الذكاء الاصطناعي ناضج بما يكفي ليغادر المختبرات

الأمر لم يعد يتعلق بالدهشة مما يمكن أن تفعله التكنولوجيا.
الجمعة 2024/04/26
ساتيا ناديلا استثمارات بالمليارات من الدولارات

الابتكارات الحديثة في مجال الذكاء الاصطناعي بدأت في تغيير الطريقة التي تُصمم وتُصنع بها الأشياء في العالم ومن المتوقع أن يزداد هذا التأثير بوضوح، بعد أن أصبح ركيزة أساسية لدى الشركات المصنعة.. هذه هي الرسالة التي يحملها معرض هانوفر الصناعي لعام 2024.

هانوفر (ألمانيا)- ترى شركة مايكروسوفت الأميركية العملاقة للبرمجيات أن أنظمة الذكاء الاصطناعي أصبحت الآن ناضجة بما يكفي لدمجها في عمليات الإنتاج الصناعي.

وقال المدير التنفيذي لفرع الشركة في ألمانيا، فلوريان ديتر، في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية في مستهل معرض هانوفر الصناعي: “لم يعد الأمر يتعلق بالدهشة مما يمكن أن تفعله التكنولوجيا”.

وأوضح ديتر، وهو المسؤول عن أعمال كبار عملاء فرع الشركة في ألمانيا، أن الأمر الآن يدور حول تقديم مساهمة قيمة ملموسة بمساعدة الذكاء الاصطناعي. وقال ديتر: “من أجل تحقيق هذا الهدف يجب أن يغادر الذكاء الاصطناعي الآن المختبرات ويجد طريقه إلى غرفة المحرك في الاقتصاد”.

أندرو أناجنوست: قرابة 300 مليون شخص في العالم يعملون في قطاعي التصميم والتصنيع
أندرو أناجنوست: قرابة 300 مليون شخص في العالم يعملون في قطاعي التصميم والتصنيع

ويؤكد ديتر أن استخدام الذكاء الاصطناعي في الصناعة لا يقتصر فقط على زيادة الإنتاجية، بل يتعلق أيضا بقضايا مثل الموثوقية والسلامة المهنية، مضيفا أن ألمانيا تتمتع بوضع جيد للغاية يُمكّنها من الاستفادة من التغييرات القادمة التي ستحدثها تقنيات الذكاء الاصطناعي، وقال: “لا يرجع هذا فقط إلى القاعدة الصناعية القوية للغاية. تتمتع ألمانيا أيضا بمكانة قوية للغاية في الأبحاث الأساسية حول الذكاء الاصطناعي، وهي واحدة من الدول الرائدة على مستوى العالم في تقديم طلبات الحصول على براءات اختراع في مجال الذكاء الاصطناعي”، مضيفا أنه قد نشأت العديد من المجموعات البحثية المتخصصة في الذكاء الاصطناعي في عدد من المدن الألمانية، مشيرا إلى أن جامعة ميونخ التقنية تعد وفقا لتصنيفات مختلفة – على سبيل المثال تصنيف منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية – إحدى أقوى المؤسسات المعنية بأبحاث الذكاء الاصطناعي على مستوى العالم.

ويرى ديتر أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يتطور إلى تكنولوجيا محورية لنمو اقتصادي مستدام، موضحا في المقابل أن تحقيق ذلك يتطلب ربط الخبرة التقليدية للصناعة، والتي تم بناؤها على مدار عقود، بتقنيات الذكاء الاصطناعي الجديدة، وقال: “وبعد ذلك قد يصبح ممكنا أيضا تحويل أبحاث أساسية قوية إلى منتجات قابلة للتسويق. ويمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي أيضا في التعويض عن نقاط ضعف معينة، مثل الحد من نقص العمالة الماهرة”.

وتعد مايكروسوفت – بجانب غوغل وميتا وأمازون – واحدة من الشركات الرائدة في توفير أنظمة الذكاء الاصطناعي في جميع أنحاء العالم، وذلك بعد أن ضخ الرئيس التنفيذي للشركة ساتيا ناديلا مبكرا استثمارات بمليارات الدولارات في تعاون شامل مع شركة “أوبن إيه آي” الناشئة في كاليفورنيا للذكاء الاصطناعي والمطورة لروبوت الدردشة “تشات جي بي تي”.

وفي معرض هانوفر تعرض مايكروسوفت أيضا عمليات تكامل مع نماذج لروبوتات دردشة خارج “أوبن إيه آي”، مثل “ميسترال” من فرنسا. وأوضحت الشركة أنه من الممكن جعل الشركات الصناعية قادرة على إنشاء أنظمة دعم خاصة بها قائمة على الذكاء الاصطناعي، والتي ستكون مناسبة للغاية عند التعامل مع بيانات حساسة لا ينبغي نشرها للعامة.

وقد تفاجأ لمعرفة أن شركة فورد تستخدم الآن الروبوتات التعاونية (cobots) في أعمال اللحام واللصق ومراقبة الجودة، إذ تستخدم ستة روبوتات لصقل سطح هيكل السيارة في مدة لا تتجاوز 35 ثانية. كما يستخدم مصنع بي إم دبليو في ولاية كارولاينا الجنوبية، الذي ينتج 60 بالمئة من سيارات بي إم دبليو الأميركية، روبوتات يديرها الذكاء الاصطناعي، وبذلك يوفر المصنع مليون دولارٍ سنويًا، وتساعده الروبوتات في إعادة توزيع دور العمال للاستفادة منهم بكفاءة في أعمال أخرى.

وتتطلب صناعة الإلكترونيات الدقة الشديدة بسبب مكوناتها المعقدة، وهنا يأتي دور الذكاء الاصطناعي بتقليل أخطاء الإنتاج وتحسين تصميم المنتجات وتسريع طرحها في السوق. وعلى سبيل المثال، يستخدم مصنع سامسونغ في كوريا الجنوبية المركبات الآلية المسيرة (AGV) والروبوتات والأذرع الآلية في مهام مختلفة، إذ يمكن لها المساهمة في عمليات التجميع، ونقل المواد والحفاظ على معايير الجودة العليا، ومن ذلك فحص جودة الهواتف الذكية التي قد يتراوح مجموعها بين 30 ألفًا  50 ألف قطعة.

◄ شركة مايكروسوفت، إلى جانب غوغل وميتا وأمازون، واحدة من الشركات الرائدة في توفير أنظمة الذكاء الاصطناعي

وتستخدم شركة إنفيديا الذكاء الاصطناعي لتحسين تكوينات الترانزستورات المعقدة في ركائز رقاقات السيليكون، مما لا يوفر الوقت فحسب، بل يوفر التكلفة الإجمالية ويسرع عملية الإنتاج أيضًا، وقد أثبت كفاءته في إنجاز تصميم يحتوي على ثلاثة ملايين خلية في مدة لا تتجاوز ثلاث ساعات.

وفي مجال صناعة الطيران والدفاع الجوي يعمل الذكاء الاصطناعي على تحسين سلامة المنتجات في أثناء إنتاج المكونات الدقيقة لتعزيز الأداء وسلامة الأنظمة.

واللافت أيضًا اعتماد بعض الشركات في مجال صناعة الأغذية والمشروبات على الذكاء الاصطناعي، إذ يتطلب إنتاج الأغذية والمشروبات موثوقية وجودة عالية، خاصة في قطاع السلع الاستهلاكية سريعة التداول، الذي يتطلب سرعة فائقة في تحضير المنتجات وتقديمها، إذ أصبح من الممكن إدماجه في المعدات لتعزيز الكفاءة وتوفير التكلفة وتحسين جودة المنتجات وسلامتها.

الأمر ذاته ينطبق على مجال التصميم الهندسي، حيث يلاحظ التوجه نحو استخدام الذكاء الاصطناعي بكثافة، وكشف أندرو أناجنوست – رئيس مجلس إدارة شركة أوتوديسك، وهي شركة متخصصة في مجال برمجيات التصميم والهندسة – عن تأثير الذكاء الاصطناعي في قطاعي التصميم والتصنيع، مع وجود قرابة 300 مليون شخص في العالم يعملون في هذين القطاعين.

وتطرق أندرو في حديثه إلى استطلاعٍ تحرَّى آراء ومخاوف الموظفين بخصوص الذكاء الاصطناعي، شارك فيه قرابة 5400 موظف، أجاب 77 بالمئة منهم بأنهم يثقون به للقيام بالعمل الذي يمارسونه يوميًا، وهم على استعداد لتجربته على نحو أوسع. والأكثر إثارة للاهتمام إجابة 66 بالمئة منهم بالقول إنه في غضون عامين أو ثلاثة أعوام، سيصبح ضروريًا لهم، وسيكون عاملًا يجب إدماجه في حياتهم والاعتماد عليه.

ومن إجابات هؤلاء العاملين، نلاحظ أن بعضهم يعتقد أن الذكاء الاصطناعي أصبح ميزة تنافسية مهمة، لأن كل ما سيفعلونه في المستقبل سيعتمد عليه، في حين أظهر بعض الموظفين مخاوف من الذكاء الاصطناعي إذ قد يحل محلهم يومًا ما.

◄ صناعة الإلكترونيات تتطلب دقة الشديدة بسبب مكوناتها وهنا يأتي دور الذكاء الاصطناعي بتقليل الأخطاء
صناعة الإلكترونيات تتطلب دقة الشديدة بسبب مكوناتها وهنا يأتي دور الذكاء الاصطناعي بتقليل الأخطاء

 

12