الدراما اللبنانية والمرأة ذات البعد الواحد

الأحد 2016/07/03
كلّ سلوكات المرأة لا تتجاوز كونها ردّة فعل ممتدة

بيروت - تخدم المرأة في تصور الدراما اللبنانية صفة واحدة، أو حالة واحدة، أو ترسم مسار حياتها انطلاقا من حدث معين لا تستطيع الخروج منه. تقوم كل مهمتها في الحياة، كما تحرص الدراما على تصويرها، بشكل عام على تدبير شؤون هذا الحدث أو تلك الصفة التي غالبا ما تكون قصة حب ممكنة أو مستحيلة حدثت أو في طور الحدوث.

كلّ سلوكات المرأة لا تتجاوز كونها ردّة فعل ممتدة. هكذا لا تعكس الاختلافات في مسار الشخصية النسائية ولا الانفعالات والسلوكات المختلفة والمتناقضة مسارا ديناميكيا، بل مجرّد ردة فعل تتخذ أشكالا مختلفة وتظهر في كل مرّة بثوب جديد. المرأة لا تصنع الأفعال إذن، ولا تنتج الانفعالات، ولا تستطيع السيطرة على حياتها ولا رسم مصيرها. إنها كائن يحيا في دائرة ردة الفعل التي تتوسع على الدوام، وتضم كل تفاصيل حياتها وتحدد المسارات التي ستتخذها.

هناك دائما مرحلة أو حالة تشكل حاجزا سميكا وصلبا لا تستطيع المرأة تجاوزه والانتقال إلى مرحلة أخرى، بل تُرسم صورتها بوصفها كائنا لا يمتلك سوى صفة واحدة، وهذه الصفة تختصرها، وتمثلها، وتعبر عنها وتنطق باسمها. يهتم المسار الدرامي في المسلسلات اللبنانية بشكل عام بعرض الكيفية التي تفرض فيها هذه الصفة على المرأة منطقا معينا في التصرف وفي السلوك، وبما أن المرأة العاشقة هي الصفة المفضلة التي تهوى الدراما اللبنانية استخدامها وتوظيفها فإننا نقع دائما على امتداد حلقات المسلسلات على امرأة تقيم في أسر عواطفها ولا تجيد إدارتها، وتتعامل معها وكأنها قدر لا يردّ. لعل أحادية الصفات التي تُلصق بالمرأة نابعة من تصور عام لا يزال يرفض أن يرى في المرأة كائنا متحركا متحولا وديناميكيا، لأن ذلك يعني القبول بتحولات جديدة في بنية العقل الاجتماعي والسياسي الحاكم.

مثل هذا العقل لا يزال يبدي حرصا كبيرا على تمكين سلسلة من القيم والتقاليد والمفاهيم التي تتبنى منطقا يعكس تفكيرا ضيقا وراديكاليا وميالا إلى إغلاق الباب أمام كل محاولات التغيير والتطوير.لا يزال هذا المنطق غالبا على الحياة السياسية والاجتماعية وبات كذلك بصدد السيطرة على البنى الثقافية. وكل ذلك يدعم الواحدية التي تعني من ضمن ما تعنيه الانغلاق على الذات وزيادة نسبة العنصرية والعنف ونبذ الآخر. من هنا تلعب الدراما اللبنانية بوصفها منتجا سلطويا دور تكريس صورة للمرأة تضعها في إطار يتماهى مع ما تقوله عنها، وما تريد لها أن تكونه. لذا فإنه من البديهي أن تكون المرأة كائنا جامدا وثابتا، لأن المرأة المتعددة والمتحولة والقادرة على الإمساك بقدرها ومصيرها وتحديد خياراتها، تقدم مدخلا جديا من شأنه أن يساهم في تفكيك البنى القائمة وإنشاء بنى جديد ة مغايرة لا بل مناقضة لها.

تضرب الدراما بسيف السلطات القائمة وبسيف التقاليد البالية، وتحرص باستماتة على أن تقدم لنا امرأة محطمة تحتاج دوما إلى ترميم وإلى إعادة تأهيل تتمثل في دخولها في منظومة القيم التي تحدّد لها دورا يحرمها من الإيجابية والفعالية. تجد المرأة كيانها في نظر الدراما حين تنجح قصة الغرام. هذا العقل يسعى إلى تشويه صورة المرأة وصورة الحب في آن واحد. فالبلاد لم تعد آيلة لا للحب ولا للمرأة، والدراما التي تقدمها لا تعكس سوى هذا العجز الفظيع عن قول أي شيء حقيقي وفعلي عن المرأة.

20