

85

مليون وظيفة من مختلف القطاعات ينهيها الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2025

وقال جونسون “إنه غرب متوحش إلى حد كبير”، مضيفا أنه حاول أن يفرش أوراقه بوضوح “فوق الطاولة” عندما يتعلق الأمر باستخدام الأعمال المحمية بحقوق الطبع والنشر. ومع ذلك، قال إنه من الصعب معرفة ما إذا كانت البيانات التي تستخدمها برامج الذكاء الاصطناعي لإنشاء أعماله الفنية خالية من الحقوق.

هناك تطبيقات ذكية تستخدم أدوات توليد الفن بالبحث عن الصور وتقليد الأساليب، مستخدمة لذلك أعمالا محمية بحقوق النشر لإنشاء قطعة فنية جديدة، مما يثير مخاوف الفنانين من السرقة الرقمية.

قوانين حق المؤلف في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، على سبيل المثال، لا تغطي صراحة الفن الذي تم إنشاؤه بواسطة الذكاء الاصطناعي، مما يترك بعض الفنانين يتساءلون إن كان الذكاء الاصطناعي سيساهم في تطوير الإبداع أو يعيقه.

ويطرح الاستخدام المتزايد للذكاء الاصطناعي في إنتاج أغلفة المجلات أو الملصقات أو إنشاء الشعارات، السؤال الشائك حول ما إذا كان الذكاء الاصطناعي يمكن، أو سيحل، محل الفنان في نهاية المطاف.

وحذر فنان الرسومات وصانع الأفلام ثلاثية الأبعاد الحائز على جوائز ديفيد أوريلي، الذي يكتب عن هذه القضية، من أن “كل من يساهم في الذكاء الاصطناعي يسرع من أتمتة خاصة به”.

وقدرت دراسة أجراها المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2020 أن الذكاء الاصطناعي سيدمر 85 مليون وظيفة بحلول عام 2025، ولكن أيضا ستخلق التكنولوجيا 97 مليون وظيفة جديدة في مختلف الصناعات.

الاستخدام المتزايد للذكاء الاصطناعي ألقى قضايا معقدة تتعلق بالأخلاق وحقوق التأليف والنشر والخصوصية، ليصبح الفن أحدث قطاع لاختبار حدود القانون

من النادل الميكانيكي وروبوت الرعاية الصحية البشرية إلى إحياء المشاهير الموتى رقميا، ألقى الاستخدام المتزايد للذكاء الاصطناعي قضايا معقدة تتعلق بالأخلاق وحقوق التأليف والنشر والخصوصية، ليصبح الفن أحدث قطاع لاختبار حدود القانون.

كان لدى ستيفن ثالر، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة التكنولوجيا “إيماجنيشن إنجن” ومقرها ميسوري، مطالبة بحقوق الطبع والنشر لعمل فني تم إنشاؤه بواسطة الكمبيوتر رفضه مجلس مراجعة حقوق الطبع والنشر الأميركي في فبراير.

وقال المجلس إن عمله، الذي يصور مسارا فارغا للسكك الحديدية يمر عبر جدار من الزهور البنفسجية، “يفتقر إلى التأليف البشري اللازم لدعم المطالبة بحقوق الطبع والنشر”.

وقال بيرنت هوغنهولتز، أستاذ قانون حقوق الطبع والنشر في جامعة أمستردام، إن الدعاوى القضائية المستقبلية ستتوقف على ما إذا كان الشخص يتخذ خيارات إبداعية، وهو “اختبار تجريدي للغاية”.

وقال إن شخصا ما إذا ضغط ببساطة على زر أو زرين لإنتاج الفن، أو أعطى مطالبة نصية عامة مثل “إنشاء صورة لقرد يرتدي قبعة سخيفة”، فهذا ليس عملا إبداعيا ولا يمكن للشخص أن يكون المؤلف بموجب قانون حقوق الطبع والنشر في الاتحاد الأوروبي.

ومع ذلك، إذا استخدم شخص ما مطالبة محددة للغاية، وأنشأ العديد من الصور، واختار من تلك الصور، وأجرى المزيد من التعديلات، فقد يبرر ذلك التأليف.

عدم اليقين

"إدموند دي بيلامي" صورة ضبابية لرجل يرتدي قميصا أسود وياقة بيضاء بيعت في مزاد مقابل 432 ألف دولار عام 2018

وقال هوغنهولتز إنه يرى أيضا إمكانية حدوث اشتباكات قانونية عندما يتعلق الأمر بانتهاك الأساليب الفنية والأعمال المشتقة.

لكي يعتبر العمل قابلا لحقوق الطبع والنشر، يجب أن يكون الإبداع الجديد أصليا بما فيه الكفاية.

وقد واجهت البرامج الشعبية المولدة للصور مثل DALL-E التابعة لـOpenAI  ومقرها سان فرانسيسكو، انتقادات مؤخرا على هذه الجبهة.

يتم تدريب هذه الأدوات باستخدام التعلم الآلي على مجموعات بيانات ضخمة، مع الملايين من الصور التي تم إنشاؤها بالفعل من قبل فنانين بشر، يتم إدخالها في النظام لتحسين مخرجاته.

ويتساءل بعض الفنانين عما إذا كانت شركات الذكاء الاصطناعي صادقة، أو حتى على دراية، في ما إذا كانت الصور المستخدمة لتحقيق هذه الغاية محمية بحقوق الطباعة والنشر.

عندما سمح OpenAI في يوليو لمستخدمي DALL-E باستخدام فنه التوليدي لأغراض تجارية، وانتقل إلى خدمة اشتراك مدفوعة، انتقد الفنان أوريللي هذه الخطوة.

ووصف ذلك بأنه “عملية احتيال” في منشور على إنستغرام، قائلا إن التطبيق يستغل “كميات هائلة من الإبداع البشري”.

وقالت الشركة المنتجة للتطبيق إن مئات الملايين من الصور في بيانات التدريب الخاصة بالبرنامج كانت إما مرخصة من قبل الشركة، أو جاءت من مصادر متاحة للجمهور.

علاوة على ذلك، تجادل الشركة بأن الصور التي تنشئها يجب أن تكون قابلة لحقوق الطبع والنشر، وقال متحدث باسم الشركة إنها تصنع “صورا فريدة وأصلية لم تكن موجودة من قبل”.

ومع ذلك، قال أوريللي إن شركات التكنولوجيا تستغل عدم اليقين القانوني بشأن حقوق الطبع والنشر.

وأضاف أن لضمان استفادة الفنانين من أعمالهم، تجب مراجعة البيانات المستخدمة لتحسين الخوارزميات بشكل علني ومنح الفنانين خيار المساهمة بفنهم أم لا.

مساعدة أم إطاحة؟

جيسون ألين: لقد فزت، ولن أعتذر عن ذلك
جيسون ألين: لقد فزت، ولن أعتذر عن ذلك

في الأسبوع الماضي، أثار الفنان جيسون ألين الجدل بفوزه بالجائزة الكبرى في معرض ولاية كولورادو في الولايات المتحدة بعمله الفني الذي تم إنشاؤه باستخدام الذكاء الاصطناعي، ويصور ثلاثة بشر في صورة ظلية من نافذة مذهبة.

وقال ألين في المنشور “قمت بإنشاء المئات من الصور باستخدام هذا البرنامج، واخترت أفضل 3 صور لدي وطبعتها على قماش بعد الترقية باستخدام  تطبيق غيغابيكسل”.

وعبر العديد من الفنانين عن غضبهم على وسائل التواصل الاجتماعي من الجائزة، حيث يخشى بعضهم على سبل عيشهم.

وقال أحدهم “دخل شخص ما في مسابقة فنية بقطعة تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي وفاز بالجائزة الأولى. هذا سخيف جدا”.

وكتب مستخدم آخر “نحن نشاهد موت الفن أمام أعيننا مباشرة. إذا لم تكن الوظائف الإبداعية آمنة من الآلات، فحتى الوظائف التي تتطلب مهارات عالية معرضة لخطر الإهمال”.

وغرد مستخدم آخر “هذا أمر مقزز للغاية. يمكنني أن أرى كيف يمكن أن يكون فن الذكاء الاصطناعي مفيدا، لكن لا يمكنك ادعاء أنك فنان من خلال لوحات تم إنشاؤها بالذكاء الاصطناعي. يمكن للكثير من الأطفال أن يغشوا باستخدام هذه الطريقة”.

وقال ألين “لن أعتذر عن ذلك. لقد فزت، ولم أخالف أي قواعد”. وقال جيسون إنه يعتقد أن بعض الأعمال الفنية، مثل القصص المصورة لإنشاء مقاطع فيديو، ستصبح آلية. وأضاف “إنها مسألة وقت فقط”.

12