الحياة بعد النهاية

سانتي كازورلا هذا اللاعب كان يؤمن أن المستحيل قد يتحول إلى واقع ملموس، وحده، فقط، آمن بأن عزيمته الفولاذية قد تقوده إلى السير في طريق رونالدو البرازيلي.
الأحد 2019/01/06
سانتي كازورلا عزيمة فولاذية

منذ حوالي خمسة عشر عاما شهد العالم الكروي نهوض اللاعب البرازيلي رونالدو، لقد كتب التاريخ وطوّعه، لقد تغلب على الإصابات وعاد أقوى من ذي قبل، لقد تمكن من قهر كل لعنات الضربات الموجعة ليكون أقوى فوق الملاعب، لقد قاد بعد غياب دام أكثر من عام منتخب بلاده إلى الحصول على لقب كأس العالم سنة 2002.

ربما البعض يتذكر ذلك الإصرار الذي تسلح به “الظاهرة”، فبعد إصابتين خطيرتين على مستوى الركبة وبعد التدخل الجراحي في أكثر من مناسبة، كتب لرونالدو العيش لفترة أطول في الملاعب ومواصلة نحت مسيرته الرائعة والتي جعلت منه أحد أساطير الكرة في التاريخ.

دارت الأيام ومرت السنوات، واليوم يبدو أن الحدث تكرر بالفعل، أي نعم فما حصل لرونالدو في السابق استنسخه لاعب إسباني بدا “كطائر الفينيق” الذي نفض أجنحته من تحت أكوام الرماد ليعود إلى التحليق من جديد، لكن في القصتين بعض الاختلافات، فبطل القصة الثانية ظهر وكأنه أكثر إصرارا وصبرا وعزيمة.

هذه القصة تخص أحد النجوم السابقين للمنتخب الإسباني وفريق أرسنال الإنكليزي، إنها تهم لاعب الوسط سانتي كازورلا الذي بقي بعيدا عن الأضواء والملاعب لفترة دامت 636 يوما بالتمام والكمال، أي قرابة العامين قبل أن يتحدى لعنة الإصابة ويعود لمداعبة الكرة، والأكثر من ذلك التألق وتقديم لمحات فنية مبهرة.

قصة شبيه رونالدو بدأت منذ أكتوبر سنة 2016، فذات مباراة “مشؤومة” مع ناديه السابق أرسنال، تعرض كازورلا لإصابة حادة وخطيرة للغاية، كان عليه قبل كل شيء الخضوع لعدة عمليات جراحية، وكان يتوجب أيضا وهذا الأقسى والأكثر ألما أن يعتزل كرة القدم.

في خضم الصدمة جراء الإصابة صعقه الأطباء المتابعون لحالته الصحية، حيث نصحوه بضرورة الركون لفترة نقاهة مطولة ونسيان كرة القدم كليا.

بدأت رحلة العلاج الموجعة، ليخضع النجم السابق لأرسنال إلى أكثر من تدخل جراح، فاق العشرة، قبل أن يضطر الأطباء بعد ذلك إلى نزع حوالي 8 سنتمترات من “وتر إكليس”.

الأشد من ذلك أن الأطباء أعلموه بأنه سيكون محظوظا للغاية إذا تمكن من السير بصورة طبيعية مجددا، خاصة وأن الإصابة كانت أشبه “بطلقة رصاصة قاتلة”.

أكمل كازورلا الفترة الأولى من رحلة الشفاء، رحلة تواصلت لفترة طويلة، والكل كان يتمنى له أن يقدر مجددا على استعادة حياته العادية حتى وإن كلفه ذلك قطع مسيرته الكروية نهائيا.

مرّت الأيام تباعا، لا جديد يبعث على الفرح في قلب هذا اللاعب، بل إن أرسنال فريقه السابق الذي تألق معه وقاده لعدة مواسم للمنافسة بقوة على الألقاب، قرر عدم تمديد عقده، فالكل كان يدرك أن كازورلا انتهى ولم يعد له موقع في الخارطة الكروية.

في خضم كل هذه العتمة، وحده هذا اللاعب كان يؤمن أن المستحيل قد يتحول إلى واقع ملموس، وحده، فقط، آمن بأن عزيمته الفولاذية قد تقوده إلى السير في طريق رونالدو البرازيلي.

انتظر كثيرا، ملأ قلبه بالصبر والمثابرة والعزيمة وكذلك الإيمان، نجح بفضل تقيده التام بتوصيات الجهاز الطبي المشرف على علاجه بأن يعود إلى حياته الطبيعية، عاد ليمشي كما كان في السابق، لا أوجاع ولا آلام ولا مخلفات قد تعيقه مرة أخرى.

وضع أمامه فكرة واحدة وهي العودة مجددا لمداعبة “محبوبته”، بل واللعب مع فريق محترف.

تجاوز مرحلة الشك والتردد، ودون تفكير مطول، بدأ يخطط للمرحلة الآتية، لقد اتصل بأمهر المختصين في العلاج الطبيعي، ليبدأ مرحلة استعادة لياقته البدنية، فنجح الأمر.

لقد قدم سانتي كازورلا بعد فترة طويلة من رحلة التعافي مؤشرات بدنية لا تخدع تؤكد بأنه ما زال قادرا على اللعب لمواسم أخرى، لقد تغلب على كل العراقيل وتجاوز كل الخطوط الممنوعة.

ما قدمه كازورلا سابقا أو بعد انتهاء رحلة العلاج شجع إدارة فياريال للتعاقد معه، كانت تؤمن بأن هذا الفتى قادر على استعادة كافة مؤهلاته، ثم بدأت المسيرة الجديدة، ومعها بدأت الحياة التي تلي النهاية.

منذ نهاية الموسم الماضي انضم كازورلا إلى فريقه السابق، وبدأت مشاركته تدريجيا في المباريات الودية التي تهدف لمساعدته على استعادة نسق المباريات.

ليبدأ هذا الموسم مع فياريال وكأنه شاب في العشرين، رغم أنه تجاوز فعليا سن الـ33، كان في بعض المباريات لاعبا احتياطيا، لم يشأ هو وكذلك مدربه المجازفة بالتعويل عليه كثيرا، خاصة في المباريات الكبرى والصعبة.

لكن بداية العام الجديد حملت معها الخبر اليقين، حملت معها لهذا اللاعب المكافح والصبور كل الأخبار المفرحة، حملت معها تألقا لافتا في مباراة الخميس الماضي ضد ريال مدريد بطل أوروبا والعالم.

لقد أبهر كازورلا الجميع وتمكن بمفرده من إزعاج كتيبة الريال، لقد سجل هدف السبق في المباراة قبل أن يضيف هدفه الثاني الذي أنقذ به فريقه من خسارة مؤكدة.

صحيح أنه لم يقدر على هزم الريال، لكن الأهم من ذلك أنه هزم المستحيل وقهر العجز، لقد رفض أن “يموت”، بل ارتأى أن يعيش حياة ثانية في منتصف العمر، حياة تأبى أن تكون طيّعة ومستكينة لشبح الإصابات.

23