الذكاء الاصطناعي يرسل أصحاب المهن الإبداعية إلى العيادات النفسية

عمال وموظفون يُبدون قلقاً من رؤية وظائفهم تخضع لتحوّلات رقمية أو تختفي.
الأحد 2023/08/06
من إبداعات الذكاء الاصطناعي

كلما تطور الذكاء الاصطناعي التوليدي ازداد الجدل حول إيجابياته وسلبياته، فعلى الرغم من أنه بصدد تقديم خدمات عديدة في مجالات مثل الطب، إلا أن تقدمه في المجالات المتعلقة بالفنون والإبداع يثير قلقا للعاملين في هذا القطاع، ما يدفعهم إلى زيارة العيادات النفسية واستشارة الاختصاصيين النفسيين حول مستقبلهم المهدد بالبطالة.

نيويورك - يَعد الذكاء الاصطناعي بإحداث ثورة في مجموعة واسعة من المهن، في توقّع يحمل مخاوف لعدد كبير من العمال الذين يُبدون قلقاً من رؤية وظائفهم تخضع لتحوّلات أو تختفي.

ما كان قبل نوفمبر 2022 عقب إطلاق برنامج “تشات جي.بي.تي” ليس كما بعده، فما يُسمّى بالذكاء الاصطناعي التوليدي أظهر قدرة على الاستجابة بطريقة موثقة لكلّ ما يُطلَب منه بلغة شائعة.

وتقول عاملة في مجال الرسوم البيانية لم ترغب في ذكر اسمها، إنّ “الناس بدأوا يدركون أنّ بعض المهارات التي طوّروها وتخصصوا بها يمكن أن يحل محلها الذكاء الاصطناعي بأسلوب واقعي”.

وهذه المرأة المتحدرة من نيويورك والمعتادة على قطاع الإعلام الذي شهد عمليات صرف كبيرة للعاملين فيه، لم تعد متأكدة راهناً مما ستبدو عليه الوظائف في المجال الذي تعمل فيه “في غضون خمس سنوات أو حتى قبل ذلك”.

من غير المحتمل أن تكون أدوات الذكاء الاصطناعي مثل "تشات جي.بي.تي" و"ميدجورني" نذيراً بزوال الفن

وفي حالتها، أتت الصدمة من الصور التي ابتكرتها برامج منها “ميدجورني” و”ستايبل ديفيوشن” “دال – إي” و”كرايون” لتوليد صور بمجرّد إدخال بعض الكلمات المفتاحية باللغة الإنجليزيّة مثل “رائد فضاء يركب حصاناً على كوكب المريخ”، وذلك باستخدام قواعد بيانات ضخمة تعزّزها أيضاً طلبات المستخدمين.

ويشرح ديفيد فيشينغر المهندس المتخصّص في الذكاء الاصطناعيّ في جامعة فيينا للتكنولوجيا أنّ عمل الذكاء الاصطناعي لا يقوم على مجرّد اقتطاع أجزاء من صورٍ لإعادة تركيبها، إذ “يلجأ إلى الملايين بل المليارات من الصور لاستخراج بيانات منها، ثمّ يعيد استخدامها لتوليد صورة جديدة تماماً”.

وتقول المحللة النفسية المتحدرة من نيويورك كلير غوستافسون التي تطرّق عدد كبير من مرضاها إلى الذكاء الاصطناعي، إنّ “كل شيء جديد وغير مألوف يسبّب القلق”.

وتضيف أنّ “التكنولوجيا تتقدّم بسرعة كبيرة لدرجة أنه من الصعب إيجاد نقاط مرجعية لها”.

وأبدى أحد العاملين في مجال الترفيه قلقه للمعالجة النفسية ميريس باول من مسألة استعمال الذكاء الاصطناعي في السينما والتلفزيون، وهي نقطة رئيسية يُضرِب بسببها الممثلون وكتّاب السيناريو في هوليوود.

وتؤكد غوستافسون أنّ “المهن الإبداعية هي التي تواجه القلق الأكبر” في هذا الشأن.

ويرى أكاديميان أميركيان يكتبان في مجلة “ساينس” أن أدوات الذكاء الاصطناعي قادرة على تقديم “وسائط فنية عالية الجودة للفنون المرئية، وفن المفهوم، والموسيقى والأدب، إضافة إلى الفيديو والرسوم المتحركة”.

Thumbnail

ومع ذلك، فإنه من غير المحتمل أن تكون أدوات الذكاء الاصطناعي مثل “تشات جي.بي.تي” و”ميدجورني” التي يتم استخدامها بالفعل لكتابة مقاطع من الروايات وعمل صور واقعية “نذيراً بزوال الفن”.

وأوضح الباحثان أنه “كمجموعة من الأدوات التي يستخدمها المبدعون من البشر، يتم وضع الذكاء الاصطناعي التوليدي لقلب العديد من قطاعات الصناعة الإبداعية وما وراءها، ما يهدد الوظائف الحالية ونماذج العمل على المدى القصير”.

لكنّ المبرمجين والمستشارين عبر الهاتف والمتخصصين القانونيين أو الماليين أو المحاسبين أو الصحافيين باتوا أصلاً في مرمى الذكاء الاصطناعي التوليدي الذي يمكنه إنتاج مقالة أو أي نصوص في ثوان.

ويشير محللون من بنك غولدمان ساكس إلى أن الذكاء الاصطناعي التوليدي سيزيل أو يقلّص محتوى نحو 300 مليون وظيفة بدوام كامل خلال الفترة المقبلة، حيث تتم أتمتة بعض المهام والوظائف في جميع أنحاء العالم، بحسب دراسة نُشرت في مارس.

وبحسب الدراسة، فإن تقنيات الذكاء الاصطناعي ستقوم بمهام ربع الوظائف في الولايات المتحدة وأوروبا.

ويقول إريك (29 عاماً) الذي يعمل في بنك ويعتزم تغيير مهنته “أتوقع أن تصبح وظيفتي قديمة في غضون عشر سنوات، لأنّ قدرات الذكاء الاصطناعي تتيح له أداء غالبية المهام التي يؤديها موظفو البنوك”.

وتقول غوستافسون “عندما اخترق تشات جي.بي.تي حياة الناس، انتاب الجميع قلق، حتى المعالجين النفسيين”، إذ تحدّث البعض عن احتمال أن يتم استبدالهم بالذكاء الاصطناعي.

وتضيف المتخصصة في دعم الأشخاص الذي يواجهون تغييرات مهنية “لم يتسبب بهذا القلق الكبير على المستوى الاجتماعي سوى التغيّر المناخي وفايروس كورونا”.

Thumbnail

وتعمل مع مرضاها لمساعدتهم على “قبول المجهول” و”إيجاد طرق لاستخدام التقنيات الجديدة لمصلحتهم”.

أما العاملة في مجال الرسوم البيانية فطوّرت أخيراً مهاراتها في مجال الترميز، وتبدي رغبة في إتقان التحرير، لكنها تشعر الآن أن أهمية هذه المهارات ستتراجع في عالم ما بعد الذكاء الاصطناعي.

وتضيف “في السابق، كنت أودّ إنجاز أشياء تهمّني أو اكتساب مؤهلات أحبّها. أما اليوم، فأفكّر في كل ما سيكون مفيداً في المستقبل”.

ويؤكد بيتر فوكوفيتش الذي تولى الإدارة التقنية لعدد كبير من الشركات الناشئة أنّ “0.5 إلى 1 في المئة من الأشخاص سيستفيدون” من الذكاء الاصطناعي، مضيفاً “أما بالنسبة إلى الآخرين، فإنها كمنطقة رمادية تثير الذعر لأسباب معينة”.

ويتابع فوكوفيتش المقيم في البوسنة “علينا مقارنة البشر بالآلات” كي نحكم على قيمة ما يتم إنتاجه.

ويقول شون يوناس العامل في مجال الرسوم البيانية ثنائية وثلاثية الأبعاد “نظراً إلى أن الذكاء الاصطناعي سيكون قادراً على القيام بالجزء الأكبر من المهام، فسأخسر عدداً من المهارات”، مؤكداً أن ذلك لا يسبب له أي ضغط. ويضيف “أرى أنّ ذلك بمثابة أداة جديدة تُضاف إلى الأدوات الأخرى”.

ويرى أنّ الفنانين لا يزالون قادرين في المستقبل على أن يتميّزوا عن الذكاء الاصطناعي “من خلال المحافظة على أسلوب فريد”.

اقرأ أيضاً: النقاش يتواصل حول تنظيم الذكاء الاصطناعي

13