الدور المصري في غزة ضروري لاستمرار عمليات الإعمار

وصلت مشاريع مصر في غزة إلى مرحلة متقدمة، حيث باشرت شركة أبناء سيناء للتشييد والبناء في الأيام القليلة الماضية إنشاء دار مصر في الزهراء وجباليا وبيت لاهيا. وتشمل هذه المرحلة تطوير التقاطعات الهامة لمدينة غزة وإنشاء محوّل في منطقتي الشجاعية والسرايا. وبالرغم من كل هذه الجهود التي تسابق بها الدولة المصرية الزمن لإصلاح ما قامت المواجهة الأخيرة بتدميره، إلا أن نسبة ما جرى إعماره من المنازل المدمرة كلياً في عدوان العام الماضي بلغ 12 في المئة فقط. وتواجه المشاريع القطرية تأخرا خلافا لنظيرتها المصرية التي تسير وفق المخطط والحيز الزمني المحدد، بالمقابل تعرف مشاريع الأونروا تعثرا كبيرا وهو ما دفع المئات من أهل غزة إلى الاحتجاج أمام مقرها مطالبين بالإسراع في ملف الإعمار الذي يشمل 700 وحدة سكنية.
على مدى سنة حاولت القيادة المصرية الحفاظ على مكتسبات الهدنة التي ساهمت فيها بشكل مباشر بعد جولة المواجهة العسكرية الأخيرة بين حماس وإسرائيل. كما مدت يدها إلى حماس للخروج من مخلفات الحرب الأخيرة التي دمرت جزءا كبيرا من البنية التحتية وزادت من معاناة الغزيين. ولكن هذه الأخيرة حاولت أن تعكر صفو التقارب في شهر نوفمبر، حيث خرجت تصريحات متطابقة في وسائل إعلام عربية مختلفة منسوبة إلى قادة حماس، مفادها أن الحركة تتهم مصر بالمماطلة في تنفيذ تعهّداتها، وتتعمد تأخير عملية الإعمار. واللافت أن هذه التصريحات جاءت قبل يومين من تقديم وزير الخارجية الإسرائيلي لرؤية الاحتلال في خطة “الاقتصاد مقابل الأمن”.
تسريع عملية إعادة الإعمار مسألة مرتبطة بمدى قدرة حماس على الحفاظ على مكتسبات الهدنة. بل هي لا تعني شيئا إذا تجددت المواجهات مع الاحتلال
تستمر مصر في دعم جهود الإعمار بالرغم من كل محاولات التشويش التي تقودها القوى الإقليمية الأخرى الفاعلة في غزة، والتي ترغب في تحجيم دورها، وذلك من خلال الحملات الإعلامية المغرضة التي تسعى لتقزيم الدور الكبير لمصر في ملف الإعمار. والغريب أيضا أن حماس اتهمت مصر بالمماطلة في عمليات الإعمار، في حين أنها لم تفعل شيئا من أجل التوصل إلى مسار سياسي واستقرار أمني، يمكّن من تسريع نسق عمليات الإعمار. ولهذا فان مصر غير مسؤولة عن بقاء الوضع على حاله في ظل جاهزية الفصائل الفلسطينية إلى الانتقال للتصعيد ونسف الهدنة التي سعت لها مصر، وقدمت لها غلافا ماليا في ظل ظروف اقتصادية صعبة.
الحقيقة هي أن بعض قادة حماس يبدون تخوفا من الدور المصري في غزة، ويخشون من أن أعمال إعادة الإعمار هي جزء من خطة لتمهيد الطريق لوجود أمني مصري دائم في القطاع. لذلك تحاول حماس أن تبقي على مسافة أمان مع النظام المصري، ولا تبحث عن أن تكون لها علاقة تتعدى الوساطة مع الاحتلال، حينما يقتضي الأمر. بالمقابل تقدم تنسيقا أمنيا لضمان استمرار فتح معبر رفح أمام الحركة والسلع والأشخاص. ورغم أن لمصر رؤية أخرى، وتصورا مغايرا لتصور حماس، إلا أن ما تقدمه لغزة يصب في المصلحة المشتركة للطرفين، ويضمن استقرار الحدود الشرقية لمصر، ويحافظ على التزاماتها بنصرة القضية الفلسطينية. كما أن دعمها للهدنة هو تأكيد على دور مصر كقوة راعية للسلام في المنطقة. ولا ننسى أن الدور المصري في غزة يحظى برضا الإدارة الأميركية، وهذا ما جاء تأكيده مؤخرا عبر مستشار الأمن القومي الأميركي الذي زار مصر، حيث أعرب جاك سوليفان عن تقدير الإدارة الأميركية للجهود المصرية الهادفة إلى إرساء السلام في المنطقة وجهود إعادة الإعمار في غزة.
تسريع عملية إعادة الإعمار مسألة مرتبطة بمدى قدرة حماس على الحفاظ على مكتسبات الهدنة. بل هي لا تعني شيئا إذا تجددت المواجهات مع الاحتلال، الذي سيزيد من فاتورتها من خلال استهداف البنية التحتية. حماس اليوم أمام اختبار حقيقي يكشف ما إذا كانت قادرة على تحقيق وعودها لسكان غزة، التي أطلقها إسماعيل هنية مباشرة بعد انتهاء معركة سيف القدس، حيث وعد بإعادة إعمار ما دمّره الاحتلال. فهل ستدعم حماس جهود الإعمار، أم أنها ستغامر بالملف بفتح مواجهة جديدة مع الاحتلال؟