الذكاء الاصطناعي آخر التقنيات التي سيبتكرها البشر

ما رأيناه حتى الآن غيض من فيض.. انتظروا خمس سنوات فقط!
الجمعة 2024/01/26
روبوتات ذكية لكل المهن

إذا كنت تعتقد أن الذكاء الاصطناعي ذكي، عليك أن تنتظر قليلا لتكتشف أن النماذج الموجودة هي الأغبى على الإطلاق. ليس هذا فقط، خلال 5 سنوات سيتصرف الذكاء الاصطناعي كرائد أعمال ومخترع أيضا.

واشنطن- تزايدت المخاوف بخصوص تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وتداعياتها المحتملة على العالم، لاسيما أنها تغلغلت في جوانب حياتنا المختلفة، وأثرت على وظائفنا، والطريقة التي يدار بها التعليم، والأهم أنها بدأت تترك أثرا واضحا على علاقاتنا الاجتماعية.

واللافت للنظر أن القائمين على “ساعة نهاية العالم” التي ترمز منذ عام 1947 إلى اقتراب حلول كارثة كبرى على كوكب الأرض، أبقوا يوم الثلاثاء الماضي على مسافة 90 ثانية من منتصف الليل، الموعد المفترض للكارثة التي يتعين تفاديها، بعد أن أضافوا إلى التهديدات السابقة المتمثلة بالتصعيد النووي وأزمة المناخ وتصنيف عام 2023 على أنه الأكثر سخونة على الإطلاق، تهديدا جديدا هو التضليل الإعلامي المرتبط بالذكاء الاصطناعي، وتسويق التقدم قبل فهم عواقبه.

وقالت ريتشل برونسون، رئيسة نشرة “بوليتين أوف ذي أكاديميك ساينتيستس” (مجلة علماء الذرة) المسؤولة عن تعديل عقارب الساعة، “لا تزال الاتجاهات تشير بشكل مقلق نحو كارثة عالمية”.

إضافة الذكاء الاصطناعي إلى التهديدات التي تنذر بنهاية العالم لن توقف مسيرة الذكاء الاصطناعي ولن تعيد العقرب إلى الوراء، وعلى الرغم من هذا القلق المحيط بهذه التكنولوجيا، فإنّ أبرز خبرائها يتبنون نظرة تفاؤلية بخصوص إمكانياتها الواعدة، ويرون أنّ منافعها ستعم البشرية جمعاء.

لنبدأ بأبرز هذه الأسماء التي ارتبطت مباشرة بتشات جي.بي.تي، سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة أوبن أي.آي الذي أكد أن كل ما ذكر من فوائد للذكاء الاصطناعي ليس إلا غيضا من فيض لما يمكن لهذه التكنولوجيا أن تقدمه.

سام ألتمان: النماذج الموجودة  حاليا هي الأغبى  على الإطلاق
سام ألتمان: النماذج الموجودة  حاليا هي الأغبى  على الإطلاق

في حلقة جديدة من برنامج البودكاست “Unconfuse Me” الذي يستضيفه بيل غيتس، أشار إلى أن أنظمة الذكاء الاصطناعي لا تستطيع اليوم أن تؤدي “الوظائف نيابة عن الأشخاص”، لكن يمكن للموظفين الاستعانة بها كأداة لتعزيز إنتاجيتهم.

ويرى ألتمان أن “العالم يشهد الآن أمورا رائعة وكثيرة، لكن حريّ بنا أن نضعها في سياق إمكانيات هذه التكنولوجيا، فخلال الأعوام الخمسة أو العشرة القادمة سنرى منحنى تحسن حادا، فالنماذج الموجودة حاليا هي الأغبى على الإطلاق”.

صحيح أنّ معظم النّاس يستطيعون استخدام روبوت المحادثة الآلي للحصول على الأجوبة، لكنّ ألتمان يعتقد أنّه سيكون مفيدا على وجه الخصوص للعاملين في ثلاثة قطاعات محددة هي البرمجة والتعليم والرعاية الصحية.

حاليا، تساعد روبوتات الدردشة المبرمجين على إنهاء الأعمال المطلوبة منهم بمعدل أسرع بثلاث مرات من المعتاد، ويمكن للمبرمج الاستفادة منها في مهام كثيرة مثل مراجعة الأكواد البرمجية المكتوبة بحثا عن الأخطاء، و والإجابة عن استفسارات المبرمجين، وحتى في إنشاء أكواد برمجية.

الهدف من استخدام تشات جي.بي.تي، كما يؤكد ألتمان لا يقتصر على تسريع العمل وإنجاز مهام أكثر بوقت أقل، وإنما يمنح الموظفين وقتا أطول للتفكير الإبداعي: “يستطيع الموظفون إعمال قدراتهم العقلية بشكل أكبر، والتفكير بأمور مختلفة كليا”.

رغم ذلك الطريق ليس سالكا تماما، حيث كشفت دراسة أجراها باحثون في جامعتي ستانفورد وكاليفورنيا أن تشات جي.بي.تي – 4 يجيب بشكل خاطئ عن أسئلة المبرمجين في خمسين في المئة من الحالات تقريبا، لذلك ينبغي توخي الحذر عند استعماله، والتحقق من الإجابات التي يقدمها.

وفي قطاع التعليم، يشير ألتمان إلى أن أنظمة الذكاء الاصطناعي تستطيع مساعدة المعلمين في تصميم المنهج الدراسي، ووضع مخطط لدروس مخصصة لطلاب محددين دونا عن الآخرين، ويمكن لهذه الأنظمة أن توفر وقت المعلمين، وتحل مكانهم في أداء مهام إدارية مختلفة مثل تتبع حضور الطلاب، أو إرسال تنبيهات الواجبات تلقائيا، كما يحتمل أنّ تكون وسيلة ناجعة لتعلم لغات جديدة.

وفي هذا الصدد أشاد بيل غيتس بقدرة تشات جي.بي.تي على تشغيل البرامج التعليمية، وهو أمر يعزز الآمال بخصوص وصول المعلمين إلى الطلاب في المجتمعات النائية والمحرومة. وسبق لغيتس أن توقع خلال العام الماضي أن يندهش الناس من قدرة معلمي الذكاء الاصطناعي على تحسين مهارات القراءة والكتابة عند الطلاب.

زاك كاس: الذكاء الاصطناعي سيجعل البشر أكثر رضا وسعادة
زاك كاس: الذكاء الاصطناعي سيجعل البشر أكثر رضا وسعادة

في المقابل ينتاب بعض المعلمين قلق كبير من مساهمة أدوات الذكاء الاصطناعي في تسهيل الغش عند أداء الطلاب لواجباتهم الدراسية، غير أنّ الأبحاث التي أجريت حتى الآن لم تكشف عن زيادة في معدلات الغش. ويجدر بالمعلمين والأهل أن يذكروا الطلاب والأبناء بألا يعتمدوا كليا على الذكاء الاصطناعي في الدراسة، وذلك تحسبا للأخطاء التي يوردها أحيانا في الإجابات.

وفي قطاع الصحة، استطاعت روبوتات الدردشة أن تجتاز امتحان ممارسة الطب في الولايات المتحدة، لكنّ بعض الخبراء يحذرون بأنّ ميلها لارتكاب الأخطاء سيجعلها غير موثوقة كثيرا عند المرضى على الأقل في المستقبل المنظور. ولكن هذا لا يلغي أن أدوات الذكاء الاصطناعي يمكن أن تفيد الأطباء.

كذلك تؤدي أدوات الذكاء الاصطناعي دورا بارزا في تحليل الأبحاث العلمية، وتقدم ملخصات للتاريخ الطبي للمرضى، فهي توفر الوقت وتجيب على تساؤلات المرضى، وتعتمد بعض شركات الأدوية حاليا على روبوتات الدردشة لأتمتة أجزاء من عمليات اكتشاف الأدوية الجديدة والبحث عنها.

من جانبه يرى زاك كاس، وهو واحد من أقدم مئة موظف في شركة أوبن أي.آي المطورة لروبوت الدردشة تشات جي.بي.تي وتولى إدارة قسم Go-to-Market قبل مغادرته في عام 2023، أنّ تأثيرات الذكاء الاصطناعي ربما تكون مزعجة في بادئ الأمر، لكنها ستتمخض عن نتائج إيجابية أبرزها تقليل وقت العمل.

ويعرف كاس في أوساط التكنولوجيا بنظرته المتفائلة للذكاء الاصطناعي، وإنّه استقال من وظيفته في الشركة حتى يروّج للذكاء الاصطناعي باعتباره مستقبلا مشرقا للبشرية.

صف كاس نفسه بأنه خبير يستشرف المستقبل الحافل بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، ويقدم تصورات مستقبلية بشأن تأثير هذه التكنولوجيا على قطاعات مثل الطب، والتعليم، والأعمال وغيرها. لا يستبعد كاس أنْ يصبح لكل طفل في دول العالمين الثاني والثالث معلم يعمل بالذكاء الاصطناعي، ويعلم المعلومات التي يعرفها الطفل، وطريقة التعليم المفضلة لديه. ولا يرى كاس أي صعوبة كذلك في تخيل وجود طبيب عام يعمل بالذكاء الاصطناعي يساعد في تشخيص الأمراض، ويساهم في إحالة مشكلاتهم الصحية إلى طبيب اختصاصي.

يقول كاس إنّ القاسم المشترك بين المطلعين على قطاع التكنولوجيا ونظرائهم هو إدراكهم جميعا للإمكانيات المذهلة للذكاء الاصطناعي، لكنهم منقسمون حيال قدرة البشر على تحقيق تلك الإمكانيات بسبب السياسات القاصرة، أو التنفيذ الخاطئ، أو خلل في الذكاء الاصطناعي.

ويشير كاس أيضا إلى استنتاج مثير للاهتمام، إذ يعتقد معظم خبراء التكنولوجيا أنّ الذكاء الاصطناعي ربما يكون آخر تقنية يبتكرها البشر، ويعتقدون كذلك أنّ الذكاء الاصطناعي سيحسن حياة البشر ويجعلها أكثر رضا وسعادة وأقل معاناة.

مصطفى سليمان: الذكاء الاصطناعي سيظهر قدراته في مجال الأعمال
مصطفى سليمان: الذكاء الاصطناعي سيظهر قدراته في مجال الأعمال

في المقابل يحذر كاس من أربعة مخاطر قد تترتب على استخدام الذكاء الاصطناعي هي أولا، تبلد الذهن: نجاح الذكاء الاصطناعي في حل المشكلات الصعبة التي تواجهنا، قد يصيب عقولنا بالبلادة فتميل إلى الكسل. ومع ذلك فإنّ كاس يعتقد بأنّ هذه المشكلة لن تدوم طويلا، فهي تندرج ضمن العواقب قصيرة المدى التي سيتجاوزها البشر.

الخطر الثاني، أو المشكلة الثانية هي مسألة ضياع الهوية: خاصة بين أشخاص أمضوا حياتهم في تعلم مهنة واحدة توارثوها عن آبائهم، وتناقلوها جيلا إثر جيل حتى أصبحت هوية ملازمة لهم، لكنهم سرعان ما فقدوها عند قدوم التكنولوجيا الحديثة. والمشكلة هنا لا ترتبط بمسألة كسب المال لإعالة الأسرة، بل ترتبط بهويتهم وعملهم الذي أحبوه. ويشعر كاس بقلق شديد حيال هذه المشكلة، ويراها معضلة حقيقية لأولئك الناس، خاصة أن آثارها قد لا تقتصر على الحرفيين بل تطال مهنا إبداعية.

المشكلة الثالثة، أو الخطر الثالث الذي أشار إليه كاس يتعلق بالوجودية، ويقرّ كاس بإمكانية تدريب نموذج يتلاءم مع المصلحة الإنسانية، ويقول إنّ نماذج الذكاء الاصطناعي ستصبح مطالبة بمرور الوقت بأن تستوفي معايير دولية حتى تنال الموافقة على إصدارها. لذلك لا يوجد سبب يدعوه إلى القلق من تلك النماذج، ولا يرى مبررا للقول إنها ستستعبد البشر، لاسيما إذا جرى تدريبها اعتمادا على التجربة الإنسانية.

المشكلة الرابعة التي تعرض إليها كاس بحديثه تتعلق بالتنافس بين الدول في مجال الذكاء الاصطناعي، ويحذر كاس من أن يؤدي ذلك إلى سباق تسلح. ويرى ضرورة أن تتولى الجهات الفاعلة الخيّرة في العالم مهمة تطوير الذكاء الاصطناعي العام ومشاركته مع العالم. وحتى ذلك الحين لا بد من إقامة تحالفات دولية ووضع معايير معقولة للذكاء الاصطناعي.

وفي جلسة حوارية عن الذكاء الاصطناعي خلال فعاليات المنتدى الاقتصادي العالمي (دافوس) لعام 2024 قال مصطفى سليمان، الرئيس التنفيذي لشركة “إنفليكشن أي.آي” والشريك المؤسس لشركة “ديب مايند” التي تشكل قسم الذكاء الاصطناعي لدى غوغل، ردا على سؤال عن المدة التي سيستغرقها الذكاء الاصطناعي حتى يتخطى اختبارا مشابها لاختبار تورينغ، إنّ النسخة الحديثة من اختبار تورينغ تعتمد على تقييم قدرة الذكاء الاصطناعي على التصرف كصاحب أعمال، ومدير مشروع، ومخترع، بحيث يستطيع تسويق منتج وتصنيعه وبيعه لتحقيق الأرباح. وأشار سليمان إلى أنّ الذكاء الاصطناعي سيظهر قدراته في مجال الأعمال بتكلفة بسيطة قبل عام 2030.

وتابع سليمان “إنني على يقين بأننا خلال الأعوام الخمسة المقبلة سنمتلك تلك القدرات، وستكون متاحة كذلك على نطاق واسع بتكلفة زهيدة، أو ربما تتاح أيضا كمصادر مفتوحة. وأرى أنّ هذا الأمر سيغير وجه الاقتصاد كليا”.

وكان سليمان قد توقع خلال شهر سبتمبر الماضي أن يمتلك الجميع في غضون الأعوام الخمسة القادمة مساعدين افتراضيين يعملون بالذكاء الاصطناعي، ويعززون الإنتاجية ويتعرفون على المعلومات الشخصية للمستخدمين. ويرى أنّه يجدر بالباحثين التركيز على قدرات الذكاء الاصطناعي وإمكانياته في الحياة اليومية، على سبيل المثل أن يستطيع الوكيل الذكي التحدث إلى البشر، ووضع الخطط، وتنظيم الأمور.

يمكننا أن نختلف الآن حول المنحى الذي سيتخذه تطوير الذكاء الاصطناعي، ولكن فترة خمس سنوات ليست طويلة لحسم الجدل.

12