الدولة الفلسطينية في الإستراتيجية الأميركية الجديدة وفي ظل مشروعي المقاومة والإدماج في الشرق الأوسط

أي استقرار لا يمكن الحديث عنه دون تأسيس دولة فلسطينية مستقلة ومن الحماقة انتظار الحل من الداخل الإسرائيلي فالثقافة السائدة هي انعكاس للطبقة الحاكمة والطبقة الحاكمة في إسرائيل عنصرية بامتياز.
الثلاثاء 2024/02/20
المشهد من الجانب الإسرائيلي

بلغة بسيطة مختصرة، في جميع الحالات سواء خسرت روسيا الحرب في أوكرانيا أو انتصرت فيها، فلواشنطن حلف الناتو ليتصدى للتمدد الروسي في أوروبا. إلا أن إسرائيل لو خسرت المواجهة في غزة، فلا عزاء للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، فالخسارة ستوجه ضربة إستراتيجية لنفوذها السياسي في المنطقة.

الإدماج، مقولة تتناولها الأوساط السياسية المؤيدة أو المروجة للسياسة الأميركية، وهو تعبير عن مشروع إستراتيجي وضعته واشنطن وتشاطرها فيه دول في المنطقة أبرزها السعودية والإمارات ومصر وإسرائيل والأردن والبحرين. وهو يعني إحلال الاستقرار السياسي والأمني في الشرق الأوسط، وخلق بيئة آمنة لحرية تحرك رأس المال. وكان مشروع صفقة القرن بمحتواه الاقتصادي (50 مليار دولار تضخ في إقامة مشاريع اقتصادية في غزة) واتفاقات أبراهام بمعناها السياسي، وتوسيعها لتشمل دولا عربية أخرى وعلى رأسها السعودية، إحدى المسارات السياسية لإتمام عملية الإدماج.

وبموازاة مشروع الإدماج، يطفو على السطح مشروع، المقاومة، وهو مشروع الجمهورية الإسلامية في إيران وحلفائها في المنطقة من الميليشيات الموجودة في الدول الفاشلة، وهي اليمن والعراق ولبنان وسوريا، ويهدف إلى بذل مساعي حثيثة للحيلولة دون إتمام عملية الإدماج. ويعني الإدماج من الناحية العملية وضع المعوقات أمام التمدد القومي الإيراني بنفوذها السياسي والاقتصادي.

هجوم حماس في السابع من أكتوبر، وضع عصا غليظة في عجلة مشروع الإدماج، الذي خططت له الطبقة الحاكمة في الولايات المتحدة كإستراتيجية لها في الشرق الأوسط من أجل الانسحاب، والتفرغ إلى احتواء الصين في المحيط الهادي. وكان ذلك قبل الغزو الروسي لأوكرانيا.

◙ مفتاح الحل بيد الاحتجاجات العظيمة التي تهز العالم من أجل وقف الحرب في غزة، بيد العالم المتمدن والإنساني، وبيد الضغط على الولايات المتحدة والغرب بالكف عن دعم إسرائيل وفضح سياساتها

لقد عطل الغزو الروسي لأوكرانيا مشاريع الولايات المتحدة على الصعيد الإستراتيجي، وفي الشرق الأوسط تحديدا، دفعها لإعادة التموضع من جديد والعدول عن الانسحاب منها، خشية أن تملأ روسيا أو الصين الفراغ الذي تتركه، خاصة بعد أن تداعت حلقة حلفاء واشنطن في المنطقة وعلى رأسها السعودية، حيث لم ترضخ للضغوط الأميركية في إغراق أسواق النفط العالمي لتخفيض الأسعار لمعاقبة روسيا على غزوها لأوكرانيا، أو التعويض عن نفطها جراء العقوبات الاقتصادية، وفضلا على ذلك راحت تبيع النفط باليوان بدل الدولار إلى الصين، وقامت بترميم العلاقة مع إيران، وإعادة العلاقات مع سوريا وبناء علاقات إستراتيجية مع الصين وروسيا. وبدأت الإمارات هي الأخرى تحذو حذوها، وكلا البلدين انضما إلى حلف بريكس. بعبارة أخرى شجع تمرد روسيا، وكسر عصا الانصياع للعصر الأميركي، بتدشين عالم جديد يهدد هيمنة القطب الأميركي على العالم.

وعليه، تمت إعادة تموضع القوات الأميركية، في عملية استباقية لاحتواء أي تغيير سياسي يمهد للنفوذ الصيني والروسي من بوابة إيران، ومن أجل توفير حماية كافية لإتمام مشروع الإدماج.

من هذه الزاوية يجب النظر إلى مصالح واشنطن في الدعم اللامتناهي لدولة إسرائيل وغض الطرف عن جميع جرائمها بحق الفلسطينيين، وتحشيد قوات عسكرية كبيرة في المنطقة. وهنا تجدر الإشارة إلى أن كل ما يقال عن شخصنة استمرار الحرب في غزة عبر حصرها ببنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي، وأنه يبحث عن نصر ما بعد الضربة التي وجهت له ولدولة إسرائيل في السابع من أكتوبر، وأنه يخاف بمحاكمته في اليوم الثاني ما بعد حرب غزة، وبأن جو بايدن أغلق الاتصال بوجهه بسبب عدم مبالاته في قتل المدنيين في غزة، والبيت الأبيض غاضب من الحكومة اليمينية الإسرائيلية.. الخ، أقل ما يمكن وصفه بالتهريج، ولا يعد أكثر من مسرحية هزيلة للتضليل والضحك على الذقون للتمويه عن إستراتيجية الإدارة الأميركية في الدعم اللامشروط لإسرائيل. وها هي ترفض مقترح الجزائر إيقاف الحرب في غزة داخل مجلس الأمن.

أي نقولها بشكل آخر: بقدر حاجة إسرائيل إلى النصر، بنفس القدر هي حاجة الإدارة الأميركية إلى النصر، وهو ما تؤكده تصريحات جميع المسؤولين في الإدارة الأميركية عن حتمية هزيمة حماس، مع الأخذ بالاعتبار ذرف دموع تماسيح على إبادة المدنيين لطمس ماهية السياسة الأميركية، وإبداء مواقف لا تتجاوز التصريحات الإعلامية والدعائية.

السابع من أكتوبر فرض على الولايات المتحدة صياغة إستراتيجية جديدة في الشرق الأوسط، وعجل قتل ثلاثة جنود أميركيين في برج 22 في الأردن في 28 يناير – كانون الثاني من تنفيذها بشكل عملي، وعبر عنها كاتب العمود في صحيفة “نيويورك تايمز” توماس فريدمان وهو أحد مهندسي السياسة الأميركية والمقرب جدا من إدارة بايدن ودوائر الطبقة الحاكمة في الولايات المتحدة الأميركية، عندما قال في مقاله المعنون “عقيدة بايدن في الشرق الأوسط بدأت تتبلور” إن السياسة الأميركية في الشرق الأوسط ستتمحور حول تحجيم حلفاء إيران من الميليشيات عبر قتل قادتها وضربها في المنطقة، وقد بدأت بالفعل دون توقف، والاعتراف بدولة فلسطينية بغض النظر عن جديته، وإتمام عملية ما يسمى الإدماج، عبر تأسيس حلف من الموقعين على اتفاقات أبراهام والسلطة الفلسطينية والسعودية.

◙ هجوم حماس في السابع من أكتوبر، وضع عصا غليظة في عجلة مشروع الإدماج، الذي خططت له الطبقة الحاكمة في الولايات المتحدة كإستراتيجية لها في الشرق الأوسط من أجل الانسحاب

وعلى الجانب الآخر، ساهمت عقيدة بايدن أو السياسة الأميركية الجديدة، بفرض التراجع خطوة على إيران، وبدأت تتبنى نبرة التهدئة بعد أن كانت تلوح بالتصعيد بعد السابع من أكتوبر وبأن الهجوم البري على غزة سيشعل حربا إقليمية، في حين ومن لبنان أيضا قبل أيام صرح وزير خارجية إيران بأن الحرب ليست هي الحل، وأن إيران لا تريدها وحرب غزة بحاجة إلى حل سياسي. وأبعد من ذلك غضت إيران الطرف عن عمليات الاغتيال التي قامت بها إسرائيل وأميركا لقادة حماس وحزب الله والميليشيات التابعة لها في سوريا والعراق وضرب مقراتهم وتوسيع رقعة استهداف الحوثيين في اليمن. وقد لاقت تصريحات وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان ارتياحا في الأوساط الإسرائيلية.

بغض النظر عن أية إستراتيجية أميركية أو إيرانية في المنطقة، فالقضية الفلسطينية أثبتت أنها برميل بارود، لا توقيت لانفجاره في حال عدم حلها. وقد بين السابع من أكتوبر أن أي استقرار في المنطقة بالمعنى المطلق، لا يمكن الحديث عنه دون تأسيس دولة فلسطينية مستقلة، ومن الحماقة انتظار أن يأتي هذا الحل من الداخل الإسرائيلي، فالثقافة السائدة والعقلية الموجودة، كما يعلمنا ماركس، هي انعكاس للطبقة الحاكمة، والطبقة الحاكمة في إسرائيل نازية وعنصرية بامتياز.

إن مفتاح الحل بيد الاحتجاجات العظيمة التي تهز العالم من أجل وقف الحرب في غزة، بيد العالم المتمدن والإنساني، وبيد الضغط على الولايات المتحدة والغرب بالكف عن دعم إسرائيل وفضح سياساتها التي تختفي وراء هذا الدعم اللامشروط. لقد كانت محكمة العدل الدولية نموذجا في وضع إسرائيل ولأول مرة بالتاريخ في قفص الإدانة والمحاسبة، وقد يكون أيضا اجتماع الرياض الأخير الذي ضم مصر وقطر والأردن والإمارات والسلطة الفلسطينية إلى جانب الدولة المنظمة للاجتماع وهي السعودية، ورقة ضغط جديدة وجدية على إسرائيل للكف عن ممارساتها الوحشية، وخطوة نحو تأسيس دولة فلسطينية مستقلة.

9