الذكاء الاصطناعي في الخليج: طموح كبير يواجه تحديات التنفيذ

تقرير "مؤشر الذكاء الاصطناعي في دول الخليج": دول الخليج مجتمعة سجلت معدلًا مرتفعًا بلغ 4.6 من أصل 5 نقاط في بُعد "الطموح".
الأحد 2025/04/27
مركز الذكاء الاصطناعي في دبي

دبي ـ كشف تقرير "مؤشر الذكاء الاصطناعي في دول الخليج" الذي أطلقته مجموعة بوسطن الاستشارية العالمية، خلال مشاركتها في فعاليات "أسبوع دبي للذكاء الاصطناعي"، عن التقدم الملحوظ الذي أحرزته دول الخليج في هذا المجال، مع تسليط الضوء على الفجوات التي لا تزال تعيق تحقيق الريادة العالمية، وتقديم توصيات لتعزيز القدرات المحلية ودعم الابتكار.

وصنّف التقرير الإمارات السعودية ضمن فئة “المنافسين في مجال الذكاء الاصطناعي،” ويُعزى هذا التصنيف المتقدم إلى الجهود الكبيرة التي تبذلها الدولتان في صياغة إستراتيجيات وطنية طموحة وتطبيقها، إلى جانب الاستثمارات الضخمة في بناء بنية تحتية رقمية متقدمة تدعم تقنيات الذكاء الاصطناعي.

في المقابل، صنّف التقرير بقية دول الخليج ضمن فئة “الممارسين”، وهي دول أحرزت تقدمًا في تبني التطبيقات، لكنها لا تزال في مراحل مبكرة مقارنة بالمنافسين، وتحتاج إلى المزيد من العمل والجهد.

وأوضح أكرم عوض، المدير الإداري والشريك في مجموعة بوسطن الاستشارية العالمية، أن التقرير يستند إلى “المؤشر العالمي لجاهزية الذكاء الاصطناعي،” الذي تعده المجموعة ويشمل 73 دولة حول العالم. ويقيس المؤشر مدى جاهزية الدول لتبني الذكاء الاصطناعي باستخدام إطار تحليلي شامل يُعرف باسم ASPIRE، ويعتمد على ستة أبعاد رئيسية: الطموح، والمهارات، والسياسات، والاستثمار، والبحث والتطوير، والمنظومة التقنية المتكاملة، عبر تحليل أكثر من 30 مؤشرًا دقيقًا.

وبيّن التقرير أن دول الخليج مجتمعة سجلت معدلًا مرتفعًا بلغ 4.6 من أصل 5 نقاط في بُعد “الطموح”، وهو معدل يضعها على مقربة من دول رائدة عالميًا مثل الولايات المتحدة والصين وسنغافورة. ويعكس هذا الطموح امتلاك معظم دول الخليج إستراتيجيات وطنية واضحة، وهيئات حكومية متخصصة تشرف على تنفيذها.

فقد أطلقت الإمارات إستراتيجية الذكاء الاصطناعي 2031، وعيّنت أول وزير للذكاء الاصطناعي في العالم، في إشارة واضحة إلى الالتزام السياسي. وفي السعودية، أنشئت “الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي” (سدايا)، بهدف الارتقاء بالمملكة لتصبح رائدة في الاقتصاد القائم على البيانات والذكاء الاصطناعي بحلول عام 2030.

الإمارات والسعودية ضمن فئة المنافسين في مجال الذكاء الاصطناعي بفضل الجهود الكبيرة التي تبذلها الدولتان

وتستثمر دول الخليج بشكل ملموس في تطوير البنية التحتية الرقمية، إذ تتصدر الإمارات المشهد بامتلاكها 35 مركز بيانات متطورًا، وتُسجل أعلى إنفاق سحابي عام للفرد في المنطقة بواقع 228 دولارًا أميركيًا. أما السعودية، فقد تبنّت 72 في المئة من شركاتها إستراتيجيات واضحة لنشر تقنيات الذكاء الاصطناعي، مدعومة ببنية تحتية سحابية وحوسبة عالية الأداء. كما تعمل عُمان والكويت على توسيع بنيتهما التحتية الرقمية من خلال شراكات مع شركات كبرى مثل مايكروسوفت وغوغل كلاود.

وقد أطلقت السعودية والإمارات صناديق استثمارية كبرى مخصصة لدعم الذكاء الاصطناعي، إلا أن التقرير أشار إلى أن نشاط رأس المال المخاطر في هذا المجال لا يزال محدودًا ويحتاج إلى تحفيز إضافي. كما أظهر التقرير أن البحث العلمي في دول الخليج لا يزال ضعيفًا نسبيًا، سواء من حيث عدد براءات الاختراع أو حجم الأبحاث الأكاديمية المتخصصة.

ورغم أن الإمارات أطلقت مبادرة سيادية للاستثمار في الذكاء الاصطناعي بقيمة 100 مليار دولار، إلا أن التقرير نبّه إلى أن الدولة لا تزال متأخرة عن الدول الرائدة في توليد ابتكارات عالمية ذات تأثير واسع. وفي السعودية، تم الإعلان عن صفقات واستثمارات بقيمة 14.9 مليار دولار خلال مؤتمر “ليب 2025″، مع هدف الوصول إلى 75 مليار ريال سعودي في استثمارات الذكاء الاصطناعي بحلول 2030.

وحققت السعودية والإمارات تقدمًا ملحوظًا في جذب المتخصصين في الذكاء الاصطناعي، إلا أن الأعداد لا تزال محدودة، حيث تضم السعودية نحو 5000 متخصص، والإمارات حوالي 7000، وهي أرقام تبقى متواضعة مقارنة بألمانيا التي تجاوز عدد المتخصصين فيها 40 ألفًا.

وأوضح التقرير أن الرؤية والطموح موجودان بقوة في دول الخليج، لكن التحدي الأكبر يكمن في التنفيذ. وتحتاج المرحلة المقبلة إلى تطوير الكفاءات المحلية، وتعزيز البحث العلمي، وزيادة التمويل المخصص لتقنيات الذكاء الاصطناعي.

ومن أبرز التحديات التي أوردها التقرير: تأخر تطوير الذكاء الاصطناعي باللغة العربية، مقارنة باللغة الإنجليزية، وهو ما يحد من فعالية التطبيقات في السياق المحلي، لاسيما في القطاعات الحيوية كالرعاية الصحية.

وقدّم التقرير مجموعة من التوصيات لصنّاع القرار، تضمنت تسريع برامج التدريب، وتسهيل جذب الكفاءات العالمية، وتوسيع الوصول إلى مراكز البيانات والحوسبة المتقدمة، فضلًا عن دعم الشركات الناشئة، وتطوير حلول محلية تخدم القطاع العام وتقلل من الاعتماد على الحلول الأجنبية.

وأشار التقرير إلى أن دول الخليج تمتلك الأسس اللازمة للنجاح، لكن تحويل الطموحات إلى تأثير عالمي ملموس يتطلب رهانًا إستراتيجيا واضحًا على ثلاثة محاور مترابطة: تطوير الكفاءات البشرية، ودعم البحث والابتكار، وتعزيز التعاون الإقليمي المشترك.

13