الديمقراطية أول ضحايا الذكاء الاصطناعي التوليدي

غاري ماركوس: الانتخابات يحسمها البارعون في نشر التضليل الإعلامي.
الجمعة 2023/06/09
روبوتات الدردشة لا تدرك أنها موجودة

علينا أن ننسى الحديث عن المخاطر التي تهدد البشرية بالفناء، فهناك من سينجو حتما، والخطر الحقيقي هو ما يتهدد الممارسات الديمقراطية. فبرمجيات الذكاء الاصطناعي التوليدي قادرة بصورة متزايدة على إنتاج صور زائفة وفيديوهات واقعية تحسم نتائج الانتخابات.

سان فرانسيسكو (الولايات المتحدة) - النجاح الهائل الذي أحرزه برنامج "تشات جي بي تي" القادر على إنتاج أيّ نوع من النصوص بناء على طلب مستخدميه، أثار سباقا بين شركات التكنولوجيا العملاقة لتطوير أنظمة ذكاء اصطناعي توليدي، وأعاد للتداول اسم العالم غاري ماركوس وكان قد برز خلال العام الماضي مع الجدل الذي أثاره بلايك لاموان مهندس البرمجيات في شركة غوغل الذي ادعى أن برنامج ذكاء اصطناعي اسمه "لامدا" تحدث معه، وعبّر له عن رغبته في أن يفهم الجميع أنه بشر.

واعتقد بلايك أن من حق "لامدا" أن يعامل كشخص، وأن يُمنح نفس الحقوق التي تمنح لأيّ كائن واع آخر. وقد يكون مفيدا استعادة ما قاله غاري ماركوس الذي قدم وصفا مبسطا للإحساس، حينها ردا على ادعاءات بلايك، وهو أن تكون لدينا القدرة على "إدراك أنفسنا في العالم".

هذه القدرة على إدراك أننا موجودون في العالم، يمتلكها البشر، وتمتلكها الكائنات الحية، ولا يمتلكها الجماد. لا يدرك الماء ولا تدرك الصخور ولا المعادن ولا الأدوات المصنعة أنها موجودة في العالم.

روبوتات الدردشة، ببساطة شديدة، لا تدرك أنها موجودة. ويرى ماركوس أن برنامج التخاطب الذكي “يتلاعب بالرموز، ويستعين بمجموعة من القواعد، أو الخوارزميات، لتحويل سلسلة من الرموز إلى أخرى، ولكنه لا يحدد ما تعنيه تلك الرموز. بالنسبة إليه المعنى غير ذي صلة".

غاري ماركوس: انقراض الجنس البشري مسألة في غاية التعقيد
غاري ماركوس: انقراض الجنس البشري مسألة في غاية التعقيد

ومع ذلك فإن نموذجا لغويا معقدا تم تدريبه على كمّ هائل من النصوص الموجودة على الإنترنت، "يمكن أن يصبح بارعًا في التعرف على الأنماط والاستجابات ذات المغزى للبشر". وهذا ما تتقنه أنظمة المحادثة جيدا. وها نحن اليوم بعد عام من الجدل الذي أثاره بلايك، نواجه حربا تتنافس فيها الشركات على تطوير روبوتات المحادثة، وتفتح الباب أمام المروّجين لسيناريو هيمنة الذكاء الاصطناعي التوليدي وفناء البشرية.

وعاد غاري ماركوس ليحذر أقرانه والنواب والجمهور عموما من المخاطر المرتبطة بتطوير أدوات هذا المجال الجديدة وانتشارها فائق السرعة، لكنه اعتبر في حديث أجرته معه وكالة فرانس برس أن مخاطر انقراض البشرية أمر "مبالغ فيه".

وأوضح الأستاذ الفخري في جامعة نيويورك الذي قدم إلى كاليفورنيا لحضور مؤتمر "شخصيا، وفي الوقت الحاضر، لست قلقا جدا بهذا الشأن، لأن السيناريوهات ليست في غاية الواقعية". وتابع "ما يقلقني هو أن نبني أنظمة ذكاء اصطناعي لا نحكم السيطرة عليها".

وابتكر غاري ماركوس برنامجه الأول للذكاء الاصطناعي في المدرسة الثانوية، وكان برنامجا لترجمة نصوص من اللاتينية إلى الإنجليزية. وبعد سنوات من دراسة علم النفس للأطفال، أنشأ شركة متخصصة في "تعلّم الآلة" استحوذت عليها "أوبر" لاحقا.

وفي مارس، كان من موقّعي الرسالة التي نشرها مئات الخبراء للمطالبة بتعليق تطوير أنظمة ذكاء اصطناعي فائقة القوة مثل روبوت الدردشة "تشات جي بي تي" الذي أطلقته شركة "أوبن إيه آي" لمدة ستة أشهر للتثبت من أن البرامج المطروحة حاليا للاستخدام موثوقة وآمنة وشفافة ووفية وموائمة للقيم البشرية. لكنه لم يوقّع الإعلان المقتضب الذي أصدرته مجموعة من كبار رجال الأعمال والخبراء وكان له وقع شديد.

ودعا الموقّعون على الإعلان ومن أبرزهم مبتكر "تشات جي بي تي" نفسه سام ألتمان، والمهندس الكبير السابق لدى غوغل جيفري هينتون الذي يعتبر من الآباء المؤسسين للذكاء الاصطناعي، ورئيس شركة "ديب مايند" للأبحاث في مجال الذكاء الاصطناعي التابعة لغوغل ديميس هاسابيس، والمدير الفني لمايكروسوفت كيفن سكوت، إلى التصدي لـ"مخاطر انقراض البشرية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي".

وصدرت هذه التحذيرات حتى عن المطورين لهذه الأنظمة المعلوماتية الذين يعملون من أجل التوصل إلى ذكاء اصطناعي عام يتميز بقدرات معرفية شبيهة بقدرات البشر. وقال غاري ماركوس "إن كنتم مقتنعين فعليا بأن هناك خطرا وجوديا، فلماذا تعملون على ذلك بالأساس؟ هذا سؤال منطقي".

ورأى أن "انقراض الجنس البشري.. مسألة في غاية التعقيد في الواقع، يمكننا تصور كلّ أنواع الآفات، لكن ثمة من سينجو حتما". وشدد في المقابل على أن هناك سيناريوهات ذات مصداقية يمكن في سياقها أن يتسبب الذكاء الاصطناعي “بأضرار هائلة". وتابع "قد ينجح البعض على سبيل المثال في التلاعب بالأسواق. وقد نتّهم الروس بتحمل المسؤولية ونهاجمهم في حين أن لا ضلوع لهم إطلاقا، وقد ننجرّ إلى حرب عرضية تهدد بأن تتحول إلى حرب نووية".

◙ برمجيات الذكاء الاصطناعي التوليدي قادرة بصورة متزايدة على إنتاج صور زائفة وقريبا فيديوهات واقعية

وعلى المدى القريب، يعرب غاري ماركوس عن مخاوف على الديمقراطية. وبرمجيات الذكاء الاصطناعي التوليدي قادرة بصورة متزايدة على إنتاج صور زائفة وقريبا فيديوهات واقعية، بكلفة زهيدة. وفي هذا السياق، فإن "الانتخابات ستحسم للذين يبرعون أكثر من سواهم في نشر التضليل الإعلامي، وهؤلاء قد يعدّلون القوانين بعد فوزهم.. ويفرضون نظاما سلطويا".

وشدد على أن "الديمقراطية تقوم على امتلاك معلومات منطقية واتخاذ قرارات صائبة. وإن لم يعد أحد يميز بين ما هو صحيح وما هو غير صحيح، عندها ينتهي الأمر". لكن هذا لا يعني برأي الخبير الذي صدر له كتاب بعنوان "إعادة إطلاق الذكاء الاصطناعي" (Rebooting AI) أن هذه التكنولوجيا لا تحمل وعودا. وقال "ثمة فرصة بأن نستخدم ذات يوم نظام ذكاء اصطناعي لم نبتكره بعد، يساعدنا على إحراز تقدم في العلم، في الطب، في رعاية المسنين.. لكننا في الوقت الحاضر غير جاهزين. نحن في حاجة إلى تنظيمات وإلى جعل البرامج أكثر موثوقية".

ولدى مثوله أمام لجنة في الكونغرس الأميركي في مايو، دعا إلى إنشاء وكالة وطنية أو دولية يعهد إليها بحوكمة الذكاء الاصطناعي. وهو مشروع يحظى أيضا بتأييد سام ألتمان العائد من جولة أوروبية حض خلالها القادة السياسيين على البحث عن "توازن عادل" بين الإنتاج والابتكار. لكن غاري ماركوس حذر من ترك السلطة بهذا الشأن بأيدي الشركات وقال "ذكّرتنا الأشهر الأخيرة إلى أيّ حد هي التي تتخذ القرارات الهامة دون أن تأخذ بالضرورة.. بالآثار الجانبية".

اقرأ أيضا: 

سوناك: الذكاء الاصطناعي سيغيّر حياتنا

نموذج جديد للذكاء الاصطناعي يُحدث ثورة في صناعة الألعاب

12