الديمقراطيون والجمهوريون يرفضون الواقع السياسي

تترسخ فكرة لدى الباحثين والمؤرخين مع كل انتخابات رئاسية في الولايات المتحدة بأن الناخبين لم يرتقوا منذ عشرات السنين إلى معرفة كيف تدار السياسة خلف الكواليس من طرف الحزبين الديمقراطي والجمهوري، ولذلك فإن هذا الأمر، بحسب المراقبين، يعتبر رفضا للواقع السياسي في أقوى بلد في العالم.
واشنطن – يتمسك معظم الأميركيين بالحقائق الظاهرية فقط التي يروج لها الحزبان الديمقراطي والجمهوري في كل مناسبة انتخابية بهدف الظفر بأكبر عدد ممكن من الأصوات، ولكن في الواقع أن هذه النظرة تظهر بسبب الانغلاق الذي يفرضه الأميركيون على أنفسهم.
ويعتقد المؤرخ الأميركي إيريك زويس في تقرير نشره موقع “موديرن دبلوماسي” الأميركي بأن جميع الناخبين تقريبا هم ببساطة منغلقون ويرفضون الاعتراف بأن كل طرف من هذين الحزبين في الولايات المتحدة يخضع لسيطرة المليارديرات، إلى درجة أنه وصف هذا النظام بأنه “فاسد للغاية” وأنه “دكتاتورية“.
ويسوق زويس مؤلف كتاب “هم ليسوا قريبين: السجلات الاقتصادية للحزب الديمقراطي مقابل السجلات الاقتصادية الجمهورية 1910 – 2010” تبريرات لموقفه، منها أن سلطة الحزبين الأكبر في البلاد لا تسمح بأي تشريعات تقدمية ولكن فقط التشريعات المحافظة والليبرالية، والتي هي مدعومة من قبل المليارديرات للحصول على تعيين.
كما لا يسمح النظام الحالي بحصول سياسي تقدمي على تعيين في المحكمة العليا، ولا بفوز أي مرشح رئاسي تقدمي بترشيح الحزب، مثلما حصل مع المرشح الديمقراطي في الانتخابات التمهيدية بيرني ساندرز في الاستحقاق عام 2016 وكذلك لهذا العام.
ويقول زويس إنها “دكتاتورية من قبل الجمهوريين والديمقراطيين في أميركا المليارديرات، فلا ديمقراطية على الإطلاق، والغالبية العظمى من الناخبين في كل حزب يرفضون الاعتراف بهذه الحقيقة الجوهرية، وبالنسبة لهم، الديمقراطيون في مواجهة الجمهوريين، بدلا من أصحاب المليارات مقابل الجمهور”، مشيرا إلى أن الناخبين مخطئون ولا يهتمون حتى بأنهم مخطئون.
وعلى سبيل المثال، على الجانب الجمهوري، حقيقة أن قيادة الرئيس الجمهوري دونالد ترامب لفايروس كورونا كانت فاشلة كارثية ومعترفا بها في جميع أنحاء العالم على هذا النحو، يتجاهلها البعض وينكرها الآخرون، لكن لم يعترف بها الناخبون الجمهوريون، وهم أنفسهم هؤلاء في الواقع ينكرون عنصرية ترامب واستدراج العرق وينفون الدليل الواضح على ذلك.
ومع ذلك، على الجانب الديمقراطي، يتم ببساطة تجاهل حقيقة أن المرشح الديمقراطي جو بايدن فاسد، وكذلك حقيقة أنه سرق الترشيح من ساندرز من خلال تسويق الكذب أمام جمهوره.
وهذا الوضع حصل كما هو الحال في حقيقة أن بايدن كان المدافع الرئيسي في مجلس الشيوخ عن الحزب الديمقراطي بشأن استمرار الفصل العنصري، ويؤكد زويس أنه كان متعصبا خفيا، ليس فقط في ما يتعلق بالفصل العنصري، بل أيضا بشأن العدالة الجنائية.
وفي الواقع إن بايدن من أشد المؤيدين للإمبريالية الأميركية وخصخصة البنية التحتية في البلدان التي تم احتلالها لبيعها لمستثمرين من الولايات المتحدة وحلفائها، ولذلك يتجاهلها الديمقراطيون تماما.
ويتمثل الاختلاف الرئيسي بين بايدن وترامب في السياسة الخارجية، في أي دولة هي الأكثر أهمية للتغلب عليها، فبالنسبة لترامب هي الصين، وبالنسبة لبايدن هي روسيا، لكن كلاهما يريد غزو سوريا وإيران وفنزويلا وعدد من الدول الأخرى.
وربما تكون حقيقة أن الناخبين الجمهوريين والديمقراطيين يقاومون بشدة أكثر من أي شخص آخر هو أن قيادة الجمهوريين في ما يتعلق بسياسة كورونا كانت مليئة بالأساطير والسيئة بشكل كارثي، وأن الديمقراطيين أفضل فقط من حيث أنهم لا يقودون هذه الكارثة.
ولكن لقد وافق الديمقراطيون في الواقع مع ترامب في ذلك حينما أظهرت استطلاعات الرأي أن غالبية الجمهور كانوا يدعمون سياسته في هذا الشأن. وبعبارة أخرى كانت سياسة بايدن تتمثل ببساطة في التشجيع على تحميل ترامب كل اللوم، وتجنب التفاصيل الحاسمة حول ما ستكون عليه سياسته وأولوياته.
ويرى المؤرخ الأميركي زويس أن الاختيار بين شرّين سيبقى في نهاية المطاف شرا، فما هو شر هناك ليس مجرد خيارات، ولكن نظاما يختزل تلك الخيارات في الخيارات المقبولة للحكام الفعليين، وهم الطبقة الأرستقراطية، سيجعل من السياسة الفاسدة تسيطر على تعامل كل شخص يأتي إلى الرئاسة.
ولذلك من الواضح أنه حتى لو كانت الولايات المتحدة في السابق دولة عظيمة، فهي لم تعد كذلك. ولكن إذا كان الأمر كذلك فقد انخفض بشكل كبير. حيث تظهر استطلاعات الرأي أن الأميركيين لا يعتقدون أن البلد يتحسن، ولكن بدلا من ذلك يمشي “على المسار الخطأ”.