الخوف من سطوة الأتراك يساور سوريين يتوقون للعودة إلى الحسكة

نازحون ومنظمات حقوقية يتهمون المقاتلين الموالين لأنقرة بارتكاب أعمال نهب وسرقة ومصادرة منازل وتنفيذ إعدامات.
الثلاثاء 2020/10/13
مصير غامض هنا وفي الديار

الحسكة (سوريا) – داخل مخيم يعجّ بالنازحين قرب مدينة الحسكة في شمال شرق سوريا، ولدت بيريفان قبل خمسة أشهر دون أن تحظى كشقيقتيها بدفء المنزل في مدينة رأس العين، التي فرّت منها عائلتها قبل عام جراء هجوم تركي واسع على المنطقة.

تقول والدتها وضحة شيرموخ (29 عاما)، من خيمة العائلة في مخيم واشو كاني الذي يضم نازحين أكرادا وعربا من منطقة رأس العين، “وُلدت ابنتي بيريفان قبل أشهر في المخيم، لم تر منزلاً، بل خيمة”.

وتسأل متعجبة “كيف يمكن أن تكون الحياة بالنسبة إلى طفلة ولدت ونشأت في خيمة؟”. وأفراد عائلة شرموخ من بين عشرات الآلاف الذين فروا من منازلهم، على وقع هجوم واسع شنته تركيا مع فصائل سورية موالية لها في أكتوبر. وانتهى الهجوم بعد أسابيع، بوساطة أميركية واتفاق مع روسيا، بعد سيطرة تركيا على منطقة حدودية بطول 120 كيلومترا تمتد بين رأس العين (شمال الحسكة) وتل أبيض (شمال الرقة).

ورغم أن الكثير من النازحين عادوا أدراجهم إلى المنطقة ذات الغالبية العربية، إلا أن آخرين ما زالوا يعانون في مخيمات النزوح إما لأنهم فقدوا ممتلكاتهم أو خوفا لأسباب عدة.

ويتهم نازحون أكراد من المنطقة ومنظمات حقوقية المقاتلين الموالين لأنقرة بارتكاب أعمال نهب وسرقة ومصادرة منازل وتنفيذ إعدامات، على غرار ما حصل في منطقة عفرين عام 2018 إثر سيطرتهم عليها.

ورغم كونها عربية إلا أن عائلة وضحة تشعر بالقلق من العودة إلى رأس العين، خشية اتهام زوجها بـ”التعامل مع الأكراد” خلال سنوات سيطرتهم على المنطقة الحدودية، إضافة إلى دمار منزل العائلة.

تقول وضحة “أحاول أن أنسى، لكن كيف يُمكن للمرء أن ينسى منزله وجهد عمره؟”.

ولعلّ أصعب ما تمر به وضحة هو رؤية بناتها الثلاث، وبينهنّ روسلين التي تعاني من شلل في ساقيها، يكبرن في خيمة جهدت قدر المستطاع لجعلها أشبه بمنزل؛ فوضعت في إحدى الزوايا أدوات المطبخ وجعلت من زاوية ثانية مكاناً للجلوس وثالثة للنوم.

وتوضح، “يبدو المستقبل أسود (…) أفكر دائماً بمستقبل بناتي إذا بقي الوضع على حاله، وبماذا سيشعرن إذا خرجن من هنا ورأين كيف يعيش الناس في الخارج”.

ويعتريها القلق خصوصاً إزاء مستقبل روسلين التي تجلس على كرسيها المتحرك. وتحرص يوميا على اصطحابها إلى المدرسة، خشية ألا تتعلم بنتها “كبنات جيلها”.

في خيمة مجاورة، تقول السيدة الكردية شمسة عبدالقادر (40 عاما)، وهي أم لسبعة أطفال، إنها لا تتخيل نفسها تعيش بقية عمرها في المخيم.

مخيم أشبه بـ "قبر"
مخيم أشبه بـ "قبر"

وتضيف باللغة الكردية، “نفكر ليلا ونهارا في العودة إلى منازلنا في رأس العين، أفضّل أن أموت في بلدتي على العيش في هذا المخيم… إنه أشبه بقبر”.

لكنها في الوقت ذاته، تخشى العودة إلى العيش تحت سيطرة الجنود الأتراك والفصائل التابعة لهم، واصفة إياهم بـ”المرتزقة”.

وتقول، “إنهم أعداؤنا، يقتلون الناس ويخطفون النساء ويسرقون بيوتنا ولا أحد يمنعهم”.

وحذرت المفوضية العليا لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة الشهر الماضي من تزايد مستوى العنف والجريمة في مناطق سيطرة القوات التركية، ومن احتمال ارتكاب الفصائل الموالية لأنقرة “جرائم حرب”.

وقالت، إنّها وثقت “نمطا مقلقا من الانتهاكات الجسيمة” مع تزايد عمليات القتل والخطف ومصادرة الممتلكات والإخلاء القسري.

ولفتت إلى أنّ الفصائل استولت على منازل وأراض وممتلكات ونهبتها دون أي ضرورة عسكرية ظاهرة.

وتخلّت سليمة محمّد (42 عاماً) عن فكرة العودة إلى رأس العين، حيث تم تدمير منزلها. وشرعت في الإعداد لبناء مطبخ منفصل عن خيمتها المكتظة بـ14 فرداً من عائلتها.

تقول، “قريتنا احترقت… حتى وإن كان لدينا أمل في العودة، إلى أين سنذهب؟ لم تعد هناك بيوت أو جدران أو حتى أبواب ونوافذ”.

وتسأل بحرقة، “ماذا يعني المستقبل؟ ما لم نكن موجودين بين أهلنا وعلى أرضنا؟”، إلا أن الأنباء عن عمليات خطف وتجاوزات تحول دون العودة.

وتشاركها قمرة (65 عاماً)، النازحة من ريف رأس العين، المخاوف ذاتها.

في الخيمة حيث يحيط بها أحفادها، تُخرج قمرة مفتاحا من حقيبة صغيرة، وتقول “أحضرت مفتاح منزلي”.

وتضيف، “إذا متّ قبل أن أعود، أريد أن يدفنوا معي هذا المفتاح”.

"إذا متّ قبل أن أعود، أريد أن يدفنوا معي هذا المفتاح"
"إذا متّ قبل أن أعود، أريد أن يدفنوا معي هذا المفتاح"

 

20