الدببة القطبية تهاجر إلى المناطق الآهلة بالسكان

ذوبان الجليد البحري يشكل تحديا كبيرا بالنسبة للدببة القطبية التي تضطر للهجرة إلى مناطق بعيدة عن أراضيها للبحث عن مصادر غذاء.
الأربعاء 2020/07/22
رحلة البحث عن فقمة

الجليد البحري هو المكان الطبيعي الذي تعيش فيه الدببة القطبية، لكن مع تسارع انهياره بسبب ازدياد انبعاثات الغازات الدفيئة سينتهي الأمر بهذه الحيوانات القطبية اللاحمة بالانتقال إلى الأرض حيث يعيش البشر دون الحصول على الغذاء، ما يعرضها للانقراض خلال المئة عام القادمة.

باريس- تواجه الدببة القطبية خطر الزوال الحتمي مع ذوبان الجليد البحري، وفي حال استمرار ازدياد انبعاثات الغازات الدفيئة، من شأن التغير المناخي أن يسدد ضربة قاضية لهذه الحيوانات الأساسية في المنطقة القطبية الشمالية بحلول نهاية القرن الحالي.

وفي دراسة حديثة نشرت نتائجها مجلة “نيتشر كلايمت تشاينج”، ركز باحثون على أكبر تهديد جاثم حاليا على الدببة البيضاء والمتمثل بالزوال التدريجي لمواطن عيشها أي الجليد البحري حيث تمسك بحيوانات الفقمة اللازمة لغذائها.

واعتبر المؤلف الرئيسي للدراسة بيتر مولنار، وهو من جامعة تورنتو الكندية، أن “حياة الدببة القطبية تعتبر مؤشرا مهمّا لأضرار تغير المناخ، الذي سيؤثر على جميع أشكال الحياة، بما في ذلك البشر”.

ويعيش هذا الحيوان اللاحم في المناطق القطبية الشمالية حيث تصل الحرارة إلى 40 درجة دون الصفر شتاء، وهو قادر على الصمود من دون طعام لأشهر خصوصا في فترة الصيف حين يذوب الجليد البحري سنويا. ومع احترار المناخ في العالم، وهو يسجل سرعة مضاعفة في المنطقة القطبية الشمالية، يستمر غياب الجليد لفترات أطول.

وفي ظل عدم القدرة على إيجاد مصادر غذاء أخرى في بيئتها بالغنى عينه لحيوانات الفقمة، يتجه عدد متزايد من الدببة الجائعة أحيانا إلى مناطق بعيدة عن أراضيها مع الاقتراب من المناطق المأهولة.

وكشفت دراسات سابقة عن تزايد عدد حالات التهام دببة قطبية للحوم بني جنسها، دون تحديد ما إذا كان هذا مرتبطا بتغير المناخ من عدمه، وهو ما يثير قلق العلماء.

غراف

وكان العلماء قد رصدوا بالفعل تأثر الدببة القطبية بتناقص أعداد الفرائس، حيث ارتبطت فترات “الصيام” الطويلة بانخفاض أحجامها وضعف بنيانها وتراجع قدرتها على التكاثر، بل ونفوقها في بعض الأحيان.

ويشكل ذوبان الجليد البحري تحديا كبيرا خصوصا للإناث التي تدخل في الخريف إلى مخابئها لتضع صغارها في عز الشتاء والخروج مع الدياسم خلال الربيع.

ويقول ستيفن أمستروب، الباحث في منظمة الدب القطبي الدولية وأحد المشاركين في إعداد الدراسة، “يتعين عليها الإمساك بحيوانات فقمة لتخزين ما يكفي من الدسم وإنتاج كميات كافية من الحليب لإطعام صغارها طوال فترة الصيام في الصيف”.

ويقول بيتر مولنار “مع أخذ الوزن الأقصى والأدنى للدببة في الاعتبار، ومع وضع نماذج بيانية لكميات الطاقة التي تنفقها، احتسبنا عدد الأيام الأقصى التي يمكن لدب قطبي أن يستمر خلالها من دون طعام قبل أن يبدأ معدل الصمود لدى الحيوانات البالغة والصغيرة بالتراجع”. على سبيل المثال، الدب الذكر من فصيلة هادسون باي الفرعية بوزن أدنى بنسبة 20 في المئة من المعدل الطبيعي قادر على الصمود لـ125 يوما بعد بداية فترة الانقطاع عن الطعام، في مقابل 200 يوم حاليا.

وتتوزع الدببة القطبية البالغ عددها حوالي 25 ألفا إلى 19 فصيلة فرعية مختلفة في كندا وألاسكا وسيبيريا وفي أرخبيل سفالبارد النرويجي وغرينلاند، بينها أجناس لا يُعرف عنها الكثير.

وأشارت الدراسة التي نشرت نتائجها الاثنين إلى أن هذه المجموعات لا تتأثر كلها بالوتيرة عينها، لكن الباحثين يحذرون من أن “تراجع معدلات التكاثر والصمود سيهدد بقاء كل المجموعات الفرعية تقريبا بحلول 2100”، باستثناء دببة جزيرة الملكة إليزابيث، في حال استمرار انبعاثات الغازات المسببة لمفعول الدفيئة على وتيرتها الحالية.

معرفة الوقت الذي ستختفي فيه الدببة في مناطق مختلفة أمر بالغ الأهمية من أجل البدء في عمل جاد قبل فوات الأوان

وبحسب الباحث، حتى في حال حصر ارتفاع معدل الحرارة بـ2.4  درجة مئوية مقارنة مع مستويات ما قبل الثورة الصناعية، أي نصف درجة أكثر من الهدف المحدد في اتفاق باريس، فإن ذلك “لن يضمن إنقاذ الدببة القطبية على المدى الطويل”.

ويضيف أمستروب “في حال حصل ما يشبه السحر وأفلت الجليد البحري من الذوبان رغم ارتفاع درجات الحرارة، سيصب ذلك لصالح الدببة القطبية على الأرجح، غير أن مواقع عيشها تذوب تماما مع ارتفاع درجات الحرارة”.

وسجلت معدلات الحرارة ارتفاعا زاد عن درجة مئوية واحدة منذ حقبة ما قبل الثورة الصناعية، ما أدى إلى ازدياد موجات الحر الشديد والجفاف والفيضانات. وفيما من شأن الالتزامات المقدمة حاليا من الدول أن تؤدي إلى ارتفاع معدلات الحرارة العالمية بثلاث درجات مئوية، فإن الأحداث المناخية القصوى ستتفاقم مع كل احترار بمعدل نصف درجة مئوية.

ويقول أمستروب إن معرفة الوقت الذي ستختفي فيه الدببة في مناطق مختلفة أمر بالغ الأهمية من أجل البدء في عمل جاد قبل فوات الأوان.

وأضاف “وجدنا أن الخفض المتوسط للانبعاثات قد يطيل استمرار بقاء المخلوقات، لكن من غير المحتمل أن يمنع اختفاء العديد منها”، مشددا على “الحاجة الملحة” لمنع انتشار الغازات الدفيئة بشكل أكثر طموحا.

ولإنقاذ الدببة القطبية، يتحدث البعض عن إعادة إدخال حيوانات تتم تربيتها في الأسر، وصولا إلى نقلها باتجاه أنتركتيكا، غير أن هذه الأفكار بعيدة عن الواقع بحسب ستيفن أمستروب الذي يقول “قد يتعين التفكير بالقضاء على آخر الدببة القطبية بدل تركها تتضور جوعا”.

20